الشعبوية تنهار أمام فيروس كورونا وترامب ينتقد منظمة الصحة العالمية / فوزي بن يونس بن حديد

فوزي بن يونس بن حديد: هل يستقيل راشد الغنوشي من رئاسة مجلس النواب ...

فوزي بن يونس بن حديد  ( الخميس ) 9/4/2020 م …




[email protected]

عندما بدأ يزحف كورونا نحو أوروبا وأمريكا، كان كلّ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يهزآن ويستهتران بما فعله الفيروس بالصينيين، واعتقدا أن بلديهما لديهما من المناعة ما يكفي لصدّ الفيروس والحدّ من حركته، واخترع بوريس جونسون استراتيجية ما يسمى بمناعة القطيع، وذكر أن مناعة الإنسان تكفي لمواجهة الفيروس، ورفض الالتزام بنصائح الأطباء وحاول مقاومة الفيروس بالحياة العادية من مصافحة المرضى في المستشفى والتعامل عن قرب مع الناس العاديين، حتى أصيب بالفيروس نفسه، وبقي تحت الملاحظة ثم تدهورت صحته أخيرا  إلى أن أحيل إلى العناية المركزة وقد تتطور حالته نحو الأسوأ، وقد تتحسّن حسب الرعاية الصحية.

أما  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فلم يأخذ الموضوع بجدية في بادئ الأمر أيضا، وعندما أصيب 15 أمريكيًّا  بأعراض الفيروس، قال إن الأمر سيسير بأعجوبة وسيُشفى المصابون بسرعة، وخضع هو نفسه للفحوصات الطبية بعد أن اختلط بوزير برازيلي لكن نتيجة الفحص كانت سلبية، وبقي متذبذبا طوال المدة التي بدأ الفيروس في الانتشار في أمريكا رويدا رويدا إلى أن أحس ترامب أن الأمر جدّيّ ويحتاج إلى تدخل عاجل خوفا من الصدمة التي تنتاب الشعب الأمريكي، وقد نبّه كثير من الأطباء والمستشارين الأمريكيين ترامب من خطورة الفيروس ونصحوه بسرعة التحرك لإنقاذ الملايين من البشر  من الموت المحقق ولكنه في كل مرة يحاو ل أن يخترع كلاما من عنده في مؤتمره الصحفي، ويحاول أن يثبت للأمريكيين أنه قوي وأنه قادر على مواجهة الأزمة وأنه يستطيع التغلب على الجائحة، من خلال قراراته المستعجلة والمتذبذبة والمتردّدة وغير الواقعية، حتى إن كبير المستشارين الصحيين في البيت الأبيض كان يخالفه في كثير من الخطوات التي اتخذها ترامب ويراها هو مغلوطة ولا تمس الواقع في شيء.

هذه الشعبوية التي كان يقودها جونسون في بريطانيا وترامب في أمريكا، أودت بحياة الآلاف إلى حد الآن، وكلما كان الاستهتار شائعا في أي بلاد قد يجتاحها الفيروس، كانت النتيجة كارثية، ففي اليوم الواحد يموت الآلاف في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وظن هذا النوع من القادة أنهم قادرون بقوّتهم على مواجهة أي كارثة أو أزمة بتجرؤهم على اتخاذ قرارات فردية وفرضها على الواقع دون احتسابٍ للنتائج الكارثية والمفزعة والمرعبة في المجتمع، واليوم وبعد أن تفشى المرض بسرعة مهولة في أمريكا وفي كل القطاعات أدرك ترامب أنه محاصر من كل الزوايا وأنه لا مفرّ من الاستسلام للأمر الواقع والاعتراف بأن أمريكا الدولة العظمى والأقوى في العالم تقف عاجزة على التصدي لفيروس لا يُرى إلا بالمجهر، وتقف الجيوش الأعتى في العالم وبكامل قدرتها وعتادها وقوّتها عاجزة أيضا على فهم ما يجري في هذه الحرب البيولوجية التي مسّت بلدانا قوية وكبيرة وجعلت الأمر في غاية الصعوبة والدهشة والخطورة.

وطبعا عند الفشل الذريع يلقي ترامب لومه الشديد على منظمة الصحة العالمية، لتأخّرها في الإعلان عن فيروس كورونا وباء عالميّا، يستوجب التدخل فورا، وأنها لم تفعل شيئا للحدّ من تفشيه وخطورته، لأنه ظنّ في البداية أن بلاده قادرة بسرعة مهولة على إيجاد لقاح سريع أو دواء ناجع فلم يتحدث للمنظمة العالمية آنذاك، ولكنه لمّا عجز عن تحقيق ما يريد ألقى بكل ثقل فشله وعجزه على المنظمة العالمية ولامها وعاتبها عتابا شديدا على تقصيرها وعدم قدرتها على إيجاد حل فوري للخروج من أزمة فيروس كورونا، بل وهدّد بسحب تمويل الولايات المتحدة الأمريكية وحصّتها من المنظمة العالمية وبالتالي تقويض جهودها في مساعدة الدول التي تحتاج إلى مساعدة في الأزمات التي يشهدها العالم ومنها أزمة كورونا.

ولا ينظر ترامب إلى هذا التفشي وسرعة الحد منه إلا من زاوية ضرورة معالجته بسرعة حتى لا تتأثر حملته الانتخابية وإعادة انتخابه في نوفمبر المقبل، لكن لا تجري الرياح دائما بما يشتهي ترامب وفريقه، فقد تغرق سفينته هذه المرة، بعد نجاته من محاكمته برلمانيّا في المرة الماضية، وما كلّ مرّة تسْلَم الجرّة، فقد تُكسر جرّته هذه المرة ولا يستطيع بعد ذلك جَبْرُها ولو حاول مرارا وتكرارا واستخدم كل حيله السياسية والدبلوماسية والاستهزائية، وبالتالي سوف تنهار الكتلة الشعبوية التي كان يفتخر بها طوال فترته الرئاسية الأولى، ولعل ذلك كان امتحانا جيدا لترامب  الذي ظلّ يتفاخر بأعماله ويفاخر بقوته وذكائه، الذي أوقعه في فخ يصعب عليه الخروج أمام ازدياد حالات الوفاة اليومية بشكل مخيف ومرعب لا يُتصور  له حدّ معيّن.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.