العقوبات الأميركية في زمن كورونا: جريمة ضد الإنسانية…! / العميد د. أمين محمد حطيط

امين حطيط يتهم السعودية بتصفية الارهابي ماجد الماجد - قناة العالم ...

العميد د. أمين محمد حطيط ( لبنان ) – الجمعة 10/4/2020 م …




من اجل السيطرة على العالم لا تتورع أميركا عن استعمال أي وسيلة او سلاح بصرف النظر عن مدى مشروعيته او لا أخلاقيته او لا إنسانيته. فالأساس لدى أميركا هو فرض السيطرة وإخضاع من يعارضها او يعرقل سعيها لامتلاك قرار العالم حتى ولو تمت هذه المعارضة في معرض ممارسة الآخر حقه بالحرية والسيادة والاستقلال واستثمار ثرواته الطبيعية.

وقد تصاعدت وتيرة استباحة أميركا لحقوق الدول والشعوب منذ ان تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان يقاسمها النفوذ والسيطرة على العالم ويضع بوجهها الخطوط الحمر التي تمنعها من الاستئثار بالقرار الدولي، حيث انطلقت أميركا بعد هذا الحدث بذهنية أنها القطب الأوحد في العالم الذي يجب ان تنصاع له المعمورة. وانطلقت معتبرة نفسها بانها الحاكم والقائد والشرطي والقاضي والجلاد لكل العالم، وان حاكمها جاء بأمر ألهى وان العناية الإلهية اختارته ليكون الضابط والناظم لحكم المعمورة وحركتها، على حد ما قال جورج بوش قبل غزوه للعراق في العام 2003، “العناية الإلهية اختارتني لأنقذ العالم ” وكما ضمن إعلانه الحرب على العراق بان هدفه “نزع أسلحة العراق، وتحرير شعبه، وحماية العالم من خطر قاتم محدق.”

اطلق بوش رئيس الولايات المتحدة هذا القول رغم ان مجلس الأمن الدولي رفض طلب أميركا غزو العراق و رفض العمل العسكري ضدها و رغم هذا تصرفت أميركا فوق الإرادة الدولية خلافا للقانون الدولي و نفذت غزوها و تصرفت بذهنية أنها قائد العالم  معتبرة  ان تفكك الاتحاد السوفياتي ، و عدم قيام الند البديل المناهض وامتلاكها القوة بكل أنواعها العسكرية و العلمية و الاقتصادية و الإعلامية ، يبرر لها  إقامة نظام عالمي بقيادتها الأحادية  يمكنها من السيطرة على المعمورة  و يعطيها الحق بان تلزم العالم بالخضوع والاستسلام لإرادتها او التعرض لما يفرزه غضبها عندما تصبه عليه نارا و حصارا.

فأميركا المعتدة بقوتها والمزهوة بجبروتها تتعامل مع العالم على أساس انه ميدان نفوذها وان ليس لأحد حق بالاعتراض على أرادتها، وأسندت موقفها بأطلاق نظريات جديدة كنظرية “التدخل الدولي الإنساني المتقدم على السيادة الوطنية لأي دولة” و “نظرية العولمة” التي تسقط بموجبها الحدود الدولية أمام اجتياح الأقوى الخ …. وأعطت أميركا نفسها الحق بتقدير مصلحة الشعوب كما تراها هي وتعمل على فرضها وفقا لتصورها بصرف النظر عما إذا كانت هذه الشعوب تقبل هذا او ترفضه. فهي من يقرر وهي من يتصرف وتنتظر من الأخر الانصياع وإلا كانت العقوبة التي تختار هي نوعها وحجمها ونطاقها، تفرضها بشتى صنوفها المادية وغير المادية شاملا ذلك الحرب والقتل والتدمير والحصار والتجويع إلى حد الموت.

لقد  عانى ويعاني العالم من الاستبداد الأميركي المطلق خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة التي أعقبت  أربعة عقود أخرى كان فيها نوع من التوازن الاستراتيجي الدولي الذي كان يقيد او يحد من هذا الاستبداد ، معاناة كانت بسبب ما قامت به أميركا من حروب و فتن و ثورات مزيفة بالوان أميركية متعددة مترافقة مع تدابير قسرية كيدية نفذتها تحت عنوان “العقوبات “التي تستهدف الدول و المنظمات و الأشخاص و كل  من يقول  “لا” لأميركا ، التي  لم يواجهها علانية و يرفض تسلطها  وسياستها العدوانية ألا قلة من المكونات السياسية و الشعبية في العالم والتي  تبلورت نواتها الأولى في غربي أسيا حيث تشكلت ما عرف  بالمقاومة ثم قام  محور يقاوم الغطرسة الأميركية الاستعمارية  أساسه ايران وسورية و حزب الله و بعض المكونات الفلسطينية ثم  تعاظمت ظاهرة  الرفض  العالمي العلني للاستبداد الأميركي حتى باتت تشمل دول و كيانات و شخصيات و تيارات هامة برزت الصين و روسيا في مقدمتها .

لم تعبأ أميركا كثيرا بمعارضيها و كانت شبه واثقة بقدرتها على ترويضهم و ظنت بان ما تملكه من قوة و علاقات مع شركاء او حلفاء وفقا  لتسمياتها (في الحقيقة ليس لأميركا شريك او حليف ، فأميركا لا تنظر إلى الآخر ألا تابع و أداة او عدو و خصم و اكد بوش الابن على هذه النظرة حيث قال “من ليس معنا فهو  ضدنا “) ظنت أنها قادرة على  إخضاع من يتجرأ على رفض أرادتها لكنها صدمت  بنتائج المواجهة خاصة نتائج  العقد الأخير حيث أنها  رغم كل ما اعتمدته من تدابير عسكرية وسياسية و غير ذلك من الأعمال القمعية الزجرية ضد المناهضين لسياستها، لم تحقق أهدافها في السيطرة و لم يخضع أحد من المعسكر المناهض لها رغم ما نزل بهم  من أضرار وخسائر مؤلمة .

لقد نجح معسكر رفض الاستبداد الأميركي في إفشال مساعي أميركا لإقامة النظام الدولي أحادي القطبية ومنع تشكل حالة دولية تكون فيها أميركا القائد الوحيد للعالم، ونجح ذاك المعسكر في الدفاع عن حقوقه رغم انه لم يشكل حلفا متماسكا او منظومة دولية متحدة خلافا لحال أميركا مع الحلف الأطلسي الذي تمسك به وتستعمله لتنفيذ سياستها الدولية بعد ان غيرت طبيعته من دفاعية عن امن الأعضاء إلى هجومية عدوانية لتنفيذ المصالح والأهداف الأميركية.

في ظل هذه النتائج السلبية أميركيا للصراع الدولي، حلت جائحة كورونا في الصين التي اجتاح اقتصادها العالم وتقدمت على أميركا فيه، وظن في البدء أن الأمر قد يكون نوع من حرب جرثومية تشنها أميركا ضد عدوها الاقتصادي وأنه حلقة من سلسلة حروب لجأت اليها في ظل عجزها عن النجاح في المواجهات الأخرى، حرب تترافق مع ما يقال من تحضيراتها للمواجهة العسكرية مع الصين، ثم تعزز الظن هذا عندما اقتحم الفيروس إيران ليجعلها الدولة الثالثة التي يجتاحها الوباء.

لكن تطور انتشار الجائحة وسقوط أميركا وشركائها في الحلف الأطلسي فريسة لهذا الفايروس وتقدمهم كل دول العالم في حجم الإصابات والموتى جعل مطلقو نظرية الحرب البيولوجية يتراجعون او يخفتوا الصوت للانصراف إلى التدقيق بمسائل أخرى افرزها الفيروس كورونا خاصة في مجال نظام الرعاية الصحية الغربي والعلاقة بين الحلفاء أعضاء الحلف الأطلسي وتصرف الشرق خاصة الصين وروسيا تجاه الغرب الأطلسي وأخيرا أداء أميركا في معرض مواجهة الوباء.

  • ففي النقطة الأولى تبين وضوحا كم ان نظام الرعاية الصحية في الغرب واهن وضعيف ويفتقد إلى الجهوزية لمواجهة وباء وثبت ان الذهنية الرأسمالية المادية تغلب المصالح المالية للرأسماليين على الحاجات والحقوق الإنسانية للمواطنين. ما أكد زيف تشدق الغرب بمقولة حقوق الأنسان التي يتخذها مبررا للتدخل في شؤون الدول والشعوب.
  • وفي الثانية فقد ظهر جليا ان ما يربط أعضاء الأطلسي ببعضهم هو المصالح والنفعية دون المبادئ والإنسانية، فاذا استوجبت العلاقة التضحية والعطاء فلا يكون للعلاقة إثر او وجود واظهر البعض من دول الغرب الأوربي قدرا من الأنانية وضع مصير الاتحاد الأوربي كله ومستقبله تحت علامة استفهام كبيرة.
  • أما في الثالثة فقد أكدت الصين وروسيا والشرق عموما ان الخلافات الاستراتيجية والسياسية لا تثنيهم عن تقديم المساعدات الإنسانية حتى للخصوم والأعداء وان حاجة ومصلحة الأنسان كانسان تتقدم على أي اعتبار وبذلك قدمت هذه الأطراف نموذجا فذا عن التصرف الإنساني خلافا للتصرف الغربي المعادي للإنسانية.
  • أما في الرابعة فقد كانت الفضيحة الكارثة حيث انهارت صورة أميركا على وجوه ثلاثة الأول داخلي حيث ظهر وهن الروابط الوطنية بين الولايات الأميركية ما ينذر بالتفكك ،وعلى الصعيد التحالفي حيث ظهرت الخفة وعدم الاكتراث بمصائب الشركاء أما الجريمة الكبرى فقد كانت في الأداء الأميركي ضد الخصوم خاصة سورية وإيران اللتان تتعرضان لعقوبات أميركية إجرامية تفرضها أميركا خلافا لقواعد القانون الدولي ،حيث أصر ترامب على تشديد العقوبات بدل وقفها ومنع عن إيران وسورية حاجاتهما من الدواء والمواد الأولية التي تستعمل في تصنيعه او في المجال البحثي لإنتاجه ورأى في الوباء فرصة نادرة لتجعل العقوبات أكثر فعالية في تركيع الدولتين ما يعني ان ترامب ان لم يكن هو مطلق الفيروس فهو مستثمر به بكل تأكيد.

لهذا نرى ان السلوك الأميركي في التمسك بالعقوبات على سورية و ايران ،رغم الطلبات والمناشدات الدولية لرفعها وحتى من الداخل الأميركي،  يعتبر  جريمة يؤدي ارتكابها  إلى منع التصدي لوباء بل يسهم في انتشاره ، جريمة تتطابق عناصرها  مع عناصر جريمة  الإبادة الجماعية التي لا تسقط بمرور الزمن وتوجب ان لا يفلت مرتكبها من العقاب  ، فترامب ومن خلال إصراره على العقوبات ضد سورية و ايران و غيرهما رغم التهديد الوبائي الخطير الذي تتعرضان له إنما يرتكب جريمة ضد الإنسانية لا يمكن اعتبارها جزءا من حروبه ضد الدولتين بل تشكل ملفا قائما بذاته منفصل عن كل ما عاده ملف بعنوان “جرائم ضد الإنسانية “بحق شعبي سورية و ايران .جرائم تحيل مرتكبها إلى مجرم دولي لا يستحق ان يوكل اليه شان في قيادة العالم..

العميد د. أمين محمد حطيط

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.