حتى يتحول وحيد القرن إلى ذي القرنين / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج * ( سورية ) الأربعاء 14/10/2015 م …
* باحث في السياسة والاقتصاد …
لم يعد القتال بين حيوانات الغابة مباشرة هو الذي يحدد زعيم هذه الغابة كما كانت المعلمة والجدة وبرامج الأطفال تخبرنا وفق أيديولوجية البقاء للأقوى والاستمرارية للصدق والخير والعادات الحميدة، فقد تطورت الحيوانات كما تطورت الغابة نفسها، فكان للعولمة وسياقها الحضاري الأثر الأكبر في إكساب الأطراف المتصارعة على الزعامة قدر كافٍ من الذكاء، بحيث أصبحت المواجهة تتم بجهاز التحكم عن بعد وبأحجار الدومينو وبأعواد الثقاب البشرية.
إلا أن ما يميز غابتنا التي نعيش بها كبشر بسلوك حيواني عن غابات الحيوانات الأخرى أن قواعد حكمهم وتمكينهم في الحياة في غابتهم واحدة، فالبقاء للأقوى ولا تخضع للمحاباة ولا إلى تغيير العلاقات لأية اعتبارات، ولا تعرف السياسة ودهاليز نفاقها إلى ميادينهم أية طرق، فتبقى القيادة للأقوى متفرداً بها ثم من يليه.
أما غابتنا البشرية فتحميها السياسة ودهاليزها، وتنظم معايير حكمها وتمكينها موازين مختلة تلعب فيها شريعة الغاب دوراً رئيساً، ويلعب التقرب والمحاباة والانسلال أدوار لا متناهية، لا تضبطها أخلاق ولا شرف، ولا تستقيم أمورها بسيد واحد يقود ويدير مقاليدها ويوجهها. فقادتها الدسائس وأحكامها النفاق، وأدواتها في تطبيق الأحكام هي سفك الدماء والظلم والطغيان.
لقد استطاعت غابتنا البشرية في الفترة الماضية أن تسير بقطب وأحد طوابعه صهيوني وعباءته وأدواته أمريكية، فكان اختلال الموازين والظلم والقتل والجور والتبلي عنوان عريض لمرحلة القطب الأمريكي الأوحد كما قال فرعون وفق ما ورد في كتاب الله “أنا ربكم الأعلى”، وعندما لم يكتف هذا القطب بما حققه من إبادة للإنسانية وإهانة للحضارة البشرية قام بتحريك رمال البشرية جمعاء إرضاء لغروره، فكانت حمامات الدماء التي شهدتها منطقتنا تحت مسميات الربيع والثورات والحرية والتنمية والديمقراطية.
وعندما أيقن العالم بضرورة التخلي عن قرن الشيطان ليصبح العالم ثنائي أو متعدد الأقطاب، ازدادت وتيرة الدماء وارتفعت درجة الفوضى الفكرية التي جسدها أبناء جلدتنا من بني البشر سلوكاً حضارياً تحررياً، فكان الميدان السوري هو نقطة البداية الفاصلة، التي قررت من خلالها روسيا الاحتفاظ بوجودها على خارطة العالم القوي، الأمر الذي يعتبر من أقوى البدايات المتأخرة بالنسبة لنا، والدقيقة والحرجة بالنسبة للعالم أجمع وخاصة الروسيين، إلا أنها رحلة الألف ميل المرسومة بدقة لا متناهية، فبدايتها التخلي عن ليبيا، وبداية حسمها الانخراط في الميدان السوري، وكلمة النهاية ستكون في الميدان السوري أيضاً، أما دورة حياتها فتشمل اليمن والعراق ولبنان والأهم من ذلك كله حزب الله وفلسطين.
إن ما يميز غابتنا أيضاً وجود مؤسسات دولية تشهد على الظلم والبغي والطغيان، وتشرع القتل والتدمير، وترفع شعار التغيير إذا كان خدمة للشيطان الأكبر الذي يحكم السيطرة على العالم، وعلى الرغم من إيقانها بضرورة الثنائية القطبية أو التعددية من أجل استمرار العالم ووجوده على الوتيرة نفسها من نمط الحياة، إلا أنها لا تحاول تغيير القرن الوحيد المتحكم بالعالم إلى أكثر من قطب إلا بطرق الحوار الدموي.
فإذا كانت كمية الدماء التي روت أرض المنطقة العربية غير كافية للآن إلا لتعلن نقطة البداية الفاصلة، فكم سيلزمنا من دماء حتى يتحول قرن الشيطان الأمريكي إلى قرني غزال جميلين يتركان انطباع المحبة والمصالح أمام الجميع.
أوليست كمية الدماء التي سوف تقدمها الشعوب قرابين للتحول العالمي إلى ذي القرنين أقل بكثير من بقاء قطب واحد متحكم بالعالم.
ولماذا دائماً وعبر التاريخ سورية ومنطقتها الجيواستراتيجية هي بوابة التحول العالمي.
وغيرها الكثير من التساؤلات التي تطرح ما دام قدرنا في سورية أن نكون مفاتيح قيادة العالم. لذلك عشتم وعاشت سورية قلب العروبة النابض، وبوابة التحولات العالمية
التعليقات مغلقة.