بعد عجزه وفشله في مواجهة كورونا، هل يخوض ترامب حربا مع الصين لإنعاش حظوظه بالفوز بولاية ثانية / فوزي بن يونس بن حديد
فوزي بن يونس بن حديد ( تونس ) – الثلاثاء 14/4/2020 م …
إنها الكارثة، التي حلّت بالولايات المتحدة الأمريكية كما وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد التفشي السريع لفيروس كورونا في بلاده بشكل سريع ومرعب، حيث أعلن حالة الطوارئ في خمسين ولاية أمريكية وهو أمرٌ يقع أول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن كل أوراق الرئيس ترامب قد احترقت ولم تعد أمامه إلا ورقة واحدة لينجو بها من الكارثة التي حلت ببلاده، وهي الحرب على الصين، فأمريكا اليوم تشهد انهيارا كاملا في كل المجالات، في المجال الصحي، وفي المجال الاقتصادي، وحتى في المجال السياسي، والاجتماعي، فقد بدأ الأمريكيون يضيقون ذرعا بما حصل لبلادهم التي كانت يوما تعدّ من أقوى البلدان في العالم، فها هي اليوم تغرق في حرب شرسة مع فيروس لم تقدر على مواجهته بالقوّة والعُدّة والعتاد التي تملكها، ولم تعد قادرة على توفير الأمن النفسي لرعاياها.
لقد وقفت أمريكا اليوم، عاجزة فعلا على صد كورونا، رغم ما تملكه من قوة تباهي بها العالم في عهد ترامب وغيره، وزاد الأمر سوءا حينما كان ترامب يرفع شعار أمريكا أولا، وتعدّى على الحقوق الإنسانية في العالم، وفي فلسطين، وفي سوريا، وفي الشرق الأوسط، وفي المكسيك وفي فنزويلا، وفي أفغانستان، وفي كوريا الشمالية، كان يعتقد أن القوة البشرية والعسكرية كافية وحدها بأن تتسيّد العالم، وأنه من خلال ما قام به طوال أربع سنوات إنجازات كبرى، ولكنها في لحظة من الزمن ذابت كذوبان السكر في الماء، وكأنه لم يصنع شيئا، فقد جاءته جائحة كورونا بغتة وأفسدت عليه أحلامه الكبرى، وغيّرت وجه أمريكا إلى الأبد، فهل هي حقا نهاية أمريكا على يديه؟ أم هي غمامة سحاب سرعان ما تضمحل؟
لقد صدق الله تعالى قوله في أمريكا عموما التي تباهت بقوتها المادية، وظنت أنها قادرة على فعل كل شيء، ونسيت وتغافلت قوة المولى عز وجل، القادر على كل شيء، فالله حذرنا من مغبة الانغماس في الفساد، والتباهي بالقوّة والعصيان، والجحود والنكران، ولكن أمريكا ترامب يبدو أنها لا تبالي بما تصنعه بالإنسانية جمعاء، ضيّقت على الفلسطينيين، وأهانت العرب والمسلمين، وأحدثت شرخا في علاقات الإخوة المقرّبين، وتمادت في نكرانها لقوّة رب العالمين، فكان جزاؤها مثل جزاء النمرود في بلاد الرافدين، إنها النهاية المأساوية لأمريكا الإمبراطورية الامبريالية الاستعمارية، التي بقيت تفاخر بإنجازاتها العدوانية، فكسّر الله شوكتها بمخلوق ضعيف، فشا في أجساد الأمريكيين فجعلهم كعصف ماكول، حصد الآلاف من الأرواح وأصاب مئات الآلاف من الناس، وما زال ينشط بقوة في تلك البلاد، حتى عُدّت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من أكثر البلدان في العالم تأثرا بالفيروس، وقاتلا لشعبها إذ تخطى عدد أمواتها الـ 20 ألفا، وعدد إصاباتها النصف مليون إصابة في إحصائية تاريخية، ومازال الفيروس ينشط بقوة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبوتيرة سريعة جدا إذ يتعدى عدد الوفيات اليومي حاجز الـ 2000 وفاة في أغلب الأحيان.
الآية التي نتحدث عنها في هذا الإطار قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”، لقد فرح ترامب بإنجازاته الأخيرة وتفاخر بما حققه على حساب الضعفاء والمساكين والمحتاجين في العالم، واستبدّ بقوته وجبروته وظن أن الأبواب كلّها مشرعة أمامه، وفي هذه اللحظة من النشوة الموهومة والهائمة في بحر من الزجاج، انكسر فجأة كل شيء وتبخّر الماء الذي ظن أن سينجيه من الخسارة المحقّقة، وجاء الفيروس وقضى على كل أحلامه وحرق جميع أوراقه، وأنهى جميع أحلامه، جاءه بغتة، استهزأ به في البداية فأراه قوته في النهاية، وأنه ربما يقضي على آماله وفرصه في الفوز بولاية ثانية.
ترامب اليوم في وضع لا يحسد عليه، محاصر من كل الجهات ومن كل الزوايا، ولم تبق له إلا نافذة واحدة هل سيغامر من خلالها، وهي نافذة صعبة وحرجة جدا، قد يسقط من خلالها سقوطا مدويا لا ينهض بعدها أبدا، نافذة تصدير فشله إلى الخارج، حيث كثرت اتهاماته أخيرا للصين بأنها الدولة العدو لأمريكا، والمنافس الحقيقي لبلاده، فهو يعتبر الصين مصدر الفيروس، حتى سماه الفيروس الصيني، كما سماه وزير خارجيته مايك بومبيو فيروس ووهان، ويعتقدان بأنها هي التي أنشأته لتدمير أمريكا، وبالتالي سيحمّلها المسؤولية الكاملة لما يحدث اليوم في بلاده، ومن ثَمَّ قد يفقد ترامب أعصابه ويدخل في حرب كبيرة مع الصين فور الانتهاء من أزمة كورونا، حتى يغطّي فشله في معالجة الأزمة في بلاده التي استشرت بشكل كبير يصعب السيطرة عليها، رغم أن هناك أصوات داخل إدارته تدعوه إلى التعقل لا إلى التهور، من خلال البحث عن وسائل أخرى غير المواجهة المباشرة، كالبحث عن طرق المعالجة بالتعاون مع الصين في هذا الوقت الحرج، حيث استطاعت الصين أن تكسب المليارات اليوم بعد تجاوزها المحنة بينما أمريكا تخسر التريليونات من الدولارات للبحث عن خروج من هذه المحنة، التي غرقت فيها وأغرقت الأسواق الأمريكية في كساد حقيقي، إلى جانب انهيار السوق النفطية التي ألقى ترامب باللائمة فيها على السعودية وروسيا.
التعليقات مغلقة.