الحراك الشعبي الفلسطيني إلى أين ؟ / محمود فنون
محمود فنون ( الأربعاء ) 14/10/2015 م …
فوضى في الفهم …
كما حصل في توصيف انتفاضة 1987م إلى ان قامت الصحافة ووسائل الإعلام بحسم تسميتها بالإنتفاضة ولحق بهم كل المعنيين، هناك اليوم نقاش فقهي بصدد تسمية الحالة الكفاحية الوطنية المنطلقة منذ أكثر من اسبوع :-
في توصيفه وتعريفه للحراك الشعبي الفلسطيني المتفجر في وجه الإحتلال الصهيوني،قال القيادى فى حركة حماس الدكتور أحمد يوسف، “أن كل ما يحدث فى الأراضى الفلسطينية تعد هبة شعبية بطريقة عفوية وانتصارا للأقصى والمقدسات ورد فعل طبيعى لتجاوزات الحاخامات والمستوطنين اليهود،”
وعمق شرحه وتعليقه عن إمكانية تطور هذا الحراك إلى انتفاضة بقوله : “ان الانتفاضة مرهونة بمدى دعم السلطة الفلسطينية لها، مشيرا إلى أن رغبة السلطة وهيبتها وكرامتها مهم جدا للضغط كى يرضخ نتنياهو وحكومة إسرائيل ودفع الاستحقاقات الفلسطينية التى تم الاتفاق عليها فى أوسلو 1993، موضحا أنه “لو تحركت السلطة لإنهاء الانقسام ولإنجاح الهبة الشعبية، فسيجد المواطنين أن من بيدهم مقاليد الأمور هم في اتجاه الدعم والتأييد لهذا الحراك الشعبى”..
إذن بمعزل عن التأتأة فإن الحراك هو هبة شعبية بطريقة عفوية وهذا صحيح ويؤكد أن ما يحدث كان تخطيا لرؤوس كافة الفصائل وسبقا لها ولقياداتها.
ويضيف الناطق الحمساوي بشكل ملفت بأن تطور هذه الهبة إلى انتفاضة، بأن ” الإنتفاضة مرهونة بمدى دعم السلطة الفلسطينية لها..” يا لغرابة القول. إن هذا القيادي التقليدي يرتهن ل ويتوحد مع السلطة الفلسطينية ودعمها للهبة الشعبية ويرتهن كذلك إلى ردود الفعل الإسرائيلية فقال عن الهبة انها: “ويمكن ان تتوسع بمدى ردة الفعل الإسرائيلية، فإذا استمرت فى تدنيس الأقصى وساحاته “أتوقع ان تتوسع الهبات لتصبح انتفاضة عارمة فى المناطق الفلسطينية.”
وهو بعد أن يظهر الحاجة لاستمرار الإنتهاكات الإسرائيلية لتحول الهبة إلى انتنفاضة ويشترط دعم السلطة الفلسطينية لها يراهن على: أن رغبة السلطة وهيبتها وكرامتها مهم جدا للضغط كى يرضخ نتنياهو وحكومة إسرائيل ودفع الاستحقاقات الفلسطينية التى تم الاتفاق عليها فى أوسلو 1993،”
هنا حدد الرجل هدف الإنتفاضة بإجبار إسرائيل على الإلتزام بدفع الإستحقاقات الفلسطينية التي تم الإتفاق عليها في اوسلو 1993م كما ذكر حرفيا. علما أن القيادي الفلسطيني والمساهم في تعبئة وتوجيه الرأي العام الفلسطيني يعود ليطالب بتنفيذ اتفاقات أوسلو بل أنه يحدد هدف الحراك والإنتفاضة المتوقعة بتنفيذ اتفاقات أوسلو. وسنعود
ثم ينتقل لتطمين العدو وتطمين السلطة بأن ” أوضح أن التصعيد العسكرى من قبل حماس ليس وارد لأن القطاع دخل مؤخرا فى حرب كبيرة والساحة منقسمة..”
وعاد وتجاهل حراك القوى السياسية الأخرى في الضفة منوها :
” ولكن هناك أدوات لبقاء الانتفاضة فى حالة اشتعال عن طريق تحريك القوى الإسلامية التى تتواجد فى الضفة وأن تدخل بثقلها فى هذه الهبة الشعبية، وهذا فى حد ذاته إضافة إلى أن غزة تظل تتحرك ولو على خطوط التماس والاحتكاك مع المحتل الإسرائيلى.” وبهذا ينوه ان هناك أدوات لبقاء الإنتفاضة في حال اشتعال عن طريق القوى الإسلامية.. وهو بهذا يستهدف التمييز والحصر وربما يحاول تكرار الخطأ الفاحش الذي ارتكبته الحركات الإسلامية ابان انتفاضة 1987 باعلان برنامجين مختلفين ومتناقضين للإضرابات والحشودات والإشتباكات وأيام الغضب وما نتج عن ذلك من بلبلة للجمهور الفلسطيني.
أما ماهر الطاهر وهو عضو مكتب سياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فيقول في توصيفه لما يجري “لا شك أن ما يجري في الداخل الفلسطيني في القدس والضفة وأراضي 48 هو هبة شعبية وحراك جماهيري مرشح للتصاعد والوصول إلى انتفاضة شاملة ضد الاحتلال،..”
ويسبب هذا الحراك والهبة الشعبية بقوله :
” لأننا أمام وضع لا حلول سياسية فيه مع هذا الكيان المجرم الذي استغل ما يسمى بعملية السلام المزيفة على مدى أكثر من 20 عاما من أجل مفاوضات لا سقف لها ولا حدود لها، وبذات الوقت يفرض الحقائق على الأرض من خلال الاستيطان والتهويد والسيطرة على كل شيء”
غير أن ماهر الطاهر يختلف عن الدكتور أحمد يوسف في طرائق ووسائل التصعيد وتحويل الهبة الجماهيرية والحراك الشعبي إلى إنتفاضة فهو يرتكز إلى العامل الذاتي الفلسطيني فيقول : ” ما نحتاجه في هذه الظروف الموضوعية لعملية انفجار شامل وانتفاضة فلسطينية شاملة، ما نحتاجه هي أن العامل الذاتي غير موحد ومنقسم، هذه التضحيات والدماء التي تسيل على أرض فلسطين، تقول للجميع كفى انقساما وتوحدوا ورصوا الصفوف لمواجهة شاملة مع العدو وإعادة الاعتبار للمقاومة بكل أشكالها بما فيها المسلحة، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير باعتبارها الإطار الجامع للكل الفلسطيني ورسم استراتيجية عمل وطنية جوهرها المقاومة”.
ولكن الطاهر دون شك يتقدم على أحمد سوسف، فأحمد يوسف حدد أهداف الانتفاضة إن حصلت بإرغام نتنياهو على دفع استحقاقات أوسلو،أما ماهر الطاهر فهو يطرح إعادة الإعتبار للمقاومة وبكل أشكالها بما فيها العنف المسلح وإعادة الإعتبار لمنظمة التحرير ورسم استراتيجية عمل وطنية جوهرها المقاومة.ويضيف بعدا آخر : ” ونأمل أن يشكل نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، رافعة لهذا الوضع العربي المنقسم والمشتت حتى يدرك الجميع أن البوصلة هي الكيان الصهيوني الغاصب..”
وأبو أحمد فؤاد يخوض تفاصيل أخرى في تعريف الحراك وشروط ومتطلبات تطويره فيقول في تصريحه : “
صرح أبو أحمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بما يلي:
إن الحراك الشعبي في الضفة الفلسطينية وفي المقدمة القدس والمسجد الأقصى وفلسطين المحتلة عام 1948. والتأييد والدعم من شعبنا في غزة يظهر المرة تلو الأخرى أن شعبنا موحد وأهدافه واحدة ودمه واحد ومصيره واحد، ووطنه واحد. من البحر إلى النهر.
بعد ذلك يتحدث هو الآخر أيضا عن شروط استمراره وتطوره فيقول :
“ومن أجل استمرار الحراك وتطويره للوصول إلى الانتفاضة الشعبية الشاملة، مدعومة بالنار وجعل العدو يدفع ثمن جرائمه يتعين العمل على ما يلي:
1- تشكيل القيادة الوطنية الموحدة التي تضم جميع القوى الوطنية والإسلامية وفعاليات وطنية ومجتمعية… (سرية أو علنية) يتفرع عنها قيادات وغرف عمليات ميدانية في كل مدينة وقرية.
2- تحدد مهمات وصلاحيات القيادة الوطنية بالتوافق بين القوى المشاركة.
3- مطلوب من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إصدار قرار وبيانات متتالية لتوجيه ودعم وتأييد الانتفاضة الشعبية. لابد للقيادة (م.ت.ف) أن تتخذ قرارات واضحة وتشكل مرجعية للانتفاضة الشعبية الباسلة.
4- على اللجنة التنفيذية ومؤسسات المنظمة أن تعلن بكل وضوح تبنيها للجرحى والشهداء، وتعيد بناء البيوت التي يدمرها العدو.
5- تشكيل غرفة عمليات عسكرية في غزة، للإعداد والاستعداد لمواجهة أي عدوان يقوم به العدو الصهيوني…
………..
أخيراً على اللجنة التنفيذية أن تبقى بحالة اجتماع مفتوح لمواكبة انتفاضة شعبنا العظيم، وممارسة دورها القيادي لتصعيد وتطوير الانتفاضة.”
تقدم أبو أحمد فؤاد على سابقيه ( في حدود التصريحات والبيانات التي نستشهد بها ) وأوكل مهمة القيادة العامة للجنة التنفيذية وطالب بتشكيل عنوان كما جاء في بند رقم واحد اسمه ” القيادة الوطنية الموجدة ” على غرار العنوان الذي ابتدعه الشعب الفلسطيني لقيادة انتفاضة 1987م وأن تتشكل اللجان الشعبية الناظمة. وطالب بتشكيل غرفة عمليات عسكرية في غزة…
ورأى الحواتمة في تصريح ان “هبة الفلسطينيين اليوم تحتاج إلى كل أشكال الوحدة من قبل الفلسطينيين في الداخل والخارج”، مشدداً على ان “ما يجري اليوم هو مقدمة لانتفاضة كبرى عنوانها الحرية والاستقلال
كما نشرت صفحة الإعلام المركزي امس “.
فحواتمة يعرف الحراك الشعبي القائم بأنه هبة جماهيرية مقدمة تفتح الطريق للإنتفاضة الثالثة”
وأن هذه الهبة تحتاج إلى كل أشكال الوحدة وأن ما يجري هو مقدمة لانتفاضة كبرى، ويحدد هدفها بشعار الحرية والإستقلال وهو شعار انتفاضة 1987 م التي جرى تبديدها في عام 1990م
وفي لقائه مع أمناء سر فتح في الشمال قال ابو مازن : ” وقال سيادته إن الذي يتحمل مسؤولية ما يجري هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل انتهاك مقدساتنا في القدس، ويحمي المستوطنين في اعتداءاتهم على شعبنا، ويتنصل من تنفيذ الالتزامات المترتبة عليه وفقا للاتفاقات الموقعة بين الطرفين وصولا إلى الحل النهائي.”
وكان صريحا في اجتماع اللجنة التنفيذية وبعد أن وصًف كل ما يجري بأنه ردود فعل على اعتداءات إسرائيلية عاد وقال : ” نحن لا نريد تصعيدا عسكريا وأمنيا بيننا وبينها، لا نريد هذا، وكل تعليماتنا الى أجهزتنا وتنظيمنا وشبابنا وجماهيرنا أننا لا نريد التصعيد لكن نريد ان نحمي أنفسنا، نحن لسنا الذين نبدأ ولسنا الذين نبادر وعلى اسرائيل ان تتوقف وتقبل اليد الممدودة لها، نريد الوصول الى حل سياسي بالطرق السلمية وليس بغيرها اطلاقا.”
فهو يصرح بأنه لا يريد تصعيد وبالتالي لا يريد تحويل الحراك الذي وصفوه أعلاه بانه هبة جماهيرية لا يريد تحويله إلى انتفاضة. وفي هذا رد بليغ على أحمد يوسف وعلى ماهر الطاهر وابو أحمد فؤاد ونايف حواتمة.
إن هذا الرد يستدعي بل يوجب على الناطقين المذكورين أعلاه بنقد خطابهم السياسي والتخلص من العبارات الميتة والتضليلية والتي تخاطب السلطة وقيادتها والتنفيذية لتتولى شأن الحراك وتطويره. فأبو مازن يؤكد أنه أعطى التعليمات إلى الأجهزة الأمنية وتنظيم وشباب وجماهير حركة فتح ” أننا لا نريد التصعيد..”
إن تصريحه هذا ليس من باب “التقيا ” بل هو الموقف النظري والعملي الذي ينطق به أبو مازن والناطقين من فتح من حوله.
فالسلطة وأجهزتها في مواقع أخرى من الإنتفاضة،
وحماس التي يظهر تصريح أحمد يوسف تماهيا عاليا مع السلطة، هي كذلك في واد آخر عن فتح وتدعي أنه عن طريق القوى الإسلامية في الضفة: ” طريق تحريك القوى الإسلامية التى تتواجد فى الضفة وأن تدخل بثقلها فى هذه الهبة الشعبية،..”
والديموقراطية والشعبية يدعوان لوحدة الجميع يعني فتح برئاسة ابو مازن وحماس والبقية.
هناك حالة كفاحية عالية، وهي في نفس الوقت يتيمة وخطاها عفوية بل انها تسير في معظمها بشكل عير واع ولا هادف.
إنها نضال ضد الإحتلال، وهذه الحالة تعبر عن رفض الإحتلال بالجملة وتصر على كل أشكال المجابهة بعفوية الشباب الذي لم يسبق لأغلبيتهم الساحقة أن خبروا اساليب الكفاح.
أم الإستغراق في حشر الحالة تحت مسمى معين من قبل المسؤولين والناطقين الفلسطينيين فهو من باب الحذلقة والإدعاء بالنبوءة. والجهل بما يجري ناشيء عن غياب هؤلاء المسؤولين عن الإعداد والمتابعة والقيادة والتوجيه ويتصرفون مثل الناطقين من الإعلاميين ومحللي الأحداث المحترفين من الصحفيين.
هناك مسألة أهم من التسمية : وتبدأ من يتم الحركة وغياب القيادة الخبيرة والثورية.
فكما تدل كل الشهادات المتداولة في وسائل الإعلام وعلى لسان القيادات الناطقين باسم الفصائل فإن الحركة قد فاجأتهم وسبقتهم بل وأخذتهم على حين غرة، وهم اليوم يلهثون ورائها مطالبين (جهة ما ) بتشكيل قيادة موحدة تتفق الفصائل على دورها وبإشراف اللجنة التنفيذية التي يتوجب ان تكون في حال انعقاد دائم.
إن هذا الغياب يعني أن الحركة العفوية كما وصفوها جميعا تبدأ كذلك باندفاعات قوية ولكن دون دراسة وتبصر،أي تبدأ من الصفر وكأن الشعب الفلسطيني يخوض هذه التجربة لأول مرة.
نعم القيادة الوطنية للكفاح الفلسطيني غائبة.إنه لم تجر على يد هذه القيادة إعادة دراسة وتقييم للتجارب الوطنية السابقة ولم يجر استخلاص العبر وتدريسها لقواعد الشعب وقواعد الجماهير ومنظماتها وأطرها ,
فالحراك الجماهيري اليوم يتم في ظروف غير تلك التي كانت عام 1987 والجماهير اليوم غير جماهير عام 1987 بعد مضي ثماني وعشرين عاما والشباب الذين يخوضون معاركهم ضد الإحتلال لم يتعلموا دروس انتفاضة 1987 م.
اليوم هناك انفصال كلي بين الجماهير وقوات الإحتلال في الحياة اليومية في المدن. وهناك فقط نقاط تماس محصنة يحتمي فيها الجنود، وكان الإستيطان ضعيفا ويحتاج إلى حماية تحرس تنقلاتهم ووجودهم داخل المستوطنة بينما اليوم هم بعدد كبير وهم يهاجمون بانفسهم تعبيرا عن اهداف الصهيونية.
لماذا هذه الملاحظة ؟ لأن الشباب يذهبون لإلقاء الجارة ورجم البرج الإسمنتي المحصن تعبيرا عن غضبهم على الإحتلال بينما جندي واحد في البرج يمطرهم وفق رغبته بوابل من قنابل الغاز والرصاص المطاطي والرصاص الحي ويوقع بهم الضحايا ويتكرر المشهد يوميا بشكل يثير الإشمئزاز من القيادات الفلسطينية التي لا تتعلم ولا تعلم. ويعود الشباب إلى البرج ليثأروا للشهيد فيسقط منهم شهيد آخر ولا أحد يكترث.
ليس المقصود ان يتصدى أحد لمنعهم بل لتوجيههم وجهة أخرى قد يشتبكوا فيها مع العدو أو لا يشتبكوا. إن ما يحصل هو تكرار طبق الأصل لما كان يحصل في انتفاضة الأقصى لعام 2000م.
وهناك مسألة أخرى خطيرة. فعندما تقع عملية عسكرية ناجحة ويتمكن الأمن المعني من رصدها والقبض على واحد منها، يتطوع ويقدم كل المعلومات عن الخلية ويتعاون مع المحقق ويشي برفاقه الذين بدورهم يتعاونوا مع المحقق وقدمون له المعلومات الثمينة فيتم ضرب المجموعة وكل من له علاقة بها.
إن أحدا لا يستخلص العبر ويعمم الدروس فتتنكرر ذات المأساة.
من المعلوم ان أقبية التحقيق هي مدافن للخلايا والمنظمات الفلسطينية حيث يتطوع الإفراد بضغط أو بدون ضغط ويقدمون خدماتهم للامن الإسرائيلي قيقوم بتصفية الخلايا والمنظمات بشكل ماحق ولا أحد يتدخل ويستخلص العبر ذلك أن المسؤولين سبقوا وأن فعلوها في فترة اعتقالهم. إن أحدا لا يعبيء يلبصمود والتحقيق ومحاسبة المتهاونين والمتهالكين. مع العلم أن العدو يجند المتهالكين ويدسهم مرة أخرى في فصائلهم ويوزع بعضهم على فصائل أخرى حسب الحاجة.
وهناك مسألة شديدة الأهمية : كثير من المتطوعين للنضال يذهبوا وهم يتمنون الموت، يتمنون الشهادة. يتمنون الموت لأنفسهم بدلا من العمل بقوة من أجل تصفية العدو والعودة بسلام. إن هذا يلقى استحسانا في التربية الإجتماعية فلا أحد يثقف ويربي الجماهير بفنون النضال. بعضهم ينتزع سكينا من البيت ويركض باتجاه الجنود فيقتلوه قبل أو أثناء المحاولة فيكون هو الضحية بدلا من أن يكن العدو هو الضحية – الأمر مقلوب بدلا من ان نذهب لنقتل العدو ونعود سالمين غانمين وان كنا مستعدون للتضحية بل نذهب على امل ان يقتلنا العدو.هنا تخاض المعارك بأشكال مختلفة واحدة بدون محاولة الحماية. أحد المناضلين واسمه جبر تمكن في بيت لحم من الوصول إلى المعبر المحروس بالجنود وكل وسائل الحراسة ونفذ عمليته واستطاع الإفلات. كانت عملية جبارة فلو كان ذاهبا وهو يتمنى الموت لكانت النتيجة مختلفة ولربما لم يتمكن من قتل جنود العدو الذين قتلهم.
لا أحد استخلص دروس عملية وادي الحرامية وعممها ودرب العشرات على مثلها وامن لهم الإمكانات اللازمة. فقد نفذ الفدائي عمليته وعاد سالما وبدون أي آثار يمكن تتبعها.
سقط منفذو عملية إيتيمار خلال 24 ساعة وذلك بعد أن تمكنوا من الفرار من ميدان معركتهم بسلام.
هناك أطواق من الأمن تحيط بالمناضل الفلسطيني ويتمكن من الإفلات منها وبعد ان يصل إلى بر السلامة يتوجب ان يستمر في الإحتياط وذلك لأن المندوبين والعملاء يمتدون على كل مساحة الوطن.
ودرس اساسي من انتفاضة 1987 : حينما كانت القيادة الموحدة سرية بالمطلق ومحجوبة عن التداول مع سوق عكاظ القيادة في الخارج ولا تنشًد لمقولة : ” الفاكس أللّي”كانت تستمر لمدة طويلة وكان لسريتها رموزية عالية في نفوس الناس.
وبعد انطلاقة حماس تصرفت بمعزل عن الإجماع الوطني بشكل متمايز ومنفصل عن الحراك الوطني، وقد أسست لنفسها تارا خاصا مما أوجد تشابكات وحالة من الفوضى وارهاق للجماهير بسبب تكرار الواجبات والإضرابات وكذلك بسبب مظهر انشقاق الساحة الكفاحية.
وكذلك درس آخر : أنه حينما تم تشكيل اللجنة السياسية العلنية كهيئة،تم ضرب وتهميش قاوم وأصبحت اللجنة السياسية هي العنوان الوطني بدلا من قاوم وقادة الفصائل. وأصبحت أيادي اللجنة السياسية هي العليا عمدا وقصدا وكان يسمح لها بالسفر والتجوال وحضور اجتماعات القيادة الفلسطينية في الخارج وإدخال الأموال وهي محمية من ملاحقة سلطات العدو.
نعود إلى السؤال أعلاه: الحراك الشعبي الفلسطيني إلى أين.
اولا : إنه من الصعب الإتفاق على قيادة كفاحية لهذا الحراك مع انها إن حصلت تكون طربوشا لا أكثر وشيء يشبه الناطق الإعلامي.
ثانيا : كان إقناع حماس بالمشاركة في لجان التنسيق الوطني والإسلامي صعبا في انتفاضة عام 2000 واقتضى الأمر الحصول على تعهدات بعدم اعتقالهم من قبل أمن السلطة فيما لو ظهروا وشاركوا. ولا زالت امكانية مشاركتهم مثار سؤال.
ثالثا :لأنه من الصعب تشكيل قيادة سرية عن سوق دبيّ فإن القيادة شبه العلنية إما ان تكون قيادة شكلية كناطق اعلامي لا حول ولا طول أو انها ان حاولت أن تمارس دورا جديا فسيتم ضربها ولماذا يصبر عليها الإحتلال.
رابعا : إن العرابين يشتغلون باستمرار لدفع القيادة الرسمية لإثبات حسن نيتها والدعوة للهدوء والسكينة وعدم الإنجرار وراء المتطرفين، وذلك تحت التهديد بمضايقة السلطة ومضايقة القيادة..
كل هذا يصعب إمكانية تدخل واعي في الحراك علما أن حركتي فتح وحماس لا تندفعان بقوة لدعم هذا الحراك وكل فصيل يعلن برنامجا لفاعلياته ويعلن تأييده للإنتفاضة كما لو كانت في دولة أخرى.
خلاصة هامة :
إن دروس انتفاضة 1987م غائبة ومع انها معلومة تماما للصف القيادي العالي كله.
غير انه لم يجر تحويل دروسها وتجاربها إلى حالة وعي للجمهور الفلسطيني. وذلك من أجل إخفاء أهم المثالب لتعلقها بالصف القيادي الرسمي المتفرد لقيادة المنظمة.
كذلك لم يجر استخلاص وتعميم دروس انتفاضة الأقصى عام 2000م
لم تبادر أية جهة قيادية للإعلان عن ضرورة المكاشفة بالأخطاء وتحميل المسؤوليات والسلبيات للجهات التي سببتها فعلا مع العلم أن حالتي انتفاضة تم تم تبدبدهما دون جدوى.
لم تبادر قيادات الفصائل لإعلان موقف صريح وجريء من التنسيق الأمني مبني على تعريف صائب له.
إن التنسيق الأمني يعني أن الأمن الفلسطيني حالة من الأمن الإسرائيلي وفي خدمة الأمن الإسرائيلي. وهذا لا يكفي يجب الإستمرار في التوصيف بأن التنسيق الأمني يعني أن الكادرات التنظيمية التي اندرجت في الأجهزة لم تعد الكادرات الكفاحية التي كانت بل أصبحت ليس في مواجهة الإحتلال وإن بدت كذلك بل هي في مجابهة الحركة الوطنية علنا وسرا وظاهرا وباطنا كل حسب موقعه، ويتوجب أن نذهب أكثر بالقول أن الأمن تغلغل في كادر فتح العامل في مختلف المجالات وجنده لكتابة التقارير وأكثر جند أعدادا كبيرة جدا في الداخل وفي الخارج ليكونوا في خدمة الأمن وهم يجندون من الشتات بالمئات ليكونوا في خدمة الأمن الفلسطيني الذي هو كما وصفناه حالة تابعة للامن الإسرائيلي.
إن هذا السكوت على التوصيف بالقول والعمل يجعل من مناضلي شعبنا لقمة سائغة تصل عنها كل المعلومات في النهاية للإحتلال.يا عالم المخبرون في البيت.
إن أحدا لم يكلف نفسه بدراسة التجربة الفلسطينية دراسة نقدية ويبرز تهافتها ومثالبها ويستخلص ما فيها من عبر بجدية وجرأة ويعممها ويعمل على تثقيف الجماهير الفلسطينية بها.
كان ولا زال هناك ضرورة لاستخلاص دروس الكفاح المسلح وتعميم النجاحات وتوسيعها وتأمين مستلزماتها ونحن نتحدث هنا عن أعمال عصابية ينفذها فرد أو خلية وتجنب أعمال المجابهة العسكرية التي يمكن تسميتها ” طخّ أعراس” والإطلاق من بعيد على مستوطنات برصاص في الهواء فيرد العدو بالمدفعية والطيران. ليس لأن العدو يرد هكذا وإنما لأن هذه الطريقة استنزاف لطاقات مهمة لو كانت جندت باسلوب حرب العصابات وبشكل سري بدل العلنية التي تؤدي الى الموت المجاني في النهاية.
أما مسألة القيادة فهي الأشد خطورة. هناك قيادة تقليدية موجودة وهي معادية للنضال وأفقها محدود وتماري العدو دفاعل عن نفسها عن شخوصها وليس عن الوطن. إن القيادة الرسمية مستعدة في كل لحظة للتساوق مع الإحتلال وتحاول استرضاءه، وفي نفس الوقت هي تفرد عباءتها على الجميع كي يظلوا تحت السيطرة وكي لا تتشكل قيادة مناظرة. ألم تكن القيادة الموحدة لانتفاضة 1987م هما كبيرا بل هاجسا كبيرا يشغل ابو عمار ليل نهار – كان الصحفيون الأجانب يعيرونه بأن قاوم لا تلتزم بمواقفه وان هناك قيادة مستقلة عنه ومتمردة عليه. وبالمناسبة ما كان على القوى ان تسلم بتشكيل اللجنة السياسية التي طغت على قاوم وأصبحت قاوم هدفا سهلا للإعتقال وهذا أمر لا بد من إبرازه والسؤال عنه. إن استخلاص دروس الوضع القيادي منذ اللجنة التنفيذية الأولى برئاسة موسى كاظم الحسيني وبعد ذلك اللجنة العربية العليا التي كانت على درجة من التفاهم مع الإنجليز وكانت تضم عملاء مباشرين للإنجليز ومتعاونين مع الصهيونية. وبعد ذلك الهيئةالعربية العليا والتي ظلت تشغل الموقع ارتباطا بحياة الحاج امين الحسيني ثم بعد ذلك اللجنة التنفيذية للمنظمة بمراحلها. هل كانت هذه القيادات قيادات كفاح وتوحد الشعب الفلسطيني وتحشد طاقاته في النضال ؟
إن مسألة القيادة بمعناها الفردي والقيادة كهيئات والقيادة كطلائع وأحزاب كلها تحتاج إلى دراسة وتحديد مواقف منها ودراسة تجربة جبهة الرفض الفلسطينية وإعادة الإعتبار لها بصفتها أشرف ظاهرة فلسطينية بدأت عملية الفرز وأسست لرؤيا وتمعت بدور قيادي تنظيمي وفكري وسياسي وتحريضي. إنها نعم تستحق إعادة الإعتبار.
وإعادة دراسة التحالفات وتعريف التحالف وتعريف اليسار ليس مداهنة بل بشكل استئصالي يقول هذا يسار وهذا ليس يسار.هذا يعترف بإسرائيل ولا يمكن أن يكون حليفا وهذا يدافع عن إسرائيل تحت مسميات لتبرير تهافته وتطبيعه مع إسرائيل وهذا يطرح شعار دولتين لشعبين وهذا يطالب بالهوية الزرقاء ومنهم من هم تراث الجبهة الشعبية والديموقراطية والحزب الشيوعي. وجميعهم في سياق تبريرهم لمواقفهم إنما ينظرون لوجود اسرائيل وحقها في الوجود والإستيطان وهم في النهاية يصلون للمطالبة بتطبيق وعد بلفور وبنود صك الإنتداب. ويضللون الناس بشعارات العودة وهدم جيش الدفاع وما شابه من الأضاليل.
في الخطاب السياسي : ندعو لكذا ونطالب بكذا… لمن يوجه الخطاب ؟ في تصريح ابو احمد مخاطبة مباشرة لأبو مازن !! معقووول؟؟!
واحمد يوسف يوجه خطابه للسلطة وهذا تعبير عن ذكاء ينفع للعب البوكر وليس لقيادة النضال الفلسطيني.
هل فتح ام الثورة ظلت فصيلا ثوريا أم انها تتغذى على تاريخها الكفاحي السابق ونفس السؤال يخص حماس في الضفة وهل بقي شيء من الديموقراطية وفدا وهل هناك جبهة النضال والتحرير وفلسطين هل يوجد غير الأمناء العامين ومريدوهم ؟
التعليقات مغلقة.