عن ظاهرة أبو غزالة وتنبؤاته حول الحرب العالمية الثالثة / د. عبد الحيّ زلّوم
مشاركة
د. عبد الحي زلوم ( الأردن ) الخميس 23/4/2020 م …
بداية أعرب عن تقديري واحترامي للدكتور ابو غزالة ولما توصل إليه من قناعات اصبحت لديه يقيناً بناء على خلفيته الواسعة من التجارب والأبحاث . وكلمة ظاهرة التي استعملها المعلق تليق بالدكتور ابو غزالة. سأبدأ بالقول ان قناعة الدكتور ابو غزالة والتي أعلن عنها سنة 2016 اشاركه بها اذ هي قناعاتي أيضا كما عبرت عنها ابتداءا من سنة 1998 في كافة كتبي .أمّا عن نشوب حرب عالمية ثالثة بين امريكا والصين فلي رأي مختلف سأبديه لاحقاً ، علما بأن الاختلاف لا يفسد في الودّ قضية .
لذلك سأقتبس بعض ما ورد في كتبي تأييداً لوجهة النظر اننا نعيش اليوم ما بين عصرين .
***
جاء في كتابي ( نذر العولمة) الصادر سنة 1998 في آخر فقرتين في الكتاب ( صفحة 252+253 ) ما يلي :
حقق النظام الرأسمالي الامريكي انجازات علمية وتكنولوجية هائلة صاحبه خواء روحي وانحطاط اخلاقي كبيرين: كما حقق انجازات مادية لشعوبه على جانبي الاطلسي والبالغة حوالي 10% من سكان الكرة الارضية، وذلك بسلب مقدرات ال 90% من بقية سكانها الاخرين … قال جورج سوروس: “قبل أقل من ستة شهور كان النظام المالي العالمي على شفير الهاوية… وكان ذلك النظام لا يبعد سوى أيام قليلة عن الانهيار التام… وأني أخشى ان تؤدي النتائج السياسية الناجمة عن الأزمات المالية الأخيرة الى انهيار النظام الرأسمالي العالمي برمته!”.ولقد علمنا التاريخ قديمه منذ أيام الروم والفرس وحديثه قبل بضع سنين في الاتحاد السوفييتي ان كثيراً من الدول العظمى تكون في حقيقتها أوهى من بيوت العنكبوت. ..
***
وجاء في كتابي ( حروب البترول الصليبية) الصادر سنة 2005 بالفصل الرابع عشر صفحة 367 بعنوان نهاية الامبراطورية الامريكية ، نهايتها بسكتة قلبية اقتصادية :
جاء في مقدمة الفصل :
” ينتهي هذا الكتاب إلى نتيجة مؤداها أن الولايات المتحدة لا تحتمل الإستمرار في العيش بصورة تتجاوز مواردها ، دون إدارة العالم ، وبأدق التفاصيل ، في جميع شؤونه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وهو كما ستثبت الأيام مهمة مستحيلة. أما وسيلتها في إدارة العالم لتصب خيراته في جيوب شركاتها والقلة من بارونات مالها ، فهي العولمة التي تم إعداد عملياتها ومؤسساتها بطريقة تخدم تحقيق هذا الهدف . ولا تستطيع الولايات المتحدة فرض هذا النظام العالمي الجديد دون الحفاظ على الدولار كعملة احتياط نقد عالمي ، لا يعتمد على دعم الذهب أو أي غطاء آخر ، سوى كلمة الولايات المتحدة واقتصادها، وهو اقتصاد أصبح مرهوناً لقوى خارجية مادية منها ونفسية ، بالإضافة لكونه اقتصاداً يرزح تحت الديون ويعاني من التراجع والتأرجح بصورة مطردة.”
وحيث ان الفصل يزيد عن 25 صفحة سنقوم باختيار بعض الفقرات الهامة :
” ومنذ قرار نيكسون بإخراج الدولار من معيار الذهب ووضعه دون غطاء عام 1971 ، والأوراق النقدية الأمريكية تتراكم بكميات مذهلة ، مشكلة بذلك المصدر الحقيقي للتضخم العالمي على مدار السنوات الثلاثين الماضية . وبالمقارنة ، فإن حجم ما تم طبعه من ورقة النقد الأمريكية خلال الفترة من 1950 – 1970 ، سجل ارتفاعاً بنسبة 55% ، وهي نسبة معتدلة ، في حين نجد أن هذه النسبة تضاعفت إلى أكثر من 2000% من عام 1971 إلى العام 2000. “
وفي كل عام ، تنتج الحكومة الأمريكية والاحتياط الفيدرالي المزيد من الدولارات الورقية . فما من أحد يستطيع منعهما من ذلك ، حيث يسيطران على ما يعرف بالمطابع . وفي العام الماضي ، تحدث أحد الحكام الاتحاديين بن بيرنانكي ( والذي اصبح لاحقا رئيس البنك المركزي الامريكي ) عن هذا الأمر بالقول “تملك الحكومة الأمريكية تكنولوجيا تدعى المطابع ، التي تسمح لها بإنتاج ما ترغب به من أوراق الدولارات وبدون كلفة تذكر … ففي ظل نظام الأوراق النقدية ، تستطيع الحكومة ، إذا ما أرادت توليد المزيد من الإنفاق والمزيد من التضخم الإيجابي “.
ولأن الدولار غير محكوم بمعيار الذهب ، فإن القيد الوحيد الذي يمكن لجم الدولار به هو القرار السياسي ، فالدولار مدعوم حالياً من نوع آخر من احتياط الذهب ، والمتمثل في عظمة أمريكا العسكرية والنفط . ومثل هذا الدعم لا يشكل عنصراً مطمئناً ، خاصة وأن قراراً مصيرياً بأن يكون الاقتصاد الأمريكي أو لا يكون هو في أيدٍ غير أمريكية! وكل ما يحتاجه للإضرار بهذه الدولة هو قرار بنكين أو ثلاثة بنوك مركزية بالتوقف عن شراء السندات الأمريكية ، حتى تحل الكارثة بالاقتصاد الأمريكي وتنهار هذه الإمبراطورية الكرتونية.
وفي كل مرة يحاول الاحتياط الفيدرالي التخفيف من زيادة حجم فقاعة الديون ، تظهر مشكلة احتمال انهيار الأسواق المالية ، الأمر الذي يدفع الاحتياط الفيدرالي إلى فتح صنبور المال بصورة أوسع .
تعمل معدلات الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة على تحفيز معدلات الاستهلاك بصورة قياسية ، وبخاصة في شراء المنازل . غير أن المستفيد الأكبر من ارتفاع الوتيرة الاستهلاكية هي السلع الصينية واليابانية وليست المنتجات الأمريكية .
نود هنا ان نبين اننا في هذا الكتاب المنشور سنة 2005 تنبأنا بحدوث ازمة 2008 واسبابها وبحذافيرها كالاتي :
غير أن معدلات الفائدة العالية تهدد الاقتصاد الغارق في الدين ، وبخاصة الديون العائلية الخاصة وديون رهن المنازل . ففي الأشهر الأخيرة ، كانت 70% من إجمالي ديون رهن المنازل مسجلة بمعدلات دين عائمة . وإذا كانت معدلات الفائدة منخفضة ، وكذلك معدلات الكلفة حالياُ ، فإن ارتفاع هذه المعدلات سيجعل أصحاب المنازل في وضع لا يسمح لهم بتسديد الأقساط الشهرية ، الأمر الذي سيتسبب بأمواج من الإفلاسات كما حصل في الثلاثينات ، ولكن على نطاق أسوأ .
وكانت معدلات الفائدة الأقل انخفاضاً في السنوات الثلاث الماضية ، قد خلقت أكبر حمى لشراء المنازل في تاريخ الولايات المتحدة
وفي محاولة لمعالجة الركود ومنع انهيار الأسعار على الطريقة اليابانية ، فقد أوجد الاحتياط الفيدرالي أكبر فقاعة مضاربة في التاريخ وهي فقاعة العقارات الأمريكية . وبحلول عام 2004 ، كانت الفقاعة المذكورة على وشك الإنفجار ومعها الديون العائلية الخاصة ، التي يقدر حجمها بتريليونات الدولارات .
الفقاعة العقارية بنيت في الواقع على معدلات فائدة اتحادية منخفضة ، و 500 مليار دولار استثمارات أجنبية في ديون الولايات المتحدة
وفي حالة حصول ارتفاع ملحوظ في معدلات الفائدة الأمريكية ، فإن ملايين العائلات الأمريكية الغارقة في الديون ، ستجد نفسها فجأة مجبرة على التخلي عن منازلها بعد أن أصبحت غير قادرة على تحمل كلفة الفائدة العالية . مثل هذا الوضع سيضرب البنوك ، التي ستجد نفسها أمام رهونات عقارية بمليارات الدولارات ، وقد أصبحت غير ذات قيمة ، وهو ما سبق وحصل في الثلاثينات.
أليس هذا ما حصل بالضبط في انهيار سنة 2008 !!!!
*****
آخر فقرة من محاضرتي في مركز دراسات الشرق الاوسط/ كلية كندي / جامعة هارفارد 17/3/2007 جاء فيها ” يعتقد: المؤرخ العالمي المشهور Eric Haubsawn كما جاء في محاضرة ألقاها هنا بجامعة هارفارد بتاريخ 20 أكتوبر 2006 ، جاء فيها : “لربما تُسبب الإمبراطورية الأمريكية الفوضى والبربرية بدلاً من حفظ النظام والسلام”. وقال “إن هذه الإمبراطورية سوف تفشل حتماً”، ثم أضاف “هل ستتعلم الولايات المتحدة الدروس من الإمبراطورية البريطانية، أم أنها ستحاول المحافظة على وضعها العالمي المتآكل، بالاعتماد على نظام سياسي فاشل وقوة عسكرية لا تكفي لتنفيذ البرامج التي تدّعي الحكومة الأمريكية بأنها قد صممت من أجلها ؟”.
**-
عن كتابي ( ازمة نظام : الرأسمالية والعولمة في مأزق )الصادر سنة 2009 وكما يدل العنوان فقد بين الكتاب ان النظام الراسمالي الامريكي قد اصبح يمشي ميتا .وجاء في الكتاب بعض هذه البيّنات :
” البروفيسور جيفري غارتن ، أستاذ علوم التجارة والتمويل الدولي في جامعة ييل Yale ومساعد وزير التجارة الأمريكي الأسبق في إدارة كلينتون ، يرى أن ترليونات الدولارات التي تم ضخّها لتاريخه لم تخفف من الانحدار السريع للاقتصاد الدولي ، ويرى أن الجواب هو بضخ ترليونات أخرى وبأقصى سرعة ، وهذا بعض ما جاء في مقالة له في عدد نيوزويك 22/12/2008:
أصبح الآن واضحاً بشكل يثير الذعر أن خطط الإنقاذ العالمية الدراماتيكية غير المسبوقة في حجمها أو ما حوته من ابتكارات خلاقة ما زالت غير كافية وأنها غير مناسبة على الإطلاق … إننا نقف على شفا مصيبة سوف لن تقف فقط عند انهيار النظام البنكي وتعميق التباطؤ الاقتصادي العالمي ، والتي سيتمخص عنها قلاقل وحالة من عدم الاستقرار السياسي كبيرة” . يقول غارتن إنه يكتب هذا وهو يعلم أن ما قدمته الحكومة الأمريكية لتاريخه من دزينة من حزمات الإنقاذ ، والتي شملت 200 بليون دولار لإنقاذ شركتي رهن العقارات Fannie Mae و Freddie Mae بالإضافة إلى ما قدمته من ضمانات بـ 1.4 تريليون دولار للقروض بين البنوك ، ويضيف: “هذه هي المشكلة . وبناءاً على كيفية احتساب المبالغ فهي تصل إلى 8 تريليونات دولار … أي أكثر من مجموع مشاريع الحكومة الاتحادية كافة طوال القرن العشرين بأكمله ، بما في ذلك تكاليف غزو العراق ومشاريع الصفقة الجديدة أيام الكساد الكبير ، وخطة مارشال لأوروبا بل وأكثر من مصاريف الحرب العالمية الثانية ، والتي كلفت بدولارات اليوم 3.6 تريليون دولار … أما أوروبا فلم تكن أقل اندفاعاً … حيث إن مجموع ما ضخته أوروبا لبنوكها كان 3.36 تريليون دولار ، مقابل 3.35 ضخته الولايات المتحدة”.
هذه ثمار النظام الرأسمالي الامريكي على مواطنيه ، منذ أن قام أحد الطلاب سنة 2007 بقتل عشوائي ل 32 من زملاءه في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا ، وخبراء علم النفس يبحثون عن الجواب ، دراسة جديدة قام بها باحثون من جامعة كولومبيا والمعهد الوطني للصحة ومعهد الدراسات النفسية لولاية نيويورك ، بيّنت نتائج قائمه حوالي نصف الامريكيين ممن هم في سن طلبة الجامعات يعانون من اضرابات نفسية بينما اقل من الربع يسعون الى طلب العلاج.”
***
الى هنا أبين أن النظام الحالي قد فقد صلاحيته وأننا نعيش بين نظام انتهى ونظام في طور التكوين . ان فيروس كورونا كان فقط الدبوس الذي سيفجر الفقاعة ليخرج العفن من داخل النظام الى السطح .أما فيما يتعلق بحرب بين الولايات المتحدة والصين في أكتوبر 2020 فليسمح لي الدكتور ابو غزالة أن أخالفه الرأي للأسباب الاتية :
الحرب بين الصين والولايات المتحدة مشتعلة أصلاً منذ سنين .
حروب اليوم هي حروب الجيل الخامس وليست الحروب التقليدية فانهيار الاتحاد السوفييتي أسماه البعض بالحرب العالمية الثالثة وقد تم بواسطة الحروب من الأجيال الجديدة ولم تطلق الولايات المتحدة رصاصة واحدة من ترسانتها الحربية الهائلة وانما كان الانهيار من الداخل لأسباب اقتصادية وادارية .
هناك توازن رعب بين الدول النووية تخشى ان تتطور( حروب الدلع ) الى حرب نووية لا تبقي ولا تذر .
وتعتمد الدول الكبرى على الحروب بالوكالة والحروب الاقتصادية . أليست الحرب على سوريا حرباً عالمية ؟ وأليست الحرب بين محور الصين وروسيا ومحور الولايات المتحدة حربا عالمية ؟
التعليقات مغلقة.