المقاومة بين رسائل الخارج وهجوم الداخل / أمين محمد حطيط
أمين محمد حطيط ( لبنان ) – الخميس 23/4/2020 م …
رغم ما أحدثه كورنا من انشغال عالمي وما فرضه من حجر على أكثر من 4 مليارات نسمة ورغم افتضاح عجز أميركا وإسرائيل عن التصدي لهذا الوباء الذي كشف حالة الوهن في بنيتهما الصحية وأظهر المخاطر التي تحيق باقتصادهما رغم كل ذلك وجد الأميركي والإسرائيلي الوقت للتهديد او العدوان على محور المقاومة متوخيا تحقيق أهداف ظن انه قادر على الوصول اليها او فرضها او مفترضا ان العدو او الخصم سيخضع له ويدعه يحققها .فما هي تلك الأهداف و كيف كان رد محور المقاومة و ما النتائج و المرتقب بعدها ؟
نبدأ بالموضوع الأول الذي تمثل بالتحرش الأميركي بالبحرية الإيرانية في الخليج ، وهو تحرش ظن الأميركي ان بإمكانه عبره ان يعطل مفاعيل القصف الإيراني لقاعدة عين الأسد الأميركية في العراق ، و ان يستغل انشغال ايران بمواجهة كورونا ، و يظهرها عاجزة عن الرد ، و أخيرا ان يصنع عبر التحرش و المواجهة خبرا يتداوله الأعلام في ترتيب أول ما يحجب إخفاقه الداخلي في مواجهة كورونا كما ويضخم الأخطار الخارجية على الأمن القومي الأميركي ما يسكت المناكفات و الصراعات الداخلية بين ترامب و حكام الولايات تلك الصراعات التي فضحت كورونا وجودها وفتحت المجال لتصور وقوع الأسوأ على صعيدها. .
لكن إيران لم تسكت على التحرش وتصرفت بحزم وعلى وجهين، الأول عملاني في الميدان حيث وجهت زوارقها للتحرك في محيط قطع الأسطول الأميركي الخامس واقتربت إلى الحد الحرج عسكريا من القطعة البحرية الأميركية اقتراب له من الدلالات ما يفهمه العسكريون وهي ليست في صالح الهيبة الأميركية، أما الوجه الثاني للرد الإيراني فقد كان في البيان التحذيري الناري الشديد اللهجة الذي وجهه الحرس الثوري الإيراني إلى أميركا محذرا قيادتها من “الحسابات الخاطئة” . و في الوجهين دلالة واضحة ان ايران على جهوزية عسكرية تامة للرد على أي استفزاز او عدوان و ان ليس من شان كورونا أن يؤثر على هذه الجهوزية اذا اضطرت ايران للجوء اليها و لن تكون عملية قصف عين الأسد ألا نموذجا مصغرا للرد الإيراني القادم الذي سيأخذ بعين الاختبار متغيرات الواقع العسكري الأميركي خلال الشهرين الأخيرين بما في ذلك نشر الباتريوت في العراق .و بالتالي يعتبر جس النبض الأميركي لإيران قد فشل في تحقيق أهدافه وعززت ايران معادلة الردع بوجه أميركا مخدومة بقواعد اشتباك أصبحت أميركا تعرف كيف ان عليها احترامها .
أما الموضوع الثاني فقد تمثل بالعدوان الإسرائيلي على سورية حيث استهدف سيارة جيب للمقاومة كان على متنها مقاومون عائدون من سورية إلى لبنان ، وتم العدوان في شكل يثير سؤال مهم : هل ان الإسرائيلي قصد النتيجة بالشكل الذي انتهى اليه الأمر أي عدم المس بالمقاومين مع تدمير السيارة او ان خللا ما ضيع على إسرائيل فرصة إصابة المقاومين داخل السيارة ما مكنهم من تركها قبل ان يطلق الصاروخ الثاني. فاذا كان الفرض الأول هو الصحيح فان ذلك يعني ان إسرائيل تصرفت مع قيد رادع وخشيت من رد المقاومة التي أنذر قائدها إسرائيل بان أي مس بمقاوم سيلقى الرد المناسب من لبنان او من سورية داخل او خارج مزارع شبعا. أما إذا كان الفرض الثاني هو الصحيح فانه يعني ان المقاومين عرفوا كيف ينتقلوا وكيف يضيعوا على العدو فرصة النيل منهم.
ولكن ومهما كان من امر قصد العدو الإسرائيلي ، فانه يستفاد من مجريات الميدان ان العدوان جاء ليوجه رسالة إلى المقاومة بان الظروف الصحية الإسرائيلية بسبب كورونا لم تشغل إسرائيل عن ملاحقة المقاومة وتتبع خطواتها في لبنان وسورية وهي رسالة يحتاجها نتنياهو اليوم من اجل القفز فوق المأزق السياسي الشخصي و الحكومي الداخلي المتمثل بالعجز عن تشكيل حكومة منذ اكثر من سنة وبعد أكثر من دورة انتخابات نيابية.
بيد ان المقاومة لم تدع لنتنياهو فرصة تحقيق أهدافه من العدوان حيث وجهت له صفعة سريعة أنست الجميع ما حملته المسيرة الصهيونية من رسائل و انتتجت إرباكا في إسرائيل فاق كل ما هو متوقع .حيث انه و في اقل من 48 ساعة من اقتراف إسرائيل لجريمتها فتحت 3 ثغرات في السياج الإسرائيلي الحدودي و تركت فيها من الأثار ما افهم إسرائيل بان تدمير الأنفاق التي فاخرت بالنجاح في إنجازه ، لم يغير شيئا في أهمية وجدية تهديد السيد حسن نصرالله من احتمال توجيه الأمر للمقاومين للعمل القتالي الهجومي في الجليل و هو امر يرعب الصهاينة على كل مستوياتهم .كما ان الرسالة تؤكد بان المقاومة التي نجحت نجاحا باهرا في عرضها للجيش الصحي في الداخل اللبناني و التي تنخرط بكل جدية و فعالية في مواجهة كورنا ، ان هذه المقاومة على جهوزية تامة للعمل العسكري المناسب في مواجهة أي عدوان او تهديد او خطر إسرائيلي .
وعليه نرى ان الرسائل العسكرية الأميركية والإسرائيلية إلى محور المقاومة استدعت من الردود ما عطل مفاعليها وما أجهض أهداف العدو الذي أرسلها وبذاك يكون محور المقاومة أكد على ما كان صاغه من معادلات الردع وقواعد الاشتباك التي لا تمكن الطرف الأخر من ممارسة سياسة اليد العليا ما يعني ان المقاومة و محورها افشلوا الاستفزاز و ردوا على الرسائل بما يؤلم الطرف الأخر .
بيد انه إلى هذا النجاح يبدو في الأفق امر مقلق في لبنان يتمثل بما يبدو انه يحضر على صعيد الداخلي فيه اذ يبدو ان أميركا تخطط لشيء خطر تضع هي خطوطه و تقود تنفيذه الذي يوكل إلى أطراف محليين اشتهروا بحقدهم و بعدائهم للمقاومة وانصياعهم لقرارات اجنبيه تمس بأمنها و امن لبنان واستقراره و تعرض مصالحه للخطر. وهنا نتوقف عند ما تقوم به السفيرة الأميركية في بيروت من تحشيد لهذه القوى ما يعيد إلى الأذهان الانقلاب الذي نفذته تلك القوى في العام 2005.
وللتذكير بالدور الأميركي في لبنان في تلك الفترة نستعيد ما حصل بعد احتلال العراق ورفض سورية الانصياع للمطالب الأميركية حيث كان القرار 1559 “الناظم للشان اللبناني أميركيا ” و الذي أعقبه قتل رفيق الحريري وتشكيل جماعة 14 أذار المسيرة أميركيا والمعادية لسورية وللمقاومة ، و هي الجماعات التي نفذت بتوجيه أميركي انقلابا سياسيا على مرحلتين الأولى تمثلت بأسقاط حكومة عمر كرامي التي يملك قرارها حلفاء سورية والثاني الحصول على اغلبية نيابية وتشكيل حكومة تعادي سورية، حكومة أرست قواعد تعامل عدائية مع سورية لا زالت نافذة حتى اليوم رغم كل التبدلات.
نذكر بهذا الماضي حتى نسقطه على الحاضر ، حيث ان وزير خارجية أميركا جورج بومبيو اطلق في أذار 2019 خطة تغيير الحكومة لإخراج المقاومة منها والتنكر للأغلبية النيابية و استعادة قرار لبنان كليا إلى اليد الأميركية بعيدا عن أي اثر لمحور المقاومة فيه ، و قد حققت خطة بومبيو بعض أهدافها و فشلت في تحقيق الجزء الأهم منها و هو عزل المقاومة و محاصرتها بما يعطل فعاليتها ، لذلك جاءت السفيرة الأميركية شيا اليوم في خطة استلحاق لتحقيق ما فاتهم تحقيقه ، من اجل ذلك تسعى شيا إلى تشكيل حلف معارض ، هدفه أسقاط حكومة دياب التي يصفونها بانها حكومة اللون الواحد المسيطر عليها من حزب الله و هي الحكومة التي نجحت بشكل واضح حتى الآن في مقاربتها لأخطر الملفات (الدين – كورونا – المغتربين ).
تقوم أميركا ب”هجومها “دون ان يعنيها ما سيتسبب به إسقاط الحكومة من فراغ سياسي او إشاعة اضطراب مالي و اجتماعي حتى و امني ، فالمهم لديها كيف تسقط حزب الله حتى و لو سقط لبنان معه .و هنا التحدي الذي يواجه الأن المقاومة و حلفائها ، الذين ينبغي ان يعلموا ان الوقت الأن ليس للغنج و الدلال او تحصيل المكاسب الشخصية ، فأميركا تلعب الأن لعبتها الأخيرة التي ليس لديها الوقت الطويل لتنفيذها فهي مهلة لا تتعدى الأشهر الستة ، فأما ان تنجح و يغرق لبنان ، او تفشل و ينجو لبنان و هي جادة في خطتها خاصة بعد سلسلة الإخفاقات التي حصدها ترامب في اكثر من اتجاه ، و هو يؤمن ان في نجاحه في لبنان مصلحة له و لإسرائيل على حد سواء .و هنا أهمية المواجهة من قبل المقاومة و حلفائها حتى لا تتكرر استقالة عمر كرامي 2005 ولا محاصرة العماد لحود بعدها ولا الانقلاب السياسي مجددا وطبعا ولا الفتن وعمليات القتل الممنهج.
العميد د. أمين محمد حطيط
التعليقات مغلقة.