أوروبا – إعادة كتابة التاريخ وتزييف الوقائع / الطاهر المعز

العلم الأحمر.. علم جديد يعلو سماء الرقة المتخمة بالأعلام! | سناك سوري.

الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 24/4/2020 م …




* أشارت صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الشهرية إلى هذا الموضوع في عددها الصادر في نيسان/أبريل 2020، وهذه بعض التعليقات على الهامش. 

نجح الجيش السوفيتي في تحرير مدينة “ستالينغراد” في شباط/فبراير 1943، وكان الجيش الألماني قد حاصر هذه المدينة السوفيتية منذ منتصف تموز/يوليو 1942. أجبر الجيش السوفييتي، دون أي مساعدة، جيش ألمانيا، على التراجع، من ستالينغراد حتى برلين، وأوقف الجيش السوفييتي زحفَهُ في برلين، عاصمة ألمانيا، لأن الحرب انتهت، رسميا، في الثامن من أيار/مايو 1945. هذا لم يمنع الجيش الأمريكي من إلقاء قنابل ذرية على اليابان (هيروشيما في 6 آب/أغسطس وناغاساكي في 09 آب/أغسطس 1945). إنه الجيش الوحيد الذي استخدم هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل رسميًا، في حين كان الجيش السوفييتي منهمكا بتحرير الشعوب والبلدان، وسجناء معسكرات الاعتقال. كان محتشد “بوخنوالد” محجوزًا تقريبًا للمناضلين الشيوعيين، الذين حَرّرهم، مع كافة الأسْرى طبعًا، في نيسان/أبريل 1945.

مع سقوط جدار برلين في تشرين الثاني/نوفمبر 1989 وإعادة توحيد ألمانيا (هيمنة ألمانيا الغربية وابتلاع ألمانيا الشرقية )، جرت “إعادة تأهيل” الذاكرة الجَمْعِية، ومحو ذكرى الشيوعيين الذين قاوموا النازيين، أو تزييف تاريخ القوى التي قاومت وناضلت، ومن بينها القوى الشيوعية، ودفع الشيوعيون ثمناً باهظاً ومُضاعَفًا لالتزامهم وممارسة قناعاتهم، ثم أصبحوا (وكذلك نضالاتهم وتاريخهم) الضحية الأولى لإعادة كتابة التاريخ وتزييف الوقائع، من قِبَلِ الأمريكيين والمنتصرين في الحرب الباردة.

شكل الإحتفال بالذكرى الخامسة والسّبْعين لتحرير معسكر الإعتقال “أوشفيتز” (بولندا) مناسبة لتزييف التاريخ، من قِبَل كافة المُشاركين في هذه المهزلة، يوم 27 كانون الثاني/يناير 2020، وتجاهل المشاركون من تبقّى حيًّا من النّاجين من المُحتشدات النازية، وأشاد كافة المشاركين بالصهيونية وبالدولة الصهيونية التي تأسست على أنقاض وطن وبلاد وشعب فلسطين. تجاهل جميع المُشاركين تضحيات آلاف الشيوعيين، الذين قاوموا الفاشية والنازية، من اجل تحرير أوروبا، وقُتل العديد منهم، وحُشر عشرات الآلاف في معتقلات الموت. لقد دعم جميع المشاركين، جهاز دولة المستوطنين الذين يحتلون فلسطين، ويواصلون احتلالهم الإستيطاني، وطرد وتهجير السّكّان الأصليين للبلاد، وتدمير القرى والمباني والبيوت، منذ العام 1948.

في ألمانيا ، في ولاية “تورينجيا” ، حيث يوجد موقع محتشد “بوخنوالد”، أول معسكر اعتقال في ألمانيا، تم تحريره من قبل الجيش السوفياتي، حصل الحزب الرئيسي لتيارات أقصى اليمين (AfD) على 23,4% من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية (أكتوبر 2019)، وأصبح ثاني حزب بالولاية. احتل أعضاء حزب AfD لفترة وجيزة مواقع النصب التذكاري، في بوخنوالد وداشاو وساشسينهاوزن ورافينسبروك،  وألقوا خطابات عنصرية، مناهضة للاجئين والمهاجرين والمسلمين.

يحاول اليمين الأوروبي المتطرف، مثل حكومات دول الاتحاد الأوروبي، محو صفحة المقاومة الشيوعية من ذاكرة الشعب، في عملية مراجعة للتاريخ، وإعادة كتابته، وتجاهل الحقائق، بل وتزييفها…

وجب التذكير ببعض الأحداث التي مر عليها قرن واحد أو أقل، فقد تم سجن المناضلين الشيوعيين الألمان في محتشد بوخينفالد منذ افتتاحه سنة 1937، بعد انتصار الحزب النازي، في انتخابات 1933، وقبل بداية الحرب العالمية الثانية بسنوات. دفع الشيوعيون الألمان ثمناً باهظاً لمقاومتهم، خاصة منذ العام 1919 واغتيال “روزا لوكسمبورغ”، و “كارل ليبنخت”.

كان معسكر “بوخنوالد” مكتظًا بالشيوعيين حتى نهاية الحرب، عندما حرره الجيش السوفييتي (وليس الجيش الأمريكي) وأطلَقَ سراح السجناء من جميع معسكرات الاعتقال

منذ نهاية الحرب ، أصبحت ألمانيا الغربية محمية أمريكية ، مع وجود قواعد عسكرية ضخمة، لا تزال وفيرة في جميع أنحاء البلاد، وتؤوي ألمانيا أهم قيادة للجيش الأمريكي في الخارج.

كانت ألمانيا الغربية (ألمانيا الفيدرالية)، منذ تأسيسها، ثم بعد إعادة توحيدها، مصدرًا رئيسيًا للأموال وللأسلحة، للمحتل الصهيوني… التزمت ألمانيا (تحت الوصاية الأمريكية) في العاشر من أيلول/سبتمبر 1952، بدفع تعويضات لليهود (بما في ذلك المواطنين يهود ألمانيا) لا تُسلم لهم مباشرة، بل تُسلم هذه الأموال للكيان الصهيوني، وتنصيب دولة الإحتلال ناطقًا رسميًّا باسم يهود العالم، وهو أمر لم يحدث في تاريخ الإنسانية. يتناسى قادة ألمانيا (ومن ورائهم أمريكا) أن النظام النازي (الرايخ الثالث) نفّذ عمليات الإبادة ضد اليهود (وكذلك الغجر) بدعم من جزء كبير من سكان ألمانيا.

منحَتْ ألمانيا (أي هبة مجانية وليست قرضًا) للإحتلال الصهيوني من 1953 إلى 2013 ما يعادل تكلفة جميع الحروب الصهيونية ضد الفلسطينيين والشعوب العربية، وتبيع ألمانيا أسلحة متطورة (غواصات ودبابات…) للجيش الصهيوني، بسعر منخفض يعادل 65% من سعر البيع، وتدعمه الدولة الألمانية، من مال الأُجراء المهاجرين والألمانيين، بنسبة 34%، وهي سَبْعُ غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية، تسلم الكيان الصهيوني بعضها، والبقية بصدد التّصْنِيع…

في نيسان/أبريل 2018، عقد البرلمان الألماني، جلسة استثنائية، للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس دولة الكيان الصهيوني على أرض شعب فلسطين، وتسابقت الأحزاب المُشاركة في البرلمان على دعم الكيان الصهيوني، فقال “مارتين شولتس” من الحزب الاشتراكي الديمقراطي: “إننا نحمي أنفُسَنا من ظلمات وأهوال الماضي، من خلال حماية إسرائيل”، وصرح المتحدث باسم حزب الدفاع عن البيئة والمحيط (المُصنّف يسار الوسط): “إن حق إسرائيل في الوجود، هو حَقُّنا في الوجود أيضًا”

 يناقض التاريخ الألماني، وممارسات الحكومات التي تعاقبت، هذا الخطاب “الأخلاقي”، فقد استمر المسؤولون النازيون في شغل مناصب رفيعة، بعد الحرب، حتى وفاتهم، أو تقاعدهم، دون أية محاسبة، فالمجتمع الألماني يُمارس الإنكار، ويتجاهل المواطنون ما حدث لجيل آبائهم وأجدادهم، في ظل النظام النازي، ويتجاهلون ما حصل ويحصُل للشعب الفلسطيني، وصرح “كونراد أديناور” (أول مستشار ورمز لـ “النهضة” الألمانية)، الذي ترك منصبه سنة 1964، على شاشة التلفزيون الحكومي، سنة 1966 :” أن المبالغ المدفوعة ( ولا تزال تُسَدّد للكيان الصهيوني) هي أفضل طريقة لجعل العالم ينسى أهوال النازية والحرب العالمية الثانية، إننا نشتري شهادة براءة”

كانت الإشاعات، والدعاية الرسمية الأوروبية، تحاول تنفير المواطنين، من أحزاب اليمين المتطرف، عبر ترويج “إنهم مُعادُون للسامية، يكرهون اليهود ودولة إسرائيل…”، ومنذ سنة 2010 انتشرت أخبار الزيارات واللقاءات والإجتماعات السياسية المُعْلَنَة، بين أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي، ومسؤولين من الدولة الصهيونية، ويتضمن جدول الأعمال: بحث استراتيجيات مشتركة “لمحاربة غزو اللاجئين والمسلمين لأوروبا“.

منذ سنة 2018 ، أسس “ستيف بانون”، المستشار السابق لدونالد ترامب، شركة اتصالات واستشارات مقرها في بروكسل، وهدفها المعلن هو مساعدة اليمين المتطرف الأوروبي على “تطوير خطابه وإعلامه” ليتمكن من إغراء الجماهير، بخطاب حماسي وديماغوجي، ضد “عدو خارجي”، ولو وهْمي، وضد النقابات والمناهضين للرأسمالية”، وتقوية العلاقات مع أكثر الأحزاب والأيديولوجيات رجعية، بما في ذلك الأحزاب الصهيونية، وتتمثل “استشارات” هذه الشركة، في اختيار خطة إعلامية ودعائية، تُمكن مختلف أحزاب اليمين المتطرف من الاستيلاء على السلطة، عبر انتخابات ديمقراطية، في دول أوروبا، أو المساهمة في الحكم، من خلال ائتلاف يميني، مثلما حصل في هولندا وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا والنّمسا واليونان والمجر وبولندا والعديد من دول أوروبا…

هل يعود النازيون أم أنهم لم يتركوا السلطة قط؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.