ضم إسرائيل للأراضي وفزاعة تنفيذ قرارات المجلسين / د. ابراهيم أبراش
د. إبراهيم أبراش ( فلسطين ) – الأربعاء 29/4/ 2020 م …
إذا ما قررت إسرائيل ضم الضفة الغربية أو بعضها فهذا أمر لا يدعو للاستغراب أو إلى أن يتصرف البعض الفلسطيني مع الأمر وكأنه أمر مفاجئ وغير متوقع، لأن الضم استكمال لسيرورة بدأت مع عدوان 1967 وجَنيٌّ لحصاده، ونعتقد أن نتنياهو سيباشر عملية الضم خلال فترة رئاسته بل وقبل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم مستغلا وجود ترامب وأركان إدارته.
لقد بدأت إسرائيل ببناء المستوطنات منذ اليوم الأول لاحتلالها الضفة الغربية ،فعدوانها واحتلالها للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وبقية الأراضي الفلسطينية والعربية لم يكن لأن الجيوش العربية كانت تريد رمي اليهود في البحر كما كان يروج الإعلام الصهيوني ،بل لتوسع حدودها ولتضم الضفة الغربية (يهودا والسامرة) قلب الدولة اليهودية المزعومة، ولا يوجد عاقل يعتقد أن إسرائيل كانت تبني المستوطنات قبل وبعد مجيء السلطة من أجل الفلسطينيين ولتكون جزءاً من الدولة الفلسطينية العتيدة ،إلا البعض ممن كانوا يستهينون بالاستيطان تحت ذريعة أن ما يبنيه الإسرائيليون من مستوطنات وطرق سيعود للفلسطينيين ،كما قال لي ذات يوم أحد المسؤولين الكبار عندما جادلته مستنكراً عدم اشتراط وقف الاستيطان قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو والاعتراف بإسرائيل.
لذلك، وإذا ما قررت حكومة تحالف اليمين الإسرائيلي (الليكود -أزرق ابيض) أن تضم المستوطنات والأغوار كما سبق وأن وعد نتنياهو خلال حملته الانتخابية وكما تم التأكيد عليه في التفاهمات بين نتنياهو وغانتس لتشكيل الحكومة فهذا أمر لا يخرج عن سياق نهج متواصل وسياسة واضحة لم تكن خافية على أحد ،كما أن ردود الفعل المتوقعة في حالة الضم لن تكون بدورها خارج السياق أو مفاجئة ،كما لن تكون ردود الفعل خاضعة للمعادلة الفيزيائية التي تقول إن لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة في الاتجاه، بل ستكون ردة الفعل على الفعل الإسرائيلي خاضعة لموازين القوى ولحسابات محلية ودولية متعددة ،ونتوقع في هذا السياق أن ردود الفعل على الضم ستكون كما يلي :
- بالنسبة للسلطة الفلسطينية. ردود الفعل الرسمية ستبقى ضمن حدود التنديد والشجب مع التأكيد على تفعيل قرارات المجلسين الوطني والمركزي السابقة بخصوص إعادة النظر بشكل العلاقة بين السلطة وإسرائيل، وإن كانت العلاقات بين إسرائيل والسلطة ستزداد توتراً إلا أنها لن تصل لحد القطيعة التامة أو تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلسين، كما ستنشط الرئاسة والحكومة مجددا في المحافل الدولية ولكن هذا النشاط سيكون بعد فوات الوقت وفي ظرف دولي غير موات. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يشكل تحدياُ لإسرائيل هو انتفاضة شعبية.
- أما بالنسبة لموقف الفصائل في قطاع غزة وخصوصا حركة حماس وسلطتها. قد تلجأ بعض الفصائل لمناوشات شكلية ومحسوبة لرفع العتب دون المساس بالهدنة القائمة، كما ستشن حركة حماس هجوماً إعلامياً على السلطة وحركة فتح متهِمة إياهما بالتخاذل والتقصير، وربما تمرر إسرائيل قرار الضم بتزامن مع تمرير صفقة لتبادل (الاسرى) مع حركة حماس.
- عربيا ودوليا، فإن ردود الفعل لن تتجاوز سقف ردود الفعل على إعلان ترامب للصفقة أو قرار نقل مقر السفارة الامريكية للقدس، بمعنى عقد مؤتمر قمة أو خارجية يصدر عنه قرارات استنكار وشجب ورفض والتأكيد على التمسك بقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، وربما تكون ردود الفعل أقل حدة لانشغال العالم بوباء الكورونا وتداعياته وبأزمة النفط وبالأزمة الاقتصادية العالمية.
لذا فإن كل خطابات التهديد الفلسطينية الصادرة عن الطبقة السياسية بعدم السكوت وباتخاذ إجراءات قوية ضد إسرائيل في حالة ضم هذه الأخيرة للأراضي الفلسطينية ستكون مجرد شعارات وزوبعة في فنجان لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وحتى إن كان الرئيس أبو مازن جادا في تهديداته ومستعداً لقلب الطاولة فإن قوى نافذة في السلطة ستكبح جماحه وتهدئ من غضبه ،بل نستطيع الذهاب أكثر من ذلك ونقول حتى لو نفذت القيادة قرارات المجلسين فإن ذلك لن يشكل تهديدا كبيراً لإسرائيل التي تستطيع التعامل مع ما تبقى من الضفة بعد الضم ،وخصوصاً أن تكرار فزاعة تنفيذ القرارات ووقف التعامل بالاتفاقات الموقعة جعل إسرائيل تحتاط وتتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الحالة مستعينة بحضورها العسكري والأمني القوي الذي راكمته خلال سنوات من التنسيق الأمني ومستفيدة أيضا من ضعف السلطة ووجود شخصيات فلسطينية مستعدة لاستمرار التعاون معها حتى لتنفيذ صفقة ترامب -نتنياهو .
كان من الممكن أن تكون التهديدات الفلسطينية بإلغاء الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل مجدية قبل عشرين عاما وحتى قبل خمسة عشر سنة عند صدورها أما الآن فمن المشكوك فيه أن تردع إسرائيل عن الإقدام على تنفيذ مخططاتها.
فكيف سترد السلطة / السلطتين بقوة على إسرائيل وقد غابت هذه القوة عندما أعلن ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل وعندما تم نقل السفارة الأمريكية للقدس؟ وأين كانت هذه القوة طوال عقود من مواصلة إسرائيل بناء المستوطنات وشق الطرق وبناء الجدار وهدم البيوت على مسمع ومرأي الجميع؟ ومن أين ستأتي القوة في ظل الانقسام والحصار والتباعد بين السلطة / السلطتين والشعب؟ ومن أين ستأتي القوة في ظل الحالة العربية المتردية بل والمتواطئة وارتباكات النظام الدولي وانشغالاته في زمن الكورونا وحتى ما قبله؟ .
لا نروم مما سبق كسر المجاديف والاستسلام للصهاينة والتعامل مع الضم كأمر واقع لا فكاك منه، ولكن ما نود التحذير منه أن يؤدي سيلان خطابات التهديد والتحذير المتكررة لإسرائيل والشعارات الكبيرة والتصريحات الممجوجة التي يطلقها المسؤولون في مختلف الفصائل إلى مجرد تضليل الجماهير ،وأن يستغل البعض في الطبقة السياسية هذا النهج حتى يطيلوا من عمرهم الوظيفي ويستمروا في مواقع السلطة ،كما أن هذا النهج في التعامل مع السلوكيات الإسرائيلية لا يخرج عن سياق سياسة متواصلة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية وهي استمرار المراهنة على إمكانية أن تغير إسرائيل موقفها أو تجبرها الضغوط الدولية على ذلك.
إن سياسة الشعارات والتصريحات والتهديدات اللفظية مع استمرار التعايش ما بين إسرائيل والسلطتين ستُفقد السلطتين مصداقيتهما وتمنح إسرائيل مزيداً من الوقت لاستكمال مخططات الضم والتوسع، والأخطر من ذلك أنها ستحُّول دون التفكير العقلاني والواقعي بوضع استراتيجية وطنية تتجاوز ردود الفعل الآنية وتبحث في جوهر المشكلة وفي استنهاض الحالة الوطنية برمتها.
الاستراتيجية المطلوبة تحتاج لإعادة نظر وتدقيق في قضايا كانت بمثابة البرادغمات أو المسَلَمات عند الشعب الفلسطيني وتهيمن على الخطاب السياسي مما يجعله بعيدا عن الواقع، وعليها أن تتضمن الرد على الأسئلة التالية: لماذا وصل النظام السياسي الفلسطيني لحالة العجز والفشل التي هو عليها؟ ولماذا نفتقد أدوات القوة للرد على الاحتلال وممارساته؟ ولماذا يقف الفلسطينيون شبه وحيدين في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة؟ ولماذا فشلنا في إنهاء الانقسام؟ ولماذا فقد الخطاب السياسي مصداقيته محليا وعالميا؟.
التعليقات مغلقة.