مشروع الدولة اليهودية في منطقة الخليج / د. أمين محمود

دولة يهودية في الخليج العربي ؟ | فلسطين | وكالة عمون الاخبارية



د. امين محمود* ( الأردن ) – الأربعاء 29/4/2020 م … 
* وزير تعليم سابق في الأردن

كانت البرجوازية اليهودية في أوروبا الغربية تسعى جاهدة خلال الحرب الكبرى لاقناع بريطانيا بتبني فكرة انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وفِي المقابل تقدمت مجموعة من أفراد الانتلجنسيا الفرنسيين والروس اليهود في الثاني عشر من سبتمبر ١٩١٧ بمشروع الى الحكومة البريطانية يتضمن انشاء دولة يهودية في الجزء الشمالي من منطقة الخليج بما فيها البحرين. الاحساء . ( F.O. 371/ 3053/ 18242) وكان يتولى زعامة المجموعة الناشط اليهودي الروسي المقيم في باريس وهو الطبيب روثشتين M. L. Rothshtein . اقترح روثشتين ان تقوم بريطانيا وبالتعاون مع حليفتها فرنسا وروسيا بتدريب وتسليح جيش يهودي يتكون من ٣٠ الف مقاتل بحيث يتم اختيارهم من العناصر الشابة ليهود أوروبا الشرقية ويجري تزويد الجيش بالمدربين الأوروبيين الاكفاء والمستشارين العسكريين لقيادة الجيش الذي يتخذ من البحرين قاعدة له. وركز روثشتين على ضرورة إعداد الجيش بسرية تامة دون ان يعلم احد حتى أفراد الجيش بحقيقة المهام المناطة بهم.

ولدى استكمال الجيش تدريباته وتجهيزاته تبدأ مراحل المشروع الاخرى فينطلق الجيش اليهودي من البحرين الى “الاحساء التركية” لاحتلالها وإقامة نواة دولة يهودية فيها. وفور اعلان الدولة تقوم بريطانيا وحليفاتها بالاعتراف بها وتعقد معها معاهدة تحالف وصداقة. وبهدف اثارة مزيد من الاهتمام البريطاني -على ما يبدو- فان روثشتين أشار الى ان قيام مثل هذه الدولة يضمن لبريطانيا وحلفائها حماس وولاء اليهود بشكل عام ويهود الدولة العثمانية وألمانيا شكل خاص بحيث يقوم هؤلاء بدور طابور خامس يعمل على اضعاف جبهة الأعداء وتصدعها. وبالإضافة الى ذلك فانه من المتوقع ان يبدأ تدفق هائل للاموال اليهودية والقوى المتطوعة من يهود العالم لتثبيت دعائم دولتهم الناشئة، مما يضمن لها أيضا سداد اَي التزامات مالية لها تجاه بريطانيا وحلفائها والوصول بعدد الجيش اليهودي الى ما لا يقل عن ١٢٠ الف مقاتل لتمكين الدولة الناشئة من توسيع حدودها لتشمل مزيدا من أراضي منطقة الخليج.

ومن جملة المهام الاخرى المناطة بالجيش اليهودي قيامه بحماية منطقة الخليج وثرواتها من أي خطر يتهددها، سواء كان ذلك على شكل حملات عسكرية قد تشنها الدولة العثمانية او ألمانيا او على شكل اضطرابات او قلاقل داخلية يقوم بها سكان المنطقة العرب. وقد تضمن المشروع استعداد الجيش اليهودي للمشاركة في القتال الى جانب الحلفاء والقيام بأية مهمة توكل اليه الى ان تنتهي الحرب وينتصر الحلفاء كما اصبح متوقعا في تلك المرحلة من الحرب.

كان موقف لندن تجاه هذا المشروع أميل الى الاعتدال على اعتبار انه واحد من البدائل المؤدية لحل المسألة اليهودية اضافة الى المردود الإيجابي الذي يؤديه وجود هذا الكيان لخدمة مخططاتها الاستعمارية. غير ان موقف المسؤولين البريطانيين في الهند الذي أعلنه إدوين مونتاجو وزير شؤون الهند كان متشددا برفضه لهذا المشروع لعدة اعتبارات أهمها؛

١- ان ادخال اليهود منطقة الجزيرة العربية لن يكون أمرا مقبولا لدى عرب الجزيرة مما سيخلق مشاكل معقدة في هذه المنطقة عربيا وإسلاميا.

٢- البحرين كانت خاضعة للنفوذ البريطاني وحكامها مرتبطون بمعاهدة مع بريطانيا منذ عام١٨٢٠ .

والأحساء كانت من الناحية الواقعية بحوزة عبد العزيز بن سعود منذ عام ١٩١٣، وقد عقد معاهدة تحالف وصداقة مع بريطانيا عام ١٩١٥ تعهدت فيها الحكومة البريطانية بمساعدته في حالة هجوم اَي دولة اجنبية على بلاده .

هذا الموقف المتشدد الرافض الذي اتخذه المسؤولون البريطانيون في الهند جعل لندن تولي هذا الموضوع المزيد من البحث والدراسة حيث بدأت تدرك ان قيام دولة يهودية سيعرض مصالحها لمخاطر لا مبرر لها حيث تضمن المشروع بترا ينص على الاستعانة بفرنسا وروسيا للمساهمة في إعداد وتدريب الجيش اليهودي مما جعل بريطانيا تتوجس خيفة من مغبة هذه الخطوة التي كان من الممكن ان تفتح أبواب المنطقة للمنافسة الاستعمارية من جديد بعد ان اضحى الخليج * بحيرة مقفلة على النفوذ البريطاني * ، وبالإضافة الى ذلك فان احتمال الغزو الألماني العثماني لهذه المنطقةبات بعيد الاحتمال وبالتالي فقد تهاوى احد المبررات الاساسية لمثل هذا المشروع . وعلى أيك حال فان هذا المشروع سرعان ما تهاوى نهاىيا في أعقاب صدور وعد بلفور في الثاني من نوفمبر عام ١٩١٧ حيث تسلم روثشتين رد الحكومة البريطانية المتضمن ضرورة توجيه الجهد اليهودي في هذه المرحلة نحو بناء * وطن قومي * لليهود في فلسطين وليس في غيرها .

يتضح من خلال هذا العرض عمق التحالف المصلحي العضوي بين الإمبريالية البريطانية من جهة وبين البرجوازية اليهودية من جهة اخرى .
فبالنسبة لبريطانيا كان انشاء المستوطنات الأوروبية في الأماكن الاستراتيجية من عالمها الاستعماري يعتبر جزءا أساسيا وحيويا في سياستها الرامية الى توطيد دعاىم إمبراطوريتها وتوسيع مناطق نفوذها . ولا شك ان جلب إعداد من يهود أوروبا الشرقية وزرعهم في مستوطنات يتم تشييدها تحت إشراف الحكومة البريطانية حيث يوفر لهذه الحكومة المزيد من * الطوابير الخامسة * التي تستخدمها في حماية مصالحها من اَي خطر يتهددها سواء كان هذا الخطر عارجيا او داخليا ، وتعمل في نفس الوقت على تسخير قدرات هؤلاء المستوطنين لتزويد الاقتصاد البريطاني بما يحتاجه من مواد أولية أساسية وتأمين الاسواق اللازمة لمنتجاته بشكل مستمر وفعال.

اما بالنسبة للبرجوازية اليهودية فانه كان يهمها إيجاد مستوطنات تستوعب المهاجرين من يهود أوروبا الشرقية الذين كانوا. يتدفقون بشكل كبير على أوروبا الغربية والعالم الجديد.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.