حزب الله من انتصار «الكورنيت» الى هزم «التاو»

 

 الأردن العربي ( الخميس ) 15/10/2015 م …

لم يخف يفغيني الضابط الروسي الرفيع من ابداء اعجابه لـ«نظيره» «جهاد» المسؤول العسكري المكلف من قبل حزب الله بتنسيق العمليات العسكرية في سوريا، هو اثنى على كفاءة مقاتلي الحزب القتالية والتزامهم الميداني بالخطط والعمليات العسكرية وأشياء اخرى…. الرجلان لم يلتقيا سابقا، انها التجربة الاولى المشتركة في الميدان، لكن «صيت» الحزب سبقه الى موسكو، انها قصة طويلة من النجاحات بدأت مع صاروخ «الكورنيت» الروسي، ولن تنته مع المهمة الجديدة للحزب في سوريا، «تعطيل» فعالية «التاو» الاميركي.

بحسب اوساط مطلعة على الوضع الميداني في سوريا، فان التقدير الروسي لحزب الله ليس طارئا، قبل العام 2006 لم تكن اجهزة الاستخبارات الروسية الخارجية او اجهزة وزارة الدفاع في موسكو تضع على قائمة اولوياتها متابعة ملف حزب الله، ميدان عمل هذا التنظيم بعيد نسبيا عن دائرة المصالح الروسية المباشرة، المقاومة ضد اسرائيل و«المشاغبة» ضد المصالح الاميركية في المنطقة، يدغدغ مشاعر الروس ويتوافق مع مصالحهم، لكن لم يكن هذا الملف على جدول اعمال الفريق السياسي والعسكري اللصيق بالكرملين، انه ملف يعنى به الحليف السوري المعني بمتابعته. طبعا يعرفون في موسكو انه اولوية ايرانية، ولذلك كان حدود اطلاع القيادة الروسية الامنية والعسكرية يقتصر على التقارير الدورية المرفوعة من قبل السفارة في بيروت، اي ان الحزب وملفاته كانت جزءا من عمل روتيني واداري لا يشغل بال الروس.

في حرب تموز، انقلبت المقاييس راسا على عقب، فجأة فتح ملف حزب الله على مصراعيه، وبات الجهاز العسكري والامني الخاص بالحزب محط الاهتمام والمتابعة، بعد اربعة ايام من بدء الحرب «رن» الخط الساخن في وزارة الدفاع الروسية كان على الطرف الاخر من دمشق الضابط السوري الرفيع المكلف بمتابعة عمليات التسليح والتنسيق مع الجيش الروسي، باختصار دمشق تريد فتح مخازنها العسكرية لتزويد المقاومة اللبنانية صواريخ كورنيت، الطلب اغرى الطرف الروسي الراغب بتجربة ميدانية لهذا الصاروخ، والمغري اكثر ان المستهدف هو دبابات الميركافا الاسرائيلية، فخر الصناعات العسكرية في العالم، لما لا. لكن الامر يحتاج الى قرار سياسي. طبعا لم يتاخر القرار، فالكرملين يحتاج في السياسة الى كسر «هيبة» واشنطن في المنطقة، وعسكريا انها الفرصة السانحة لتسويق هذا السلاح، فتحت المخازن السورية، وكل «النواقص» في المخازن كانت موسكو تعمل جاهدة على تعويضها عبر خط جوي بقي مفتوحا طوال الحرب. لكن كان ثمة سؤال شديد الاهمية في دوائر القرار الامني والعسكري الروسي، هل مقاتلو حزب الله مؤهلون لاستخدام الصاروخ؟ وماذا لو فشلت عملية تشغيله؟ وماذا لونجحت اسرائيل في تعطيل فعاليته نتيجة اخطاء في التشغيل؟ او نتيجة تسريب معلومات استخباراتية مسبقة تؤدي الى اجراءات احترازية تقلل من فعاليته؟

تقر تلك الاوساط، بانه ليس كل من شغل خلال الحرب انظمة صاروخ كورنيت، كان قد خضع لدورات سابقة لتشغيله، فمجموعة ضباط صغيرة من القوة الصاروخية كانت قد تلقت دورات «نظرية» عليه، والبعض خاض غمار تجربته ميدانيا خلال الحرب. هنا كانت المفاجئة التي توقف عندها ضباط روس من المستشارين العسكريين الدائمين الموجودين في سوريا، في الميدان لم يرتكب اي خطأ فني في التجهيز او التموضع او الاطلاق، والاهم ان التشكيلات العسكرية التابعة للحزب عرفت كيف «تصطاد» دبابات الميركافا وتستهدف المناطق الاقل تدريعا في «جسم» الدبابة، وهذا ما زاد من فعالية تلك الصواريخ. يضاف الى ذلك مسألتين اساسيتين ساهمتا في «الترويج» لنجاح منظومة الكورنيت، اولا نجاح امني ساهم في خلق عامل المفاجأة الذي منع الاسرائيليين من تدارك خطورة تلك الصواريخ، وثانيا الاعلام الحربي الناجح المواكب للعملية العسكرية والذي ساهم في تظهير «مجزرة» الدبابات المحترقة بالسلاح الروسي، وساهم بعملية «التسويق».

نعم بعد حرب تموز تبدلت الرؤية الروسية، ثمة فصيل عسكري يستحق التقدير، تقدم حزب الله على جدول الاعمال، هناك من تحدث عن تواصل مباشر لم يؤكده الطرفان، لكن اسرائيل سربت معلومات عن تسليح روسي مباشر للحزب لم تقدم اي دلائل ملموسة حوله. لكن الثابت ان ثمة تحول ثاني في هذه العلاقة حصل مع دخول الحزب الى الميدان السوري، التقارير الروسية من ارض المعركة تصل الى القيادة العسكرية والامنية والسياسية في موسكو، «هناك تحولات على مختلف جبهات القتال حين يشارك مقاتلو حزب الله»، عبارة ترددت عشرات المرات في هذه التقارير، معركة القصير كانت مفصلا مهما على المستوى العسكري والاستراتيجي، معارك القلمون ومحيط دمشق، بينت عن جدارة عالية في ادارة العمليات العسكرية، تثبيت خطوط التماس ومنع «الانهيار» في الشمال السوري وحماية «بوابة» الساحل، رفعت منسوب «الاعجاب». بعد انغماس المستشارين الروس اكثر في العمليات الميدانية، كانت التقارير تصل تباعا وتتحدث عن الدور الحاسم لضباط ومقاتلي الحزب في وقف «الانهيار»، انهيار كاد ان يحصل قبل نحو سنتين في دمشق عقب اغتيال كبار الضباط السوريين ، وهو ما استدعى لاحقا تخصيص نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف جزء من زيارته الى لبنان للقاء الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في «رسالة» تقديرية روسية عالية المستوى للحزب ودوره في المواجهة المفتوحة في المنطقة.

لكن هل تراجع دور حزب الله اليوم بعد ان وصلت إلى سوريا أسلحة وقوات روسية من مختلف الاختصاصات؟ الاجابة هي كلا. فالطائرات الحربية المقاتلة والقاذفات والوحدات المدرعة ومنظمومة الصواريخ الموجهة، والطائرات مروحية القتالية، والأسلحة المدفعية الجديدة، مع طواقمها الفنية والتجهيزات اللوجستية، تحتاج الى تنسيق كبير للعمليات على الارض.

وغرفة التنسيق الامنية تضمّ ضباطاً من الاستخبارات الروسية والإيرانية والسورية، إضافة إلى ضابط ارتباط من قبل حزب الله. «وبنك الأهداف» الذي حجبه الاميركيون عن الروس تم وضعه من قبل ضباط ميدانيين في الجيش السوري بالتعاون مع ضباط حزب الله الذين باتوا يمتلكون معلومات وافية عن نقاط قوة وضعف المجموعات المسلحة.

اما العمليات العسكرية الهجومية فاضافة الى تشكيلات الجيش السوري «المحدثة»، بعد رفدها بمجموعات مقاتلة يصل عديدها الى نحو 30 الف مقاتل انهوا تدريبات مكثفة في الفترة الاخيرة على يد مدربين ايرانيين واخرين من حزب الله، يلعب مقاتلو الحزب دورا محوريا على مختلف جبهات القتال، بعد ان تعزز تواجدهم «نوعيا» وليس «كميا»، ومع دخول سلاح «التاو» الاميركي وظهوره بكميات كبيرة على ارض المعركة، تعزز دور مقاتلي حزب الله في المواجهات، فامام هذا التبدل الميداني، ومع انتفاء وجود تدريعات مناسبة لدى سلاح المدرعات السوري، تم تعديل «تكتيكات» المواجهة بما يتناسب مع الوقائع المستجدة، واصبحت اولوية التقدم البري للمشاة المكلفين بمهمة «تنظيف» الجبهة من المجموعات المسلحة وتعطيل منصات اطلاق «التاو» لحماية تقدم المدرعات، وهذا يحصل بمساعدة فاعلة من الطيران المروحي الروسي. هذا التعديل اعاد الاولوية لمقاتلي الحزب في الميدان، فطبيعة المعركة يتفوق فيها مقاتلو المقاومة الاكثر قدرة على التكييف مع «حرب عصابات» خبروها سابقا، وباتت اليوم جزءا مهما من العملية العسكرية الواسعة، حيث تتراجع فعالية الجيش النظامي، وتتقدم العمليات العسكرية النوعية عبر القوات الخاصة، وهذا المضمار الرئيسي الذي يتفوق فيه حزب الله. باختصار يخوض مقاتلو الحزب اليوم مهمة «ابطال» مفعول «التاو» بعد ان نجحوا عبر «الكورنيت» في تعطيل «الميركافا»، ولذلك على الكثيرين ان يعيشوا القلق، اللائحة طويلة تبدا في واشنطن وتمر بالسعودية وتركيا ولا تنتهي في اسرائيل.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.