عندما تصبح الدولة ضد الأمة / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد ( سورية ) – الجمعة 8 / أيار ( مايو ) / 2020 م …
قبل أن نبين كيف تتحول الدولة ضد الأمة, دعونا نتعرف على الأمة والدولة أولاً.
الأمة : هي جماعة من الناس تعيش على بقعة جغرافية محددة اكتسبت كل مكوناتها الدينية والعرقية قواسم مشتركة شكلت هويتها الحضارية, التي فرضتها طبيعة الوجود الاجتماعي بكل أنساقه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. هذا مع تأكيدنا على أن لكل مكون من مكونات هذه الآمة له خصوصيته التي لا تطغى على البنية العامة لهذه الآمة.
الدولة: هي جهاز إدراري له مؤسساته التنفيذية والقضائية والتشريعية التي قامت في مرحلة تاريخية ما, بعقد اجتماعي, بغية حماية الأمة من أعداء الخارج أولاً, ومن غلبة المصالح الأنانية الضيقة لدى قوى اجتماعية محددة تريد السيطرة على الأمة والتفرد بخيراتها واستعبادها ثانياً. فالدولة وفق هذا المفهوم هي السلطة, أو الجهاز الحاكم الذي منحته الأمة مشروعيته بعقد اجتماعي كي يقوم بتحقيق العدالة والمساواة والأمن والاستقرار بين أبناء الأمة.
متى تتحول الدولة (السلطة) ضد الأمة؟.
من المنطق العقلاني المجرد والملموس القول: إن لا وجود للدولة بدون أمة.. فالأمة سابقة بكثير لوجود الدولة, فالدولة في سيرورتها وصيروتها التاريخيتين هي نتاج الأمة, وأي دولة تقوم خارج سياقها التاريخي المرتبط برغبة الآمة, هي دولة غريبة عن هذه الآمة ورغبتها. وقد تأتي هذه الدولة بفعل خارجي, قد تشكلها قوى استعماري معينة فرضت وجودها على هذه الأمة, أوقد تأتي بفعل انقلابات عسكرية أو حزبية تدعي أنها هي وحدها من يمثل الأمة. ففي مثل هذه الحالة لا تعد الآمة مسؤولة عن تشكل هذه الدولة وما يصدر عنها من قرارات أو أحكام لمؤسسات تشريعية وقضائية وتنفيذية وغيرها من نشاطات أخرى تقوم بها هذه الدول الخارجة عن العقد الاجتماعي.
على العموم: إن الأمة هي صاحبة المصلحة الحقيقة في تشكيل دولها وأنظمة حكمها ودساتيرها واختيار من يمثلها ويُنظر أو يشرع القوانين لخدمتها, وبالتالي هي التي تحاسب من يخرج عن إرادة الأمة ومصالحها. فإذا كانت الدولة قد جاءت حواملها من خارج هذا العقد الاجتماعي, فهي دولة تمثلها قوى معتدية على هذه الأمة ووجدوها, حيث تقوم هذه الدولة المعتدية بممارسة فعل الوصاية على الأمة والاعتداء على حقوقها, من حيث قيامها بتشكيل دساتيرها ومؤسساتها وسن القوانين وتشكل نظام حكمها, وتعيين من تشاء في مراكز القرار والتنفيذ في مؤسسات عملها. ففي مضمار عمل هذه الدولة غير الشرعية, تتفرد بالضرورة قوى اجتماعية محددة, إن كانت حزباً أو طائفة أو قبيلة أو عشيرة أو عصاية تحكم باسم هذه القوى.
من هنا تتحول الدولة إلى غنيمة بيد هؤلاء القادة الأوصياء, حيث تتم فيها عملية سرقة أموال الدولة عبر الرشاوي وسوء استخدام السلطة, مثلما تتشكل مراكز قوى تابعة لهذا الزعيم أو المسؤول داخل مؤسسات هذه الدولة ومحيطها الاجتماعي, تبدأ بممارسة نشاطاتها الاقتصادية غير المشروعة, إن كان عبر مشاريع وهمية أو فرض سيطرتها على تعهدات مشاريع الدولة, أو أخذ نسب محددة من المتعهدين … الخ. وهذا ما يساهم في سن قوانين تشريعية تخدم مصالحها ومصالح من يدعمها أو هو شريك لها في السلطة. وفي مثل هذه الحالة من الممارسات غير المشروعة, تصبح الهوة واسعة بين الشعب ومصالحه وبين من يقود سياسة الدولة ويدعي أنه يحكم باسم الشعب, وهذه الهوة تخلق شعوراً من الخوف المتبادل بين الشعب والدولة, الدولة تخاف من الشعب فتخلق له أجهزة قمعية تمارس عليه الإرهاب وتضع حواجز مادية ومعنوية بينها وبين الشعب, والشعب يخاف من سطوتها وقدرتها على استخدام سيطرتها وقوتها المسلحة التي تمت قوننتها باسم الدول والحفاظ على أمنها القومي والوطني. أما الأخطر في سلوكيات هذه الدولة فهو وضعها أيديولوجية سياسية ذات بعد وطني او قومي تتحرك سياسياً بإسمها, ونعتبر كل من يخرج عليها هو ضد الوطن وخائن له ومرتبط بالخارج.
أمام هذه الحالة من الخوف المتبادل, تلجأ الدولة المسيطر عليها من خارج العقد الاجتماعي إلى تجويد صورتها بطرق مسرحية تمارسها عبر مشاريع ديمقراطية مفصلة على قياس مصالحها, بحيث تستطيع عبرها أن تجلب إلى المناصب من تشاء وتبعد من تشاء عبر تزوير الانتخابات وشراء الذمم.. كما تقوم بتسخير إعلامها وتوظيفه كي يظهر صحة ممارسة القائمين على الدولة كقوى سياسية غيورة على مصالح الشعب وسعادته, مثلما تسخر مشايخ مؤسساتها الدينية على التحدث بالفضيلة وحساب يوم الآخرة لمن يشذ عن قيم الدين, ومن يخرج على السلطان حتى لو كان فاسداً كي لا تكون فتنةً والفتنة أشد من القتل.
هكذا تتحول الدولة إلى عصابة ضد الأمة, تحكم باسم الشعب والويل كل الويل للشعب إذا انتقد سياستها أو عبر عن رفضه لها, لأنه هذا الرفض هو رفض لمشيئة الله وقدره, وخروج عن إرادة السلطان الذي اختاره لله قبل الشعب ولياً للنعم.
كاتب وباحث من سورية
d.owaid333d@gmail .com
التعليقات مغلقة.