البنك المركزي وتأجيل الأقساط وفوائد التأخير / د. مروان الزعبي
د. مروان الزعبي ( الأردن ) – الجمعة 8 / أيار ( مايو ) / 2020 م …
قُبل أكثر من شهر ونصف، وفي بيانه الصحفي أعلن البنك المركزي عن حُزمة من الاجراءات الهادفة لاحتواء تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الاردني وكانت هذه الاجراءات ضرورية لضمان سيولة الجهاز المصرفي والمساعدة في التقليل من الآثار السلبية على المقترضين. ومن أبرز هذه الاجراءات ” تأجيل أقساط التسهيلات الائتمانية الممنوحة لعملاء القطاعات الاقتصادية…. على أن لا تتقاضى البنوك أية عمولة أو فوائد تأخير وبحيث يتم العمل بذلك حتى نهاية عام 2020″. ان نص البيان واضح لا يحتمل التأويل فلا “عمولة او فوائد تأخير” وعلى الرغم من ذلك، هناك العديد من التساؤلات في الشارع الاردني عن مدى دقة ذلك في الوقع العملي وما اذا كانت البنوك ستلتزم به.
ولتوضيح ذلك، فـإن البنوك في الظروف الطبيعية واذا ما احتاج العميل الى تأجيل أقساطه أو اعادة جدولتها، تقوم بما يلي:
أولاً: عندما يتم تأجيل قسط مستحق اليوم لفترة لاحقة، يفقد البنك فرصة اقراض هذا القسط لعميل آخر ولذلك يخسر الدخل من اعادة الاقراض. وهذا ما يبرر فرض فائدة تأخير على القسط لتعويض تكلفة الفرصة البديلة.
ثانياً: البنوك كغيرها من الشركات، تعمل لصالح مالكيها وهي مطالبة باتخاذ كافة الاجراءات المهنية لضمان مصالح مالكيها، ولذلك فهذا اجراء طبيعي تلجأ أليه كافة البنوك في العالم، إلّا تلك المملوكة من القطاع العام.
ثالثاً: عندما يتخذ البنك المركزي أي اجراء يتعلق بالجهاز المصرفي، فيجب ان لا يكون لذلك الاجراء أي تهديد لسلامة الجهاز لأسباب معروفة، يأتي في مقدمتها حماية أموال المودعين. بل على العكس، اجراءات اي بنك المركزي تهدف الى تعزيز سلامة الجهاز المصرفي فلا يمكن لأي بنك مركزي أينما كان ولايجوز له أن يفرض اجراء يهدد سلامة الجهاز المصرفي، فهذا أمر مفروغ منه. فإذا ما اهتزت سمعة أي بنك، تكون بمثابة بداية النهاية لأن البنوك ليست كأي شركة، فاهتزاز سمعة اي بنك ستخرجه من السوق. ناهيك ان ازمات الجهاز المصرفي غالبا ما تقود الى ازمات نظامية على مستوى الاقتصاد الكلي والشواهد كثيرة ومعروفة.
رابعاً: لذلك، ترك البنك المركزي للبنوك أن تطبق هذا الاجراء لمن ينطبق عليه “مفهوم اعادة الجدولة”، وهو تصرف طبيعي ومهني لكي تتحمل البنوك مسؤولية اجراءاتها. حيث انه لا يمكن للبنك المركزي ان يتولى متابعة عملاء البنوك لكنه يستطيع محاسبة البنوك عندما لا تلتزم.
خامسا: ان سلامة البنوك من سلامة عملائها، فعندما يتعثر عميل ينبغي على البنك العمل مع عميله على اعادة جدولة تسهيلاته شريطة ضمان مقدرة العميل على التسديد فللبنك مصلحة في ذلك.
كل ذلك متعارف عليه، لكن البيان الصحفي لم يأتي في ظروف طبيعية، وانما في ظروف صعبة قد تكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد والمواطنين وهو اجراء قُصد منه مساعدة الشركات والافراد والبنوك في آن واحد لكي تتجاوز كل منها هذه المرحلة بسلام. النص في التصريح واضح وهو” أن لا تتقاضى البنوك عمولة أو فوائد تأخير” وهذا يعني انه اذا تم تأجيل قسط مثلاً بمقدار 500 دينار لنهاية فترة القرض فلن يدفع العميل سوى هذا المبلغ في نهاية الفترة دون اضافة أي فوائد أو عمولات.
ولنفرض ان على العميل 60 قسط كل منها 500 دينار بما مجموعة 30000 دينار ولنفرض ان العميل يريد تاجيل قسطين (1000 دينار) لنهاية فترة القرض، فبامكانه عمل ذلك ويبقى المبلغ الذي سيدفعه 30000 واذا زاد عن ذلك فهذا يعني ان البنك اضاف فوائد او عمولات وهذا لا يجوز حسب تعميم البنك المركزي. أي أن مجموع الاقساط التي سيدفعها العميل للبنك ستبقى ثابتة حتى لو تم تأجيل قسط أو قسطين لنهاية الفترة. هذا الاجراء يستحق التقدير وهو واجب تعهد به البنك المركزي .
كثُرت التساؤلات عن التصريح الذي صدر عن البنك المركزي قبل يومين لاحدى المحطات الاذاعية والذي يُفيد بأنه سيترتب على أي تأجيل فوائد تأخير!! وهذا يتناقض مع ما ورد في التعميم السابق وفي تصريحات محافظ البنك المركزي المتكررة ومن قراءتي للتعميم لا اعتقد ذلك ومن المؤكد أنه لا يوجد فوائد تأخير ولذلك فمن الأفضل أن يقوم البنك المركزي بتوضيح ما قصده.
يُضاف الى ذلك، اننا لا ولن نتوقع من البنوك أن تتحمل كُلفة التأجيل علماً بأنه من الواجب عليها أن تتحمل كامل الكلفة في هذه الظروف الصعبة من خلال مساعدة المواطنين والشركات المتعثرة فنحن لا نتحدث عن تحمل كافة القروض او حتى بعض الاقساط وانما فوائد قسط او قسطين لكل قرض متعثر والكلفة موزعة على 25 بنك عامل. البنوك تحقق ارباح تقرب من 800 مليون دينار سنويا فلن تهتز من تحمل بضعة ملايين في مثل هذه الظروف وعليها ان لا تخضع هكذا اجراء لحسابات الربح والخسارة، فهذا جزء من رد الجميل من الرعاية المستمرة التي يتلقاها الجهاز المصرفي من البنك المركزي. ان تعميم البنك المركزي لم يشر الى هذه النقطة حيث انه لم يحدد الجهة التي سوف تتحمل هذه الكلفة، واذا ما ترك الأمر للبنوك، فبالتأكيد انها ستفرض فوائد تأخير وعمولات حتى تعوّض النقص الحاصل في ايراداتها او ان تفرض شروط معقدة على التأجيل او اعادة الجدولة. على البنك المركزي ان يوضح مقاصده للعموم وللبنوك.
وفي الخُلاصة، يبقى السؤال المطروح: هل هناك فوائد تأخير؟ واذا كان الجواب بأنه لا يوجد فوائد تأخير، فمن هي الجهة التي ستتحمل كلفة التأخير؟ واذا كانت البنوك، فهل ستلتزم باعادة الجدولة وتأجيل الأقساط حيث ان عبارة من تنطبق عليه “مفهوم اعادة الجدولة” تركت المجال واسع للبنوك في هذا الصدد؟
نتوقع ان يقوم البنك المركزي بتوضيح الاجابة على هذه التساؤلات التي أثارت العديد من المخاوف لدى المواطنين وأصحاب الاعمال خلال الايام القليلة الماضية!
د. مروان الزعبي
خبير مالي واقتصادي
جامعة الزيتونة الاردنية
التعليقات مغلقة.