هل يعود لبنان ساحة لتصفية الحسابات؟ تحذير روسي إلى من يعنيهم الأمر

 

الأردن العربي ( السبت ) 17/10/2015 م …

*تحذير لافت هو الأول من نوعه يطلقه لافروف حول احتمال أن يشهد لبنان في فترة قريبة أحداثاً أمنية شبيهة بما تشهده دول المنطقة، ومعطيات خطيرة حول علاقات لمجموعات تزور لبنان تحت عناوين مختلفة بجهات داخل المخيمات الفلسطينية.. من له مصلحة بإشعال لبنان؟

كلام وزير الخارجية الروسي لم يرد عرضاً، بل تقصّد الإشارة إلى لبنان.

لبنان مرشح للعودة إلى دائرة الأحداث الأمنية التي تشهدها المنطقة والتي خبر بعض فصولها قبل أعوام. مردّ هذ الكلام ليس تحليلات أو توقعات، إنما تصريح لافت صادر عن رأس الدبلوماسية الروسية. لافروف أتى على ذكر لبنان الثلاثاء الماضي من باب ربطه بمشكلة تفشي الإرهاب في المنطقة. قال إنه “من غير المستبعد أن يكون هناك لاعبون يسعون لتكرار السيناربو الليبي والعراقي في لبنان”.كلام وزير الخارجية المحنّك لم يرد عرضاً، بل تقصّد الإشارة إلى لبنان عندما كرر في سياق مقابلة أجراها معه تلفزيون “إن تي في” ونقلت وكالة سبوتنيك جزءاً من مضمونها، أن لبنان ربما يكون مقبلاً على أحداث أمنية طابعها إرهابي. قال: “في نهاية المطاف مشكلة تفشي الإرهاب في الشرق الأوسط مرتبطة بتدمير الدولة في العراق وفي ليبيا والآن في سوريا، وربما قريباً في لبنان”.

معطيات خطيرةاجتماع سوتشي لم يكن موفقاً بحسب مدير الاستشارية للدراسات الدكتور عماد رزق.

كلام لافروف لافت في الشكل والمضمون. على الطريقة الروسية تتدحرج التصريحات عادة بدءاً بالناطقة باسم الخارجية ثم وزير الخارجية يليه تصريح رئاسي، واليوم في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب في سوريا وزراة الدفاع تتولى هذه المهمة. هذه المستويات يتنقل عبرها القرار الروسي إزاء قضية ما.اليوم تخطي المستوى الأول في الحديث عن لبنان، الذي لطالما تردد في الآونة الأخيرة أنه يحظى بمظلة حماية دولية وإقليمية تجعله بمنأى عن أحداث المنطقة، يدل بحسب مدير الاستشارية للدارسات الدكتور عماد رزق على تسارع التطورات وجدية الموضوع. “هذا التحذير من المستوى الثاني قبل الانتقال إلى مرحلة حماية الاستقرار في لبنان، فروسيا لن تسمح بالعبث بالأمن في لبنان”، يقول رزق.  في المضمون يعتبر هذا التصريح غير معهود إزاء لبنان. وهو يأتي في سياق الحملة على الإرهاب التي بدأتها روسيا بالتحالف مع إيران وسوريا وحزب الله وبعد إقامة غرفة التنسيق المشتركة في بغداد. لكن ماذا في المعطيات التي دفعت لافروف إلى هذا التصريح؟ هل يتم الزج بلبنان في آتون المنطقة؟ من له مصلحة في ذلك؟ وهل تقف قوى الممانعة ومن ورائها روسيا مكتوفة الأيدي؟

تصريح لافروف وصل إلى من يعنيهم الأمر

هذا التصريح غير المسبوق لجهة ذكر لبنان جاء رداً على إمكانية استخدامه ساحة لتصفية الحسابات كما يرى الدكتور رزق. يقول مدير الاستشارية للدراسات إنه بعد استخدام اليمن والعراق وسوريا كان هناك اتجاه سعودي قطري لإعادة تحريك لبنان ساحة للصراع عبر أصابع الفتنة كواحدة من احتمالات التدخل. ربطاً بذلك رُصدت في الأسابيع الماضية حملات إعلامية خليجية مبرمجة هدفها التجييش والتحريض على حزب الله، ربما تحضيراً لمسرح العمليات.في هذا السياق يرى رزق أن تصريح لافروف وصل إلى من يعنيهم الأمر، واستقبل عملياتيا باللقاء الذي جمع الجانب السعودي إلى الجانب الروسي في سوتشي. هذا الاجتماع بحسب رزق لم يكن موفّقاً، وجاء الرد الأولي عليه باستهداف السفارة الروسية في دمشق عبر جماعة زهران علوش المرتبطة بالسعودية، وقبل ذلك وبعده عبر الحراك الذي قامت به “هيئة العلماء المسلمين” ضد موسكو أمام السفارة الروسية في بيروت، إضافة إلى إعلان الجهاد ضد الروس من قبل “جماعة الإخوان المسلمين”.

من هي الجهات التي تزور لبنان وتتواصل مع المخيمات؟

يعتبر رزق أن لبنان وفق النظرة الروسية ليس بمعزل عن دائرة الحرب على الإرهاب التي تشارك فيها موسكو ولا عن غرفة عمليات بغداد. يقول إن التدخل الروسي جاء على أساس أن حدود روسيا الجنوبية تبدأ في بيروت وتنتهي في طهران وأفغانستان، وبالتالي أي فوضى أو عدم استقرار أو تنظيم إرهابي ينشأ في هذه المنطقة، سوف يصبح كالعدوى يمكن أن يتمدد باتجاه آسيا الوسطى ويدخل إلى عمق روسيا عبر جمهوريات الاتحاد الروسي.يذكّر في هذا الإطار أنه في عقيدة الأمن القومي الروسي التي صدرت منذ سنتين يعدّ لبنان جزءاً من الأراضي المقدسة التي تشمل سوريا والأردن وفلسطين، وبالتالي يجب الدفاع عنه بأي وسيلة. بمعنى آخر “أمن سوريا من أمن لبنان بالنظرة الروسية”.يشير أيضاً إلى الأحداث التي شهدها لبنان من الضنّية إلى نهر البارد مروراً بالاعتداء على السفارة الروسية في بيروت ربطاً بقضية الشيشان. ويكشف عن وجود علاقات بين بعض المجموعات وتحديداً داخل المخيمات الفلسطينية وبين مجموعات من دول الاتحاد الروسي ودول آسيا الوسطى تأتي الى لبنان من خلال عناوين مختلفة منها الدراسة الدينية.أحد الأمثلة على ذلك “حزب التحرير” الذي يعتبر الأقوى على الساحة الإسلامية في أوزباكستان. يقول رزق إن هذا الحزب ناشط في لبنان وهناك علاقة تربطه مع بعض الجهات اللبنانية. “بعض المعاهد في لبنان يستقبل أشخاصاً من الدول المحيطة بروسيا، وهؤلاء الأشخاص يأتون ويغادون تحت مسمّيات وعناوين مختلفة، وهم جاهزون في أي لحظة للتنسيق مع جهات أخرى أو ليصبحوا أذرعاً لها”. يشير في هذا الإطار إلى أن بعض التنظيمات أعلنت مبايعتها لداعش في دول آسيا الوسطى، وداعش هددت روسيا رسمياً. إلى هؤلاء هناك مجموعات يمكن أن تعبث بالأمن اللبناني وترتبط إما عضويا أو إيديولوجيا بجبهة النصرة وتنظيم القاعدة أو داعش. “وجود مجموعات شيشانية ومن دول روسيا الاتحادية في الداخل السوري أو على الأراضي اللبنانية دفع سابقاً ويدفع حاليا للتنسيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والروسية”.يحرص رزق على الإشارة إلى ما تعلنه الأجهزة الأمنية اللبنانية منذ فترة من إلقاء القبض على شبكات وأشخاص مرتبطين بداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وإلى عمليات انتحارية تجري في سوريا وفي العراق منفذوها لبنانيون.

الحسابات الأميركية

إذا كان من مصلحة بعض الأطراف الإقليمية التي ترصد خسارة مرتقبة في سوريا والعراق وفي اليمن أن تشعل الساحة اللبنانية لإرباك محور المقاومة، ماذا عن الموقفين الأوروبي والأميركي المؤثرين، بتفاوت، في سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة؟يؤكد رزق بأن “أوروبا لديها مصلحة ملحة في أن يبقى لبنان هادئاً، أما السياسة الأميركية فهي براغماتية تتعاطى مع الوقائع وليس مع المؤشرات”. في إطار تفنيد هذه النظرية يدلل على الحراك المدني الذي يشهده لبنان منذ فترة. يحرص بداية على عدم اتهام أي طرف من المجموعات المشاركة في التحرك، إلا أنه يرصد تحضيراً أميركيا وتعبئة على مستوى هيئات ومنظمات المجتمع المدني سابقة على التحرك. يقول إن أميركا حاولت استثمار الثغرة الموجودة في الملف الخدماتي وكان أول سفير يلتقي رئيس الحكومة غداة التحرك هو السفير الأميركي”، ويلفت الانتباه إلى البيان الداعم للحراك والصادر عن السفارة الأميركية في بيروت منذ بدايته. هذا برأيه دليل على الواقعية الأميركية والذي يتلخص في أنه إذا كانت هناك إمكانية للتغيير فليس لديهم مشكلة.انطلاقاً من ذلك يرى رزق بأنه ليس لدى الأميركيين مشكلة في حصول اهتزاز أمني في لبنان إذا كان هذا الأمر يؤدي إلى تحسين مكاسبهم وشروطهم. بمعنى أن التفلت الأمني قد يساعد على أن يعطيهم دوراً. لمزيد من الإيضاح يشير إلى أن الفترة التي شهدت تفجيرات في بعض المناطق اللبنانية سمحت لهم أن يبدوا استعدادهم إلى دعم القوى الأمنية في لبنان بالمعلومات وغيرها. ويضيف: “عندما حدث انفجار السفارة الإيرانية اعتبروها فرصة دفعتهم إلى إبداء الاستعداد للتعاون مع الجانب الإيراني، وكذلك بعد التفجيرات في الضاحية وجدوا فرصة وبدأوا يسرّبون أخباراً عن لقاءات مزعومة بين السي اي إيه وبين حزب الله لمواجهة الإرهاب”.ويختم بالقول “بالنسبة للأميركيين ليس بالضرورة أن يصنعوا الحدث ولكن المهم بالنسبة إليهم أن يستثمروه، ولذلك قد لا يجدون ضيراً من تغيير الستاتيكو إذا وجدوا أن هذا الأمر لصالحهم”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.