مُقترحات في سبيل الاستئناف التدريجي والمحدود للرحلات الجوية / المحامي الدكتور قيس علي محافظة

المحامي الدكتور قيس علي محافظة ( الأردن ) – الأحد 10 / أيار ( مايو ) / 2020 م …




في السادس من أيار من العام الجاري ترأس جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحُسين المعظم اجتماعاً لمجلس السياسات الوطنية وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير الحسين ولَيِّ العهد حفظه الله. حيث أكد جلالته أن الأردن يعتبر أُنموذجاً أمام العالم في طريقة تعامله إبَّانَ اجتياح وباء كورونا لدول العَالم ووصوله إلى بلدنا أيضاً. وقد حث جلالته على التفكير الخلاق (التفكير خارج الصندوق) وإيجاد السُّبل الناجِعَة كي يصار إلى الإستئناف التدريجي والمحدود للرحلات الجوية.

على ضَوء ما سبق، دفعني الواجب الضميري والحس الوطني لتقديم المقترحات التالية التي أراها في غاية الأهمية. هذه المقترحات التي ارتأيت وضعها أمام أصحاب القرار جاءت من باب خبرةٍ حُقوقيةٍ قانونيةٍ اكتنزتها على مدى ثمانية عشر عاماً درَّستُ فيها مادة قانون النقل في الجامعة الأردنية، بالإضافة للتعامل الفعَّال كَمُحامٍ ممارسٍ يتعامل في ميدان قانون النقل وخدماته اللوجستية.

يجدرُ أن أُشير في البداية إلى أنَّ أزمة وباء كورونا وتفشِّيه على مستوى العالم خلَّفت أثراً كبيراً ومضاعفات مختلفة ستنعكس على حركة وآلية عمل الخطوط الجوية ورحلات النقل الجوي للركاب. بما يعني لن تكون أعمال هذا القطاع الحيوي كما كانت على سابق عهدها قبل وقوع الوباء العالمي. وعليه ومن أجل استعادة الثقة فإن سلسلة إجراءات ينبغي أن يُصار إلى تفعيلها ليطمئن المسافر على سَلامته وخُلوِّ الطائرة التي تنقله مِن الفيروس المذكور بما يعني ضرورة وأولوية تعقيم الطائرات في كل رحلة جوية وعلى سائر الخطوط المحلية والدولية.

إن الاستئناف التدريجي والمحدود للرحلات الجوية لابد أن يُطبق بداية على المسافرين لغايات التزام العمل أو الاستشفاء أو لضرورات بالغة الأهمية، ولعل الضرورة تُحتِّم ألاَّ يُسمح بالرحلات السياحية في هذه المرحلة، وَقَصدي هُنا السَّفر من وإلى الأردن على الأقل لفترة معينة حتى تتحقق السيطرة العالمية الشاملة على أزمة كورونا. وليس يغيب عن الأذهان في الوقت عينه عُزُوف الناس وعدم رغبتهم في السفر بغرض السياحة في المرحلة الراهنة لدوافع نفسيَّة من جانب ومن جانبٍ آخر لأسباب مادِّية.

إنَّ وضع الوباء في أيَّة دولة بما في ذلك توصيات هيئة تنظيم الطيران المدني يُشكل ذلك كله الأساس لاتخاذ القرار الفَصْل في أن يكون سفر المواطنين وغيرهم من الراغبين إلى دول معينة مُقتصِراً على غايات العمل أو لأسباب اضطرارية كالمشار إليها أعلاه؛ مع إمكانية استئناف الرحلات الداخلية بين العقبة وعمان وبالعكس. ونشير هنا الى المادة السابعة من قانون الطيران المدني الأردني حيث حددت مَهام ومسؤوليات الهيئة وبَيَّنت أن من مُهماتِها “تنظيم جميع الأمور المتعلقة بالطيران المدني بما في ذلك تنظيم سلامة وأمن الطيران والتنظيم الاقتصادي والبيئي لـه”.

إن إجراءات سفر الركاب المقترحة تبدأ بعملية التسجيل عبر الإنترنت، حيث يتعين على الركاب إدخال تفاصيل جوازات السفر، والتأشيرات، ثم يُصار الى تحديد مقاعد متباعدة حسب التعليمات الصحية، كذلك دفع ما يترتب عليه مقابل الخدمات غير الاختيارية مثل الأمتعة المسجلة. وبالتالي لم يعد مُتاحاً للمسافر تلقي خدمات دون مقابل أو اختيار المقاعد حسب الرغبة الشخصية. يُضاف إلى هذا توفير أقنعة واقية لمجاري التنفس -كمَّاماتٍ- وقفازات موحدة النوعية وفائقة الجودة تكون مدفوعة القيمة مُسبقاً في المطار. وتعتبر هذه التدابير الوقائية مهمة لمنع الاحتكاك المباشر مع موظفي المطارات والعاملين بشركات الطيران وما بين المسافرين أنفسهم ولمقتضياتٍ أخرى.

إن إبراز شهادة عدم الإصابة بفيروس كورونا في نظري هو أمر غير مُجدٍ، لأنه لا يضمن عدم إصابة الركاب بعد أخذ هذه الشهادة. لذا أرى حال وصول المسافرين للمطار تمريرهم من خلال نفق التعقيم والماسحات الحرارية وأجهزة الفحص السريعة والدقيقة المخصصة لغايات تبيان سلامة كل مسافرٍ بشكل مباشر. إن هذه المقتضيات تتطلب وجود الركاب في المطار قبل موعد أيّة رحلة بثلاث ساعات على الأقل.

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى جانبٍ قانونيٍ بالغ الأهمية وهو تعاقد معظم دول العالم والأردن أيضاً على اتفاقية توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي لعام 1999 (اتفاقية مونتريال)، حيث إن هذه الاتفاقية تُحدد مسؤولية شركات الطيران (الناقل) في حالة وفاة أو إصابة الركاب جسدياً، وكذلك في حالات التأخير أو تلف أو فقدان الأمتعة والبضائع. وبطبيعة الحال، فإن ما يهمنا في المرحلة الراهنة هو ألاَّ تقع وفيات او إصابات للركاب بسبب فيروس كورونا. لذا ولتجنب إقامة دعاوى قضائية يَتَعيَّن على المسافرين توقيع وثيقة في المطارات أنهم يسافرون على مسؤوليتهم الشخصية، وفيها أيضاً ما يُفيد بتنازلهم عن أيَّة مطالبة تُجاه المطارات وشركات الطيران في حال إصابتهم بفيروس كورونا.

وليس من حَرَج، بل هو من الحقِّ إضافة رسوم محددة تكون مقبولة على تذاكر السَّفر لتغطية جزءٍ من تكلفة تعقيم الطائرات، وتكلفة الفحوصات الفورية السريعة والدقيقة للركاب المغادرين والقادمين، وأية مبالغ أخرى تندرج تحت مُسمى الإحتراز الطبي الوقائي. إن استمرارية عمل خطوطنا الجوية الملكية الأردنية بكفاءةٍ وتميزٍ في ظل تحديات ومستجدات الوضع العالمي جرَّاء وباء فيروس كورونا ومرحلة ما بعده مسألة تهمّنا جميعاً، وليتحقق ذلك أرى ضرورة لعملية تحول جذري في نهج العمل من أجل أن تنافس شركات الطيران منخفضة التكلفة. وفي الواقع، لابد أن يركز التحول على خطة عمل لجعل الملكية الأردنية المحور الرئيس لشركات الطيران منخفضة التكلفة، لأن الطيران في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب سيكون أقل بكثير في حجمه من ذي قبل، ومن الملاحظ أن شركات الطيران منخفضة التكلفة في أوروبا حالياً في وضع حرج نظراً لأن القليل منها تملِك مدخرات وسيولة نقدية تكفل استمرار عملها.

وبناءً على ما تقدم ذِكرُه، فإنه لابد من تنسيق جميع المقترحات المذكورة في مقالي هذا مع منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) واتحاد النقل الجوي الدولي (IATA). هذا التنسيق تقتضيه الضرورة لتجنب أيِّ تعارُضٍ بما في ذلك لنُعيد ونُعزِّز الثقة في نفوس المسافرين.

إننا في الوقت الراهن نواجه حالة صحية عالمية غير مسبوقة تثير العديد من الأسئلة والإشكالات ذات البعد الاقتصادي والقانوني بما يتطلب نهجاً حكيماً يضمن التوازن ويكرس الدور الأساسي لحماية الإنسانية ولاستمرار العجلة الاقتصادية كما كانت وأفضلَ .

المحامي الدكتور قيس علي محافظة

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.