التدخل الروسي في سورية: المحددات و الآفاق / قوق مراد
قوق مراد ( الجزائر )* الأحد 18/10/2015 م …
* باحث أكاديمي جزائري …
يدرك بوتين جيدا أن مفاتيح المساهمة الروسية في اللعبة الدولية موجود في الشرق الأوسط و أن أحد مفاتيح الشرق الأوسط موجود في دمشق، حيث تعتبر روسيا أن سورية امتداد لمجالها القومي الحيوي ،و هذا منذ أيام الاتحاد السوفياتي فقد جمعت البلدين اتفاقية 1971 التي تنص على بناء قاعدة عسكرية بحرية سوڤيتية في مدينة طرطوس الساحلية شمال سوريا، وذلك بغرض دعم الأسطول السوفيتي في البحر الأبيض المتوسط وتوفير مركز له، و أعيد إحياء هاته القاعدة سنة 2008 بموافقة الرئيس السوري بشار الأسد على أن يكون ميناء طرطوس مقرا لقاعدة عسكرية بحرية روسية دائمة، و هو ما يمثل أهمية بالغة لروسيا لامتلاكها موقعا يطل على البحر الأبيض المتوسط عكس البحر الأسود الذي أصبح منطقة نفوذ أطلسية تضررت منها مكانة روسيا.
تقودنا هاته المقدمة إلى الجزم بأن روسيا لم تكن غائبة أبدا عن سورية و لن تكون كذلك، فما يجمع البلدين أكثر من علاقات تقاطعية في مجالات متفرقة، بل يتعدا ذلك إلى انسجام في الرؤى و تبادل للمصالح ضارب في التاريخ لذلك لاحظنا أن الموقف الروسي كان حاضرا منذ بدايات الأزمة السورية إلى غاية اليوم حيث و بعد أيام قليلة من خطاب بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر 2015 قامت روسيا بضربات جوية في سورية للقضاء على داعش. فماهي خلفيات هذا التدخل الروسي ؟ و ماهو مستقبل الضربات على سورية ؟
فهم السلوك الروسي تجاه المنطقة:
إن كل الحراك داخل منطقة الشرق الأوسط – الأزمة السورية خصوصا- زيادة على الهوان الأمريكي في السياسة الخارجية يدفع بموسكو أن تأخذ بزمام المبادرة ، بالرغم من أنه يصعب فهم الدبلوماسية الأمنية الروسية في فضائها العام، من دون الإلمام بشبكة من المؤشرات الجيوسياسية المتداخلة، ويزداد هذا التوجه صعوبة إذ لم تتم موضعة العقيدة الأمنية الروسية في الحسبان، لكن الملاحظ للشأن الروسي يمكن أن ينظر الى أن سياسة بوتين و منذ توليه الرئاسة سنة 2000 يمكن إدراجها في ثلاثة جوانب أساسية :
الجانب الأول: التركيز على بسط سيادة الدولة الروسية في كامل التراب الروسي فقد عمل بوتين على قمع المعارضة الشيشانية شمالي القوقاز بالقوة العسكرية و التعامل بدقة مع الجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوقياتي، فقد تدخلت عسكريا في جورجيا في نهاية سنة 2008 ، كما أيدت موسكو انتفاضة قرغستان التي أدت إلى خلع الرئيس كورمان باكييف سنة 2010 و تشكيل حكومة موالية للكرملن، و دعمت فيكتور يانوكوفيتش رئيسا لأوكرانيا لتطوي بذلك صفحة الثورة البرتقالية التي انتجت منذ 2004 حكومة موالية لواشنطن. كما تمديد عقد ايجار القاعدة الروسية في ميناء سيفاستوبول في أوكرانيا على البحر الأسود حتى 2024.
الجانب الثاني: التركيز على أهمية العامل الاقتصادي فبوتين وحكومته المدعومة من حزب روسيا الموحد، منذ توليه الحكم، عمل على التعامل بسياسات صارمة مع التركة الاقتصادية الثقيلة التى ورثها عن الرئيس يلتسين، حيث ظهرت بوادر استراتيجية جديدة تختلف فى أسسها ومبادئها عن سياسات يلتسين، وكان ذلك واضحا، حين أعلن بوتين من اليوم الأول لحكمه أن هدفه هو مضاعفة الإنتاج المحلى واستعادة هيبة الدولة والدور الروسى دوليا.
فرئيس الوزراء سيرجي إيفانوف 2008 أكد على أن : روسيا لم تعد تصدر الايديولوجيا بل ترغب بتصدير الأعمال.
يعتبر هذا التوجه الاقتصادي البحت مدخلا مهما لفهم السياسة الروسية في المنطقة على العموم.
الجانب الثالث : لقد أشارت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلى التغييرات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في أعقاب فشل استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سورية و تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة برمتها و على المستوى الدولي، هذا التراجع الذي يعرف كيف يستغله جيدا بوتن في كل المنطقة فسيد الكرملن يتحرك بمنطق تأمين النفوذ الروسي على المنطقة للحصول من الغرب على تنازلات جديدة.
خلفيات التدخل الروسي :
لا تخرج الضربات الجوية التي باشرتها روسيا عن الاستراتيجية الكبرى و العقيدة العسكرية لموسكو، فهي تغيير تكتيكي للتعامل يندرج ضمن حماية المكاسب الروسية و التأقلم مع أوضاع متسارعة تعرفها المنطقة، فلفهم خلفيات هذا التدخل وجب الانطلاق من محددات السياسة الخارجية الروسية التي أدرجناها سالفا .
أولا: الوحدة الترابية لروسيا تأتي هذه الضربات كرد فعل على تعيين داعش لـ: أبي محمد القدري واليا على القوقاز، فروسيا تتخوف من وجود تنظيم داعش في اقليم يمثل أهمية جيوسياسية للعمق الاستراتيجي الروسي فهو منفذ على البحر الأسود إضافة إلى وجود خط أنابيب السيل التركي، لذلك فروسيا أرادت أن تقوم بحرب استباقية على تنظيم الدولة الاسلامية و هذا بتوفر وجود التهديد الصريح المباشر الذي يتجلى في اعلان داعش عن ولاية لها في القوقاز و وجود احترام لسيادة الدول بناءا على أن التدخل تم بعد طلب الدولة السورية عكس ضربات قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: الجانب الاقتصادي الذي يتجلى في اعلان روسيا عن محاولة تجسيد الاتحاد الأوراسي و تعتبر هذه الضربات فرصة لتعزيز علاقات روسيا بدول اسيا الوسطى( أوزبكستان كازاخستان طاجيكستان قيرغيزستان تركمنستان ) و جنوب القوقاز ( أذربيجان جورجيا أرمينيا ) فهاته الدول تعاني من الجماعات الارهابية، فبوتين يريد أن يوصل رسالة لهذه الدول أن التدخل الروسي في سورية سيشكل حائطا للصد ضد الفكر الداعشي الذي بدأ يغزو هاته الدول.
ثالثا: الدور الاقليمي تسعى روسيا الاتحادية بأمجاد الاتحاد السوفياتي إلى لعب دور مهم في المنطقة التي فمعركة النفوذ و المصالح لروسيا فهي تعلم أن منطقة الشرق الأوسط مهمة لأمريكا فهي مسرح لنفوذ الهيمنة لذلك تتمسك روسيا بلعب دور مؤثر لأن سورية مدخل مهم لعودة الاتحاد الروسي إلى الواجهة.
مستقبل الضربات على الأزمة السورية:
حسب استطلاع للرأي أجرته ” ديلي إكسبرس” حول تأييد البريطانيين للضربات الجوية التي تقوم بها روسيا في سورية فقد جاءت النتيجة بأن 70% يؤيدون هاته الضربات و قد أجري هذا الاستطلاع على 27 ألف بريطاني، في حين شككت كل من فرنسا و الولايات المتحدة الامريكية و السعودية في استهداف روسيا لمواقع تنظيم الدولة، بينما رحبت مصر بهذه الضربات، و تأتي هذه الضربات لتبين الفشل الامريكي في المنطقة كما يقول بريجنسكي : « التدخل العسكري الروسي يسهم في تسليط الضوء على العجز السياسي الاميركي، وبالتالي مستقبل المنطقة وصدقية الاميركيين في أوساط دول الشرق الاوسط ووضعها على المحك».
في الأخير ، أعتقد أن استراتيجية اللاحرب و اللاسلم التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية في سورية لن تساعد أحد، و لن تؤدي إلى حل الأزمة السورية فأوباما يعتقد أنه بالامكان الثقة في حلفاء الولايات المتحدة الامريكية للخروج بتسوية، لكن روسيا الاتحادية أصبحت منفتحة أكثر على العالم ليس لطموح اقتصادي سياسي بحت بل لأن موسكو أصبحت تنتهج سياسة فاعلة في مختلف الأزمات الإقليمية سورية خصوصا هذا من جهة و من جهة أخرى فهي –روسيا- التي تمتلك الجرأة الاستراتيجية تريد التموقع في عالم مابعد الاتفاق النووي الايراني.
التعليقات مغلقة.