مدارات عربية – الخميس 14/ أيار ( مايو ) / 2020 م …
في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الإقتلاعي في فلسطين، الذي تعود بداياته العملية الى نحو قرن وستين عاما(المؤتمر الاوروبي في لندن 1840) والذي انتج عمليا نكبات متلاحقة ألمت بالشعب الفلسطيني، واصبحت تشكل تراكميا عبر هذا الزمن، ما يمكن ان نطلق عليه “الهولوكوست الفلسطيني المفتوح”، انطلقت كذلك مسيرة طويلة من النضال والكفاح والصمود والبقاء الفلسطيني المفتوح، لتشهد فلسطين مراحل ومحطات واحداث ملحمية اسطورية عز نظيرها في التاريخ البشري، لتبلغ في هذه الآونة ذروة الصراع والصدام مع المشروع الصهيوني، وبلا مبالغة فنحن نتحدث عن موسوعة المقاومة و النضال والصمود والبقاء الفلسطيني، لا بل يمكننا القول انه اصبحت هناك في كل بيت وفي كل عائلة فلسطينية لوحات وقصص وحكايات ملحمية في النضال والتضحيات اليومية في مواجهة جيش ومستعمري الاحتلال.
لقد أدرك الشعب العربي الفلسطيني مبكرا جدا خطر الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ أن اتخذت شكلاً منظماً في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فانطلقت مسيرة المقاومة الفلسطينية بكافة اشكالها، مع بدايات الغزو البشري الصهيوني الاستيطاني لفلسطين، ولم تهدأ يوما أبدا منذ ذلك الوقت، ولكنها كانت في حالة مد وجزر بفعل الاحوال والموازين والامكانات وتأثيرات المحيط العربي والاقليمي والدولي، وتنوعت المقاومة لتشمل العمل السياسي والعسكري والثورات والانتفاضات والهبات والاعتصامات والمظاهرات في مواجهة تحالف الاستعمار البريطاني والغزو الصهيوني، وما تزال مسيرة المقاومة والنضال الفلسطيني مستمرة بأشكالها المتنوعة حتى اللحظة الراهنة.
وفي التوثيق فان بدايات اليقظة والمقاومة الفلسطينية للوجود الصهيوني تعود على وجه التحديد الى عام 1878 حينما اقامت الحركة الصهيونية مستعمرتها الاولى “بيتح تكفا” على انقاض قرية الملبس الفلسطينية، فانتفض اهالي القرية ضد الغزو الاستيطاني، وبعدها باربع سنوات فقط، أي في عام 1882اقدمت الحركة الصهيونية على اقامة ثلاث مستعمرات اخرى هي:
-“ريشون لتصيون” على اراضي قرية عيون قارة.
-“روش بينا” على اراضي قرية الجاعونة.
-“زخرون يعقوب” على اراضي قرية زمارين.
وفي عام 1891، قدم عدد كبير من وجهاء القدس مذكرة احتجاج إلى الباب العالي في الأستانة يطالبونه بالتدخل لمنع الهجرة اليهودية وتحريم امتلاك اليهود للأراضي الفلسطينية، وفي العام التالي لاحظ أهالي قرية الخضيرة وملبس “بتاح تكفا” تنامي عدد المستوطنات اليهودية في أراضيهم، فقاموا بهجوم مسلح عليها أسفر عن سقوط قتلى من الطرفين، وفي الفترة نفسها ظهرت كتابات يهودية في الصحف الأوروبية تحذر من ثورة عربية وشيكة بسبب عمليات الهجرة اليهودية التي بدأ العرب يلتفتون إليها.
ولم تقتصر الأطماع الصهيونية على فلسطين وحدها آنذاك، بل امتدت إلى شرق الأردن كذلك، ويعتبر الهجوم الذي شنه الأهالي هناك عام 1898 على مستوطنة أقيمت في منطقة جرش أول عمل عسكري في الاردن ضد الوجود الصهيوني.
*اشكال وادوات النضال والكفاح الفلسطيني
وفي السجل النضالي الكفاحي للشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ، استخدم الشعب الفلسطيني كل اشكال وادوات النضال والكفاح المتاحة بين يديه وهي:
اولا: النضال المسلح- منظمات وفصائل وكتائب والوية وفرق كان شعارها: دم –حديد-نار- وتحرير كامل فلسطين من البحر الى النهر.
ثانيا: النضال الشعبي-اعتصامات -مسيرات -مظاهرات – وصدامات-ومقاطعات اقتصادية.
ثالثا: النضال السياسي –مؤتمرات عربية وغربية – وعرائض احتجاجية، ونشاطات وفعاليات سياسية هدفها ايصال الرأي والموقف الفلسطيني الى الرأي العام الدولي .
رابعا: الاعلام- وشهد عام 1900 حملة ضخمة لجمع التوقيعات على عرائض تمنع بيع الأراضي للمهاجرين اليهود. ونشطت وسائل الإعلام العربية في هذه التوعية، فكانت لكتابات الشيخ رشيد رضا ( 1865-1935) على صفحات جريدة المنار اثرا كبيرا، ومن الصحف العربية التي نبهت ايضا إلى الخطر الصهيوني جريدة الكرمل في حيفا سنة 1909 وشن صاحبها نجيب نصار حملة شعواء على الصهيونية”، وكذلك جريدة فلسطين التي نشر صاحبها عيسى داود العيسى سلسلة مقالات اسهمت في زيادة الوعي الوطني الفلسطيني حول اخطار الهجرة الصهيونية.
*مراحل النضال والكفاح الفلسطيني:
كما خاض الشعب الفلسطيني مراحل من النضال الشامل التي يمكن توزيعها زمانيا وتكثيفها بالعناوين التالية:
*الاولى 1878- 1917، وتميزت ببدايات الوعي واليقظة العربية لخطورة الهجرة والاستيطان الصهيوني، وشهدت العديد من الصدامات ما بين المزارعين الفلاحين العرب والمستوطنين اليهود.
*الثانية: 1917-1948، أي منذ اطلاق “وعد بلفور، وشهدت هذه المرحلة اوسع واشد الحراكات والثورات والانتفاضات والمسيرات والمظاهرات الفلسطينية، في التصدي لاكبر واخطر هجمة صهيونية بريطانية على فلسطين، فكانت هناك ثورة العشرين التي عمت كافة المدن الفلسطينية، ثم جاءت المرحلة من 1929ـ 1934: وهي مرحلة النهوض الشعبي للحركة الفلسطينية، حيث شاركت قطاعات وفئات شعبية واسعة في النشاط السياسي الوطني من العمال والفلاحين والطلاب والمثقفين والطبقة الوسطى، وهي مرحلة الصدام المباشر مع بريطانيا وأسباب ذلك : القمع البريطاني لثورة 1929 “البراق” وتجاهل بريطانيا توصيات لجنة شو وسيون وازدياد قوة الحركة الصهيونية وتزايد الهجرة اليهودية الجماعية.
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة ثورة 1936ـ1939: وهي سلسلة من اعمال المسلحة لمقاومة الانتداب البريطاني المساند والمؤيد للهجرة اليهودية وإضرابات عامة ومظاهرات شعبية.
ثم مرحلة الحرب العالمية الثانية والأربعينات: وكان النشاط الحزبي سيئاً وضعيفا إذ ساعدت ظروف الحرب على إضعاف الأحزاب وإخماد الثورات.
ثم اخيرا مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية: أعلنت بريطانيا أنها ستنسحب نهائياً من فلسطين بتاريخ 15/5/1948، وأدى ذلك إلى نشوب الإصطدامات بين العرب واليهود وتم تشكيل قوات باسم الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني.
*الثالثة:1948-1967، وكان الشعب الفلسطيني ومعه الامة العربية في البدايات في ذروة الصدمة والذهول، ثم سرعان ما جاءت ثورة 23 يوليو التي احيت الآمال الفلسطينية والعربية في المقاومة والتحرير، وشهدت هذه المرحلة كما هو معروف انطلاقة الرصاصة الاولى والثورة الفلسطينية.
*الرابعة:1967- الانتفاضة الاولى 1987-1993، وتميزت بالمقاومة المسلحة في الداخل والخارج الفلسطيني، وكانت منظمة التحرير والفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة هي التي تقود المقاومة المسلحة ضد الاحتلال .
*الخامسة:1993-انتفاضة الاقصى 2000، وهي مرحلة الانتفاضة الكبرى الاولى التي اعادت القضية الفلسطينية الى قمة الاجندات الدولية، واقتحمت كل بيت على وجه الكرة الارضية، ولكنها ساهمت في ولادة اتفاقية اوسلو السياسية.
*السادسة: انتفاضة الاقصى/ 2000- 2013، وهي وفق المعطيات الفلسطينية اسوأ المراحل الفلسطينية، حيث بدأت بانتفاضة الاقصى التي حملت عناوين تحرير القدس والاستقلال، وآلت الى مفاوضات سياسية عقيمة وظفتها دولة الاحتلال كمظلة لها في تعميق وتكريس الاستيطان والتهويد، وتميزت هذه المرحلة بالمواجهة العسكرية غير المتناددة وبالعمليات الاستشهادية، وبالمقاومة المسلحة، غير ان ابرز عناوينها الراهنة “المقاومة الشعبية على امتداد مساحة الضفة الغربية، فأشارت احدث الوثائق والاعترافات الاسرائيلية يوم امس الجمعة-2013-10-4- مثلا الى “تعاظم مقلق في عمليات المقاومة الشعبية في الضفة الغربية”، وأشارت معطيات نشرها جهاز الأمن العام الاسرائيلي ” الشاباك”، اول امس الخميس، الى ارتفاع في العمليات الفلسطينية ضد اسرائيليين خلال شهر ايلول المنصرم، وأفادت هذه المعطيات، أن عدد العمليات بلغ خلال الشهر الماضي 133عملية مقابل 89 عملية في شهر اب، وان الارتفاع الرئيسي سجلته الضفة الغربية من 68 عملية خلال شهر اب الى 104 عمليات خلال شهر ايلول، وهناك أرقام مشابهة سجلت في القدس، التي لا تحتسب على الضفة الغربية في العرف الاسرائيلي، حيث وقعت 25 عملية في شهر ايلول مقابل 24 عملية في شهر اب، ويشار ان جنديين اسرائيليين قتلا خلال الشهر الماضي في كل من الخليل وفي قلقيلية.
*السابعة: انتفاضة القدس 2013-2020: فجر الشعب الفلسطيني خلال هذه السنوات ما عرف بانتفاضة القدس أو انتفاضة السكاكين، وكذلك كانت هبة البوابات الالكترونية في القدس والتي حقق فيها اهل القدس انتصارا كبيرا على نتنياهو والاحتلال واجبروهم على التراجع عن قرار إقامة البوابات الالكترونية على ابواب الحرم القدسي الشريف.
غير ان هذه المرحلة تعتبر في تاريخ القضية الفلسطينية من اصعب وأسوأ المراحل، وذلك بسبب الاحوال العربية التي تشهد دمارا وخرابا وانهيارا لا مثيل له في التاريخ العربي، بسبب الحروب والنزاعات الطائفية والمذهبية والاثنية التي مزقت وتمزق الدول والاوطان والمجتمعات العربية.
لنتوقف في الخلاصة الاستراتيجية لنوثق: اننا امام صراع وجودي جذري استراتيجي منذ بداياته الاولى، لا سبيل للتعايش او التسوية السياسية فيه، وسيبقى هذا الصراع مفتوحا على اوسع نطاق، الى ان يحل يوم الدين، يوم التحرير والعودة والخلاص.
التعليقات مغلقة.