تأثيرات جانبية لكوفيد 19 / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 22 / أيار ( مايو ) / 2020 م …
أدّى انتشار وباء “كوفيد 19″، والتوقّف المفاجئ لجزء من الإنتاج وانخفاض الطلب، في العديد من مناطق العالم، إلى التّخلِّي عن التّوقعات السابقة بشأن الإقتصاد العالمي والإقليمي والمَحَلِّي، وبشأن النّمُو، وأَحْدَثَ تغييرات جَوْهَرِيّة في حياتنا اليومية والمشاركة في التجمعات والحفلات والمباريات الرياضية، وفي العادات والعلاقات الإجتماعية، وعلاقات العَمَل، وعلاقة المواطن (أو الرّعِيّة) بالسّلُطات السياسية الحاكمة، وسوف تكون التأثيرات ذات أَبْعاد مجتمعية واقتصادية وسياسية وشخصية، وتُظْهِر جملة من المُؤَشِّرات أن الآتي أَعْظَم، حيث يُتَوَقّعُ زيادة دُيُون الأفراد والأُسَر، وارتفاع نِسَب البطالة والفَقْر، وانتشار الوشاية، وتَعْميم الرقابة الإلكترونية، والقمع ( بواسطة فِرَق الشُّرْطة والجيش)، بالتوازي مع التغييرات الهيكلية للإقتصاد، وإعادة تشكيل القطاع المالي (المصارف والتأمينات وصناديق التّحَوّط…)، ورغم ادّعاء الطبقات الحاكمة أن هذه المظاهر السلبية (زيادة القَمْع وتراجع مستوى العيش) مُؤقّتَة، فإن التاريخ أثبت أن تخلِّي الحكومات عن هذه الإجراءات السّلبيّة لا يمكن أن يحصُل بدون صُمود ومُقاومة ونضالات…
أشارت وكالة “بلومبرغ” ( التابعة للمجموعة المالية التي أسّسها ويمتلكها الملياردير “مايكل بلومبرغ”، رئيس بلدية نيويورك الأسبق)، يوم الإربعاء 13 أيار/مايو 2020، أن توقف النّشاط الإقتصادي، سوف يُؤدّي إلى أَكْبَر انكماشٍ، منذ أزمة 1929، ويُطالب الأثرياء بما يُدعون أنها “مُرُونة”، وتفسيرها أن تتحمّل الدّولة ديون شركاتهم، وهم عادةً يُعارضون تدخّل الدولة، لكنهم يُرحبون بقرارات، نفس هذه الدّولة، عندما تُقرر إعفاءَهم من الضرائب، وإقراضهم بدون فائض، ليحتكروا الربح لوحدهم، فيما نتحمل نحن خَسائرَهُم ودُيُونَهم، ونتائج تلاعبهم بدفاتر الحسابات.
يُتوقع أن تُصبح القرارات القَمْعية، ومجمل التغييرات في علاقات العمل، طويلة الأمد، مع يُؤَدِّي إلى ازدهار قطاعات الإلكترونيات والإتصالات والأمن ومُتابعة ومُراقبة المُواطنين، عبر الهاتف المحمول والحاسوب، للعمل عن بعد والتّعليم عن بُعد، والتّسَوُّق عن بُعْد، وتنظيم المعاملات التجارية والمَصْرفية والإدارية، عبر الشبكة الإلكترونية، وتضخيم قاعدة البيانات الشخصية، واستخدامها من أجل أغراض دعائية وتجارية وسياسية، بدون علم وموافقة المواطنين، ونَقَلت وكالة “رويترز ( الثلاثاء 12 أيار/مايو 2020) عن المدير التنفيذي في المصرف الاستثماري “مورغان ستانلي”، قوله “إن تجربة العَمل عن بُعد كانت إيجابية، وسوف تشهد الفترة المُقبلة تغييراً في طريقة العمل، حيث سيعْمل الكثيرون من المنزل…”
على مُستوى الدّول، يتوقع مصرف “بنك أوف امريكا” أن تشهد العديد من البلدان أكبر عملية استنزاف لاحتياطياتها من النقد الأجنبي، في ظل السعي لدعم الاقتصاد من تداعيات “كوفيد 19″، مُعتمدًا على ما أعلنت الحكومات إنفاقَهُ لحد تاريخ نَشْر التقرير (13 أيار/مايو 2020)، وأفاد المصرف بأن الاقتصادات الناشئة الرئيسية استهلكت، خلال شَهْرَي آذار/مارس ونيسان/ابريل 2020، حوالي 240 مليار دولار من احتياطياتها من النقد الأجنبي، ويتوقّع أن يتواصل استنزاف الاحتياطيات التي انخفض حجمها في العديد من البلدان مثل الصين، وتركيا والبرازيل والسعودية والجزائر، وغيرها…
في الولايات المتحدة:
ارتفع عدد الإصابات بفيروس “كورونا” في الولايات المتحدة إلى 1410168 حالة، وعدد حالات الوفاة إلى 83491 حالة، بحسب برقية لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب 12 أيار/مايو 2020)، وتصدرت مدينة “نيويورك” قائمة المدن بعدد حالات الإصابة والوفيات…
لا يهتم رئيس الاحتياطي الفدرالي (المصرف المركزي الأميركي)، ولا الرئيس “دونالد ترامب”، كثيرًا بعدد المُصابين أو الضحايا، بل يتَخَوّفان من “الآثار الوخيمة لفترة ركود طويلة، وما قد يَنْتُجُ عنها من أضرار اقتصادية…”، وكان “الكونغرس” قد أقَرَّ تخصيص مبلغ بقيمة 2,9 تريليون دولارا، أو ما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي “لدعم الأسر والمؤسسات ومقدمي الرعاية الصحية والولايات والبلديات المحلية…”، لكن النسبة الأكبر من المبلغ مُوجّهة للمصارف والشركات الكُبْرى، وخَفّضَ الإحتياطي الفيدرالي معدّل الفائدة على قُروض المصارف والشركات الكُبْرى، إلى الصفر تقريباً، مع تسهيلات قواعد الإقراض المصرفي، أما في جبهة العاملين، فأُضيف حوالي 25 مليون عامل إلى قائمة المُعَطَّلِين عن العمل، بين شهري آذار ونيسان 2020، وبذلك ارتفعت نسبة البطالة (للمُسجّلين المُعْتَرف بهم) إلى 14,7% من القادرين على العمل (قُوّة العمل)…
تُحاول حكومة الولايات المتحدة إلقاء مسؤولية وضعها المُتردّي على غيرها من المُنافسين والخُصُوم (وتعتبرهم أمريكا “أعداء” )، وخاصة الصّين، بشأن ارتفاع عدد حالات الإصابات والوفيات، في الولايات المتحدة، بوباء “كوفيد 19″، وأصدر مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي”، ووزارة الأمن القومي، بيانًا يوم الإربعاء 13 أيار/مايو 2020، يَتّهِم الصين بقَرْصَنَة البحوث العلمية والطّبِّيّة الأمريكية، المُتعلّقة بالرعاية الصحية، وبالعلاجات واللقاحات لفيروس “كورونا”، ما اعتبره “دونالد ترامب” سرقة للملكية الفكْرِيّة بقيمة مليارات الدّولارات، بحسب موقع صحيفة “وول ستريت جورنال” (الإربعاء 13 أيار/مايو 2020)، التي أضافت “قراصنة إيرانيين” إلى الصينيين !
في اليمن:
دَمّرت السعودية والإمارات (نيابة عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي) البُنية التّحتية، والمدارس ومراكز الرعاية الصحية والمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية وشبكات الصرف الصحي، وتستخدم الحصار وحَظْر دخول الغذاء والدّواء، والتجويع كإحدى وسائل الحرب، وفرضت الولايات المتحدة على منظمة الأمم المتحدة، وقف المساعدات الانسانية والغذائية المقدّمة إلى شمال اليمن بذريعة “تدخّل حكومة صنعاء في هذه المساعدات”، بحسب وكالة “رويترز ( الأحد 10 أيار/مايو 2020 )، وأعلنت منظمة الصحة العالمية إلى تعليق أنشطة موظفيها في المناطق الخاضعة لسلطة حكومة صنعاء، بذريعة “غياب الشفافية”، قبل أن تتراجع، لكن “صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للسكّان”، أعلن (يوم الإربعاء 13 أيار/مايو 2020) احتمال إغلاق نسبة 90% من مراكز الخدمات الصحية ومتابعة النساء والأطفال، رغم ارتفاع عدد النازحين، والغياب شبه التام للرعاية الصحية في المناطق الريفية، بسبب نقص الموارد المالية، بنهاية الربع الثاني من سنة 2020، بحسب الأمم المتحدة، التي تعتبر أن اليمن يُعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم بسبب العدوان السعودي (نيابة عن أمريكا) منذ العام 2015، وارتفاع عدد النازحين، ويعتمد نحو 80% من السكّان، أو 24 مليون نسمة، على المساعدات، ويواجه 10 ملايين شخص خطر المجاعة، بحسب بيانات الأمم المتحدة…
السعودية:
توقعت منظمة البلدان المُصدّرة للنفط “أوبك”، انخفاضًا قِيَاسِيًّا في الطلب على النفط الخام، الربع الأول والثاني من سنة 2020، وتوقّع تقرير “أوبك” أن ينخفض الطلب العالمي على النفط، من 30 مليون برميل يوميا، في المتوسط، سنة 2019، إلى حوالي 24,3 مليون برميل يوميا، سنة 2020، وترافق الإنخفاض لحد الآن مع انهيار في الأسعار وارتفاع حجم المخزونات العالمية، ما جعل حكومة آل سعود تتخذ إجراءات تقشف قاسية، وقد يَظُنُّ البعض إن هذا الإنخفاض في الطلب وفي الأسعار يُعَلِّلُ إعلان شركة نفط السعودية “أرامكو” خَفْضًا إضافِيًّا لإنتاج النفط، بحجم مليون برميل يوميا، ابتداءً من شهر حزيران/ يونيو 2020، زيادة على ما تضمّنه اتفاق “أوبك + “، بخفض الإنتاج بنحو 9,7 مليون برميل يوميا، في شهر نيسان/ابريل 2020، بالتزامن مع الرفع الجزئي للإغلاق في العديد من البلدان، وسرعان ما اتخذ شيوخ النفط الآخرون قرارات مماثلة بخفض إنتاج الإمارات بنحو 180 ألف برميل يوميا، والكويت بنحو 800 ألف برميل يوميا…
إن هذا القرار “السعودي” (بالخفض الإضافي لإنتاج النفط) ليس قرارًا سعوديا، في واقع الأمر، بل هو قرار أمريكي، يهدف إنقاذ شركات إنتاج وتسويق النفط الصخري الأمريكي، التي تضرّرت كثيرًا من الإنخفاض التاريخي للأسعار، والذي لا يُغَطِّي تكاليف استخراج النفط الصخري، رغم تطور تقنيات تَفْتِيت الصخور، ويأتي القرار السعودي إثر ضغط من الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، الذي يُواصل سياسة الإبتزاز العَلَنِي، ومُطالبة آل سعود بمزيد من الأموال، مُقابل حماية عرشهم، وعُرُوش حُكّام الخليج الآخرين، ليس من الكيان الصهيوني، الذي أصبح حليف شيوخ النفط (صهاينة العرب)، بل من إيران، التي أصبحت العدو الرئيسي لآل سعود…
نشرت الولايات المتحدة منظومة “باتريوت” في العراق، لتزيد من الضُّغُوط على إيران، وتجلّت حقيقة التهديد بتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، باندراجها في إطار المزيد من الابتزاز للسعودية، وبَرَعَ الرئيس الأمريكي الملياردير، “دونالد ترامب”، في فنون الإبتزاز، التي ينتهجها مع شيوخ نفط الخليج، وخاصة مع آل سعود، حيث أكَّدَ، يوم الثلاثاء 12 أيار/مايو 2020، صحة ما نُشِرَ بشأن “تخفيف الوجود العسكري في الخليج”، بعبارات مفادُها: “لا يمكننا حماية دول غنية، مقابل لا شيء… لقد وافقت السعودية على تحمل بعض النفقات الإضافية”، إضافة إلى ما كانت تُسدّدُهُ لعنوان “تحمُّل نفقات القواعد والبوارج العسكرية الأمريكية”، وتوجد حول مواقع حقول نفط شركة “أرامكو” السعودية، ما لا يقل عن ست بطاريات “باتريوت”، مع طواقمها (حوالي ثمانمائة جندي)، والعديد من أسْراب الطائرات، في قواعد عديدة، منها الدّمام والظّهْران، والبوارج البحرية في البحر الأحمر وخليج وبحر العرب، كما وافقت السعودية على خفض إنتاج النفط، لتجَنُّبِ إفلاس الشركات الأمريكية لإنتاج النّفط الصّخْرِي، التي لا تتحمل انهيار الأسعار، بسبب ارتفاع تكلفة استخراج النفط، عبر تفتيت الصُّخور، بحسب موقع وكالة “أسوشيتد برس”، وموقع صحيفة “وول ستريت جورنال”…
جاء هذا الشّوط الجديد من الإبتزاز الأمريكي في ظل أزمة الإقتصاد السعودي، التي بدأت قبل “كورونا”، وتفاقمت مع انتشار الفيروس، ومع انخفاض الطلب على النفط، ما أغْرَق الأسواق، فانهار سعر البرميل، بنسبة 65,6% خلال الربع الأول من سنة 2020، ما جعل الأرباح الصافية لشركة “أرامكو” للنفط تتراجع بنسبة 25% من 22,2 مليار دولارا، خلال الربع الأول من سنة 2019، إلى 16,66 مليار دولارأ، خلال الربع الأول من سنة 2020، رغم التكلفة المنخفضة لإنتاج النفط السعودي (2,8 دولارا للبرميل، في المتوسط)، فتعثّرت عملية بيع 1,5% من أسهم الشركة، التي انخفضت تقديرات قيمتها من تريليونَيْ دولار، إلى 1,6 تريليون دولار، وتَدهْوَر الإقتصاد السعودي إلى درجة لم يعهدها، منذ أكثر من عقْدَيْن، وأعلنت الحكومة السعودية أكبر إجراءات تقشّفية في تاريخها، وخفضت من الإنفاق الحكومي، ما ألحق أضرارًا فادحة بالموظفين السعوديين وأُسَرِهِم، مع ارتفاع حجم الدّيْن حيث يُتوقع أن تقترض الحكومة ما لا يقل عن 58 مليار دولارا، ومع عجز الميزانية بنحو تسعة مليارات دولارا، خلال الربع الأول من سنة 2020، في ظل انخفاض إيرادات الدولة، بحسب وكالة “بلومبرغ، وتراجع نسبة النّمو، وانخفاض احتياطي العُملة الأجنبية، وإلى جانب الإقتراض، يتوقع أن تسحب الحكومة حوالي 32 مليار دولارا من الإحتياطيات الأجنبية، لأن تحقيق توازن الميزانية يتطلب أن تبيع السعودية نفطها ب76 دولارا للبرميل، بحسب موقع صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلاً عن تقديرات صندوق النقد الدّولي…
الرياضة:
أصابت الأزمة معظم القطاعات، وأصابت أيضًا قطاع الرياضة، بسبب توقف النشاط الرياضي، توقفت معه إيرادات الإعلانات، وحقوق البث التلفزيوني، و”الرعاية” والمباريات والتظاهرات الرياضية، وأوردت برقية لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب 13 أيار/مايو 2020) أن هذه الأزمة هي أسوأ مرحلة تعيشها كرة القدم العالمية منذ حوالى قرن، بسبب التوقف التام لنشاط الدّوري في أوروبا (مهد كرة القدم) والعالم، وأدّى تجميد النشاط إلى تحمّل النوادي واتحادات الكرة خسائر كبيرة، وقد يتهدّد الإفلاس بعض الأندية، وقدّرت صحيفة “ديلي ستار” البريطانية خسائر كرة القدم الأوروبية بأكثر من 4,1 مليارات يورو، وانخفاض “قيمة اللاعبين” في السوق الأوروبيّة بقرابة ثلاثة مليارات يورو…
التعليقات مغلقة.