المشروع الصهيوني والهاشميون.. ما اشبه اليوم بالأمس / د. عبد الحيّ زلوم
مشاركة
د. عبد الحي زلوم* ( الأردن ) – الأحد 24 / أيار ( مايو ) / 2020 م …
كنت اود ان اتطرق في هذا المقال الى اربعة محاور لكن المساحة المتاحة لا تسمع لذلك فأخصص مقال اليوم للمحور الاول . اما المحاور الاربعة فهي :
ـ المحور الأول: أن الشريف الحسين بن علي لم يكن خائنا للخلافة الإسلامية ودولتها كما يدعي كارهوه، كما انه لم يكن ولم يرد ان يقود ثورة قومية علمانية بل أراد دولة خلافة عربية إسلامية بعد انقلاب يهود الدنما على السلطان عبد الحميد سنة 1908.
ـ المحور الثاني: هو ان هناك مركز قيادة وسيطرة عالمي شديد السرية وهو الذي يدير امبراطوريات العصور البريطانية سابقا والأمريكية لاحقا وان هذه الامبراطوريات غدرت بجميع الملوك الهاشميين بدءا من الشريف الحسين بن علي وحتى اليوم .
ـ والمحور الثالث: هو ان هذا المركز شديد العداء للإسلام واكتفي هنا باقتباس ما كتبه صامويل هانتنغتون في كتابه صراع الحضارات :” من الخطأ القول بأن الأصولية الإسلامية هي المشكلة الكبرى التي تواجه الغرب بل إنه الإسلام ككل…”.
ـ والمحور الرابع: هو ان الاردن ونظامه مستهدفان وان للأردن خيارات يستطيع ان تغير كل فرضيات اعداءه ومؤامراتهم .
خطط الاستعمار الغربي بإمبراطورياته المختلفة لتفكيك دولة الخلافة العثمانية التي وصلت إلى اسوار فينا ووسعت رقعتها لتشمل حوالي 70% من شواطئ البحر الأبيض المتوسط من الأدرياتيك وإلى مضيق جبل طارق. منذ مطلع القرن التاسع عشر بدأ الغربيون الاستعماريون باحتلال أطراف الدولة العثمانية في شمال إفريقيا والمساعدة على الثورات في شرق أوروبا والغزو الثقافي المكثف في قلب الدولة في آسيا. ولما جاء سلطان مصلح هو السلطان عبد الحميد انقلب عليه حزب الإتحاد والترقي يقوده كما كتبها السفير البريطاني في اسطنبول لوثر إلى وزارة الخارجية البريطانية “شبكة يهودية ماسونية ” لها فروعها في كل ارجاء الدولة. كان جميع القادة الكبار من الانقلابيين بما فيهم كمال اتاترك من الماسون ويهود الدونما من سالونيكا .
لم يكن بالطبع شريف مكة راضيا عن هذه الأوضاع الاستفزازية المقصود منها اثارة الفتن وتفتيت الدولة العثمانية . في رسائل الشريف مع ماكماهون في القاهرة اوضح الشريف ان هدفه هو انشاء خلافة اسلامية عربية فوعدوه خيرا فصدقهم بسذاجة غير الضالعين بألاعيب الامبراطوريات ولا اخلاقياتها.
اما ان العامل القومي فلم يكن المحرك الفعلي للثورة العربية، فهو امر تطرق له كثير من المؤرخين منهم مايكل أورين بالقول:” بينما نجح البريطانيون في إشعال فتيل الثورة العربية ضد تركيا وحشد العديد من القوميين لهذه القضية، فإن الثورة من الناحية الفعلية جاءت حصيلة الرغبة في إحياء الخلافة العربية المستقلة أكثر منها نتيجة لدوافع قومية ضد الأتراك المؤيدين للغرب . كان قائد الثورة العربية الكبرى، الشريف الحسين، على قناعة بأن الإسلام وحده القادر على توحيد العرب وليس تحت لواء ثقافي أو عنصري قومي”.
قبيل إعلان الشريف ثورته سنة 1916 , قام الجاسوس البريطاني لورنس بمقابلة ابناء الشريف الأمراء عبد الله وعلي وفيصل. كتب في مذكراته انه وجد علي غير متحمس لفكرة الثورة و ان عبد الله كان له من الذكاء والطموح اكثر من المطلوب، ووجد طلبه في فيصل كونه مطيعاً “سيسهل” التعامل معه.
بعد انتهاء الحرب طالب البريطانيون الشريف ان يقبل بوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو فرفض. كان الإنجليز قد طلبوا من الامير فيصل السفر إلى لندن وطلبوا منه التوقيع على قبول وعد بلفور ليكون جزء في معاهدة فرساي للسلام، فلما سأل والده رفض ولكن بعد ضغوطات شديدة وقع (بتحفظ ) ولم يعترف والده بتوقيعه. وبالمناسبة جاء في كتاب (The Arab Awakening) ان الامير فيصل في إحدى جولاته قبل بدء الحرب تم تكريسه في (احدى )المحافل السرية في مزرعة آل البكري بضواحي دمشق . طالب الشريف حسين الانكليز بتنفيذ تعهداتهم بإعطائه البلاد الممتدة من مصر وحتى بلاد فارس. فطلبوا منه أن يكتفي الآن بالحجاز فقط . بعدها طُلب منه ثانية أن يقبل استثناء ساحل الشاطئ السوري والكويت وعدن من ممتلكاته المستقبلية فرفض . بعد اعادة ترسيم حدود المنطقة العربية في المشرق في المعاهدة البريطانية الفرنسية
(Treaty Of Sevres) طلبوا من الشريف الموافقة على بنود تلك المعاهدة فرفض مطالبا الإنجليز بالوفاء بتعهداتهم . عرضوا عليه توقيع معاهدة بريطانيا هاشمية سنوات 1921 ,1923,1924.
مع كل طلب وكل رفض كان الانجليز يقومون بتخفيض المساعدات للضغط عليه .
ما بين مايو 1916 وحتى مارس 1919 كانت المساعدة البريطانية 200000 جنيه استرليني شهريا كان مجموعها 6.5 مليون جنيه. تم في ايار/مايو 1919 تخفيضها الى 100000، ثم تخفيضها الى 75000 في اكتوبر ثم الى50000 في نوفمبر ثم الى 25000 في ديسمبر حتى شهر فبراير 1920 حيت تم قطع المساعدات بالكامل ومع ذلك لم يرضخ وبقي مطالبا بخلافة عربية اسلامية على دول المشرق العربي . بعد خمسة ايام فقط من توقيع المعاهدة البريطانية الفرنسية بتاريخ 10 اغسطس 1920، طلبوا منه الموافقة عليها مقابل اعادة المساعدة بمقدار 35000 جنيه استرليني شهريا فرفض . وطالب الانجليز بالوفاء بالتزاماتهم
. فأوعزوا الى سلطان نجد بن سعود بغزو واحتلال الحجاز وطرد الشريف منها .
حتى وفاته رحمه الله بقي الشريف حسين مخلصا للخلافة الاسلامية حيث انه قام بإعلان نفسه خليفة سنة 1924 بعد يومين فقط من اعلان كمال اتاترك الغاء الخلافة . بعد طرده من الحجاز ولجوءه الى امارة ابنه عبدالله في شرق الاردن تم ترحيله من عمان الى العقبة ونفاه الانجليز الى قبرص حيث بقي فيها الى ان اشتد عليه مرضه فتوفي في عمان ودفن في المسجد الاقصى في القدس . رحمه الله .
هذا الرجل لم يكن للإيجار مما يستحضرني قول رئيس المخابرات المركزية الأمريكية إلين دلاس أن الرئيس العربي الفلاني يعرض 120% من نفسه للبيع.
عندما قرر مؤتمر وزارة المستعمرات البريطانية المنعقد في فندق سميراميس بالقاهرة بقيادة وينستون تشيرشل إنشاء إمارة في شرق الاردن تم ارسال لورنس إلى الأمير عبد الله حيث كان مرابطا بالقرب من مدينة معان وأخبره بإمكانية أن يصبح اميرا على الإمارة الجديدة بشرط مقابلة وينستون تشيرشل في القدس بعد مقابلة المندوب السامي البريطاني في فلسطين،وحذره بان المندوب السامي يهودي صهيوني بل هو الذي كتب نص وعد بلفور. بعد مقابلة المندب السامي قابل الامير عبدالله وينستون تشرشل وتم تعيينه اميرا على شرق الأردن.
لعل الامير رأى أن ليس بالإمكان أفضل مما كان، او لعله رأى انه بحاجة الـي موطئ قدم يسترد منه الحجاز و سوريا التي طرد الفرنسيون الهاشميين منها .
منذ اول يوم من تسلمه الإمارة الى ما بعد وفاته رحمه الله كانت الامارة التي أصبحت مملكة اسيرة للمساعدات البريطانية، بل كانت ديمومتها معتمدة عليها. كما كان على رأس الجيش العربي الأردني رئيس اركان بريطاني وكان جميع قادة الفرق بلا استثناء من البريطانيين بل كان هذا الحال ايضا اثناء (حرب) 1948 حيث قامت جميع جيوش النظام الرسمي العربي كل حسب وظيفته بعمليات استلام وتسليم حتى تم إعلان الكيان الصهيوني. وبالرغم من ذلك قام ضباط وأفراد من تلك الجيوش بأعمال بطولية، فالجيش العربي الاردني في إحدى معاركه مع العدو وبالرغم من قلة ذخيرته اسر ارئيل شارون مع جميع جنوده،ومن لا يعرفه فهو جنرال ثغرة الدفورسوار و رئيس الوزراء الذي أعاد احتلال الضفة الغربية من السلطة الفلسطينية.
ليست هناك خيارات كثيرة لأي حاكم يعتمد على المساعدات الخارجية ويصبح اسيرا اقتصاديا ويكون قادة جيشه من دولة اجنبية هي التي جاءت بمشروع بلفور ويُتوقع من هذا البلد ان يحارب مع هؤلاء مشروعهم تماما كما لا يمكن اليوم ان تكون حليفا لدولة تمول الكيان الغاصب وتسلحه بأعتى الأسلحة وتتبنى سياساته التوسعية والعدوانية فبمثل هكذا حلفاء لا نحتاج إلى أعداء ! لكن بالرغم من ذلك نتج عن الحرب ضم 22% من فلسطين أي الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية باتفاق ورعاية بريطانية. لكن بالرغم من كل ذلك تم اغتيال الملك عبد الله الأول من فئة مرتبطة مع الانكليز .
ثم جاء الملك الشاب حسين بعد اغتيال جده وتنحية والده الملك طلال، وتم احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس في حرب الساعات الستة سنة 1967 . حدثني صديقي أطال الله في عمره عبد الله الرافعي والذي كان حاضراً في غرفة العمليات أثناء سقوط القدس بأنه بعد استلام خبر سقوطها بكى الملك حسين . وقف مرافقه صايل بن حمد الجازي احد أبناء كبار شيوخ عشائر الحويطات وصاح بأعلى صوته: اعطوا الناس السلاح… اعطوا الناس السلاح . هذه الصيحة العفوية الصادقة تلخص ما كان يجب عمله وما يجب عمله اليوم . كما أخبرني صديقي بأن أحد اخوة صايل استشهد في فلسطين و أن والده رحمه الله رفض دفنه إلا بعد أن يرسل ابنا اخر إلى الجهاد عوضا عنه في فلسطين . واتوقف هنا لاقول ان للأردن جناحين لجسم واحد هما ضفتان، هذه لنا وكذلك الاخرى وان اي حل لاحدهما لا يتم بمعزل عن الاخر،وما يجب أن يكون ركيزة اساسية لتحرير فلسطين و انعتاق الاردن من قيوده الاقتصادية والسياسية.
لم يسلم الأردن ولا فلسطين من تآمر الأشقاء الالداء أو قل إن شئت الأشقاء العملاء . ففي احد مؤتمراتهم سنة 1974 التي تُعقد عادة لتمرير مؤامراتهم قرروا ان منظمة التحرير الفلسطينية (والتي يقودها أمثال محمود عباس )هي الممثل الشرعي الوحيد عن القضية الفلسطينية ولم يسألهم احد عن أهليتهم او شرعيتهم لاتخاذ مثل هذا القرار فكان هذا هو قرار هنري كيسنجر بلسان عربي وذلك لإلغاء دور الأردن صاحب الحق الشرعي الوحيد للمطالبة باسترداد الضفة الغربية التي احتلت منه . وهو قرار ليس له أي شرعية دولية إلا أنه تم استعماله كذريعة للوصول إلى ما نحن فيه اليوم من بعد كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة. جاء الملك حسين إلى عرش مملكته ولها جناحان وتم بتر أحدهما. وبالرغم من محاولة التعايش مع الامر الواقع في السر والعلنية كان مشروع غزو شارون للبنان لاخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان للاردن لجعله وطنا بديلا للفلسطينيين وما زالت هذه المؤامرة قائمة الى يومنا هذا !
والسؤال هنا بعد ما تم تجربة الملك المؤسس وحفيده حسين مع الامر الواقع وتم غدرهما، فهل يمكن الاستمرار في قبول مثل هكذا امر واقع؟
وجاء الملك عبد الله الثاني. نكتفي بالإشارة إلى مقالي السابق في رأي اليوم الموجود في أرشيفها بعنوان “الأردن ونظامه مستهدفان”. منذ ان بدء الحلفاء والأشقاء الالداء بتجفيف المساعدات الاقتصادية لإرغامه على قبول تصفية القضية الفلسطينية على حسابه كان يجب ان لا يغيب عن البال ان هذا كان نفس الاسلوب الـذي استعملوه مع الشريف حسين بعد معارضته لوعد بلفور!
للاردن امكانيات كبيرة يستطيع ان يقلب الطاولة على اعداءه اذا احسن استعمالها . وهناك خصوصية للاردن بين الحاكم والمحكوم فأغلبية الاردنيين يعتقدون على ان قيادة الهاشميين هي مظلة جامعة وصمام امان مما يمكن من دمج طاقات النظام والشعب لاحداث تغييرات وازنة تدهش الأعداء.. وللحديث بقية.
التعليقات مغلقة.