التفاهم المرحلي ( الروسي – الأميركي ) هل بات ضرورة ملحّة / م. حيان فريد نيوف
م. حيان فريد نيوف – الإثنين 25 / أيار ( مايو ) / 2020 م …
[ بيان مشترك ونادر للرئيسين بوتين وترامب في ذكرى التقاء القوات الاميركية و السوفيتية على نهر إلبه بألمانيا في ألمانيا في 25 -5 – 1945 ..]
أكد بيان صادر عن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، في الذكرى الـ 75 للواقعة، أنها تثبت كيف أن البلدين يمكنهما العمل معاً.
وجاء في بيان نشره الكرملين والبيت الأبيض، أن ذلك “مثال على كيفية تمكن بلدينا من وضع الخلافات جانباً، وبناء الثقة والتعاون باسم هدف مشترك”.
وأضاف البيان الأمريكي الروسي: “بينما نعمل اليوم لمواجهة أهم التحديات في القرن الحادي والعشرين، فإننا نشيد ببسالة وشجاعة كل الذين قاتلوا معاً من أجل هزيمة الفاشية.. لن يُنسى عملهم
هذا البيان المشترك فاجأ الجميع ، نظرا لانه شكل سابقة هي الاولى من نوعها ، وكذلك بسبب الظروف الاستثناىية التي تمر بها القوتين العظميين ، ويمرّ بها العالم اجمع …
ففي الجانب الاميركي الذي يعاني ما يعانيه بفعل فايروس كورونا ، وانعكاساته على الاقتصاد الاميركي ، حيث من المتوقع ان تبلغ كلفة علاج المصابين ما يقارب 654 مليار دولار ، وبلغت نسبة البطالة حدا مرتقعا وصل الى 16% ، وعدد المتقدمين للحصول على معونة حوالي 25 مليونا ، ذلك وغيره مما يعانيه الاقتصاد الاميركي …
في الجانب الآخر ، فإن الروسي هو الاخر يعاني من جائحة كورونا ، ولو بنسبة اقل بكثير من الولايات المتحدة ، لكنه بالمقابل يعاني اكثر من انهيار اسعار النفط التي تركت آثارها على الاقتصاد الروسي ..
وسواء كانت هذه الظروف وغيرها هي نتيجة للصراع القائم بينهما أم لا ، فعلى ما يبدو انها ستدفع بهما الى التهدئة والتفاوض ولو مرحليا ، خاصة ان كلتا القوتين لا ترغبان بالدخول بصراع غير محسوب النتائج …
ومنذ ازمة انهيار اسعار النفط ، لاحظنا كيف ان الطرفين تواصلا بشكل مكثف وفرضا اتفاقهما النفطي على جميع اللاعبين ، وكذلك لاحظنا تبادل المساعدات الطبية الخاصة بمكافحة كورونا ..
القوى الاقليمية في المنطقة وعلى رأسها إيران وتركيا و السعودية ، استشعرت هذا الالتقاء الروسي الاميركي ، وسارعت كل منها لاستباق نتائجه التي يمكن ان تظهر لاحقا ..
فالجانب السعودي استشعر خطرا يحيط به بعد ان اصبح ضحية لملف النفط ، وبعد ان تم اخراجه من التحكم بالقرار النفطي ، فسارع لاخلاء الساحة في اليمن للجانب الاماراتي مكرها ، ولاحظنا صمته حيال سيطرة المجلس الانتقالي على حساب حكومة هادي التي يتحكم بها ..
والجانب التركي اتخذ موقفا هجوميا كوسيلة لتقوية اوراقه وتوسيع نفوذه لمنع تجاوزه في أي اتفاق بين الروس والاميركان ، ولا حظنا ذلك في ليبيا تحديدا ، كما لاحظنا زيادته لعديد قواته وعتاده في ادلب ..
والجانب الايراني كذلك كان له تحركات عديدة وملفتة ، وتحمل رسائل في عدة اتجاهات ، في مضيق هرمز ، او من خلال قمره الصناعي العسكري ، او زيارة ظريف لدمشق في ظروف استثاىية ، وغير ذلك ..
اليوم اذا سلّمنا بان الاميركي والروسي مستعدان للتفاهم المرحلي وليس النهائي ، فهذا يتطلب حلّا لملفات عالقة في المنطقة ، وعلى راسها ملف الحرب على سورية وهذا بطبيعة الحال سينعكس على القوى الاقليمية الثلاث التي تلعب دورا في هذه الملف ..
ان مفتاح الحل في سورية يتطلب خروجا للقوات الغير شرعية الموجودة على الارض السورية ( الاميركية والتركية ) ، سواء كان ذلك ضمن اطار حل سياسي او غيره ، واذا كان خروج الاميركي مطلبا روسيا سوريا ، فإن الاميركي بكل تأكيد سيطالب بخروج الايراني مع خروجه ، وهذا الأمر لن تقبله دمشق إلا إذا كانت طهران ترغب بذلك .
وبالنسبة للتركي فإن بقاءه في سورية لا سند له ، حتى الروسي الذي وقع معه اتفاق آستانه سبق ان أعلن في اكثر من مناسبة ان آتفاق آستانة غير مقدس ، وما يستند عليه التركي في وجوده فعليا هو الرغبة الاميركية في بقائه ، ومتى ما تفاهم الروسي والاميركي ، سيفقد الوجود التركي أي دعم يستند عليه …
امام ذلك يمكن القول أننا امام خيارين :
– الخيار الاول : ان تحدث مواجهة مع الايراني في سورية والمنطقة ، ينتج عنها تفاهم ، بخصوص الانسحاب الاميركي غير الشرعي والتواجد الايراني الشرعي ..
– الخيار الثاني : ان تحدث مواجهة مع التركي ينتج عنها خروجه من سورية …
والمعروف عن الايراني انه يتمتع ببراغماتية عالية ، ويهّمه ان يكون حليفه بخير ، وان يحفظ نفوذه ، اما التركي فمعروف عنه العناد والحماقة ، وربما لن يسلّم بسهولة خاصة انه سيخرج صفر اليدين ، وهذا ما سيكلفه ربما الكثير ، فمتى ما اتفق الروسي الاميركي فلا قيمة لمواقفه عمليا ، وربما تطيح به عنجهيته …
يبقى ان نقول : أن الروسي بتفاهمه مع الاميركي يرى في ذلك فرصة لتقطيع مرحلة مهمة وهو يعلم سلفا ان الاميركي قد تأذى كثيرا وربما لن يستطيع الوقوف مجددا ، او على الاقل اصابه من الضعف ما أصابه …وأن الاميركي يرى ان التفاهم سيكون فرصة له لتقطيع مرحلة صعبة يمر بها ، ولا قدرة له على المواجهة فيها ، ويحتاج الى وقت لتعويض ما أصابه ، او على الأقل إيقاف او تخفيف خسائره الكبيرة التي لا زالت تلحق به سياسيا واقتصاديا ، وبعد ان استشعر خطرا داخليا ….
التعليقات مغلقة.