الكيان لا يشكل “مجتمعا” ! / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الثلاثاء 20/10/2015 م …

 عندما يطلقون كلمة “مجتمع” على قطعان المستوطنين, قدمائهم  وحدثائهم  في الكيان الصهيوني ,يخطؤون! لأنه  ورغم  ما يقارب السبعة عقود على إنشائه, لم يكن قادرا ولن يكون على تشكيل مجتمع . الأخير له سمات تجانسية مشتركة: حضارية, تاريخية, تراثية, لغوية  وأخرى كثيرة سنستعرضها لاحقا. الكيان يفتقد إلى هذه العوامل وسيظل يفتقدها , فاساسه من الأصل باطل ,,بالتالي فإن البنيان كله باطل  وسينهار إن آجلا أو عاجلا . هذا ما تقوله حقائق التاريخ والطبيعة أيضا. أما الذين يتكؤون على اعتبار ما في الكيان “مجتمعا” نظرا لتجمعهم على مدى الوقت , فهم أيضا مخطؤون!. 65%   من  اليهود  ما زالوا خارج الكيان , فهل مثلا  يمكن إطلاق كلمة “مجتمع” على  تجمعات يهود الدونمة, والروس, والإثيوبيين, والأمريكيين, والهنود ,والكازا خيين, والليتوانيين  وغيرهم ؟ وما الذي يجمعهم غير الديانة؟ . تجمّع المستوطنين في فلسطيننا المغتصبة عنوة , لم يخلق تجانسا بينهم  حتى ولا اختلاطا مجتمعيا , فكل أصول إثنية منهم تعيش منفصلة وهي على تضاد مع الأصول الإثنية الأخرى. مع الوقت الطويل نسبيا هل زالت التقسيمات : أشكناز , سفارديم وحريديم من  تجمع مستوطني الكيان؟ أم أنها تتعمق يوما بعد يوم؟ . كل الذي يوحّدهم : الرعب من إمكانية إزالة دولتهم! غير ذلك… ما الذي يوحدهم؟.يطلقون على أحزابهم :يمينية ويسارية, وهذا أيضا خطأ فلا انسجام بين اليسار والصهيونية.

ليس أقدر من الصهاينة  قادة ,وشارعا على تزوير التاريخ واختراع الاضاليل والاساطير, حتى أنهم قوّلوا الله ما لم يقله ! استثمروا كل الوسائل القذرة في سبيل تحقيق هدفهم في إقامة الكيان وفرض شرعيته على العالم! ألم يردد نتنياهو في كتابه ” مكان تحت الشمس” أن ” فلسطين كانت خالية إلا من بدو رُحّل  لا علاقة لهم بالحضارة”, وأن الهجرات اليهودية قامت بنشر الحضارة بينهم!. “الإسرائيليون” يعتبروننا همجا بربريين… وعلى ذلك قس.  كذلك اخترعوا تعابير مثل “القومية اليهودية” أو “القومية الصهيونية” أو “الشعب اليهودي” و “الأمة اليهودية” كما “المجتمع الإسرائيلي”!. اليمين المتطرف ومن يسمى بـ “اليسار” يستعملان تعبير “أرض إسرائيل “على فلسطين. يحمّلان الفلسطينيين المسؤولية في كل المراحل!ويختلقان  تعبير “القومية الصهيونية”, ويطلقان على نضالات شعبنا تعبير “الإرهاب الفلسطيني”!, نسال ماذا يختلف “اليساري” الصهيوني عن اليميني الصهيوني الاكثر تطرفا بين هؤلاء المستوطنين جميعهم؟… وعلى ذلك قس في كل التعبيرات والمصطلحات الكاذبة الأخرى !.إن إطلاق وصف اليساروالاعتدال على بعض الأحزاب الصهيونية هو ظلم كبير, فاليسار ليس كلمة شكلية بسيطة يمكن إطلاقها بسطحية كبيرة على هذا الحزب أو ذاك، بقدر ما هي مضمون أيديولوجي فكري وسياسي وممارسة عملية على أرض الواقع، أي باختصار شديد، مزاوجة بين الإيمان النظري الحقيقي وليس المزيف وبين سياسات الحزب بالمضمون الاقتصادي الاجتماعي، وتعامله بعدالة مع الأحزاب والقوى اليسارية والتشكيلات الاجتماعية الشبيهة في الدول الأخرى.

يظل ولاء كل المستوطنين  في الكيان أولا وأخيرا  للتعاليم الصهيونية الشوفينية العنصرية . الصهيونية والكيان كتمثيل سياسي لها  اعادا انتاج النازية والفاشية في اشكال أكثر تطورا.. ، والدليل قرارات سابقة لتجمعات دولية كثيرة ، كان على رأسها قرار الامم المتحدة رقم «3379» في 10 نوفمبر 1975, والقاضي «باعتبار الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية والتمييز العنصري». إلغاء القرار كان عملا غير شرعي ، ولم يجئ سوى لاعتبارات الموازين الدولية الجديدة ، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية .أيضا,لا يجوز إطلاق كلمة “عبرية” على ا”لإسرائيليين” ولا على صحفهم , فوفقاً لباحثين ومؤرخين غربيين وعرباً، منهم على سبيل المثال لا الحصر: ج.د. درايغر أستاذ اللغة العبرية في جامعة اكسفورد. وفي مقالة له في دائرة المعارف البريطانية. أيضا وفقا للمنقب(الأثري) وخبير اللغات القديمة كلوفاني بيتيناتو، وكذلك الدكتور محمد نحل أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر وغيرهم، وبخاصة كذلك بعد اكتشاف لغة(إبلا) في مغائر مملكة (إبلا) السامية، جنوبي حلب، فإن كلمة “عبرية”، هي كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحِّل في صحراء الشام، وجاءت بهذا المعنى في الكتابتين المسمارية والفرعونية، ولم يكن لليهود وجود في ذلك الحين، ولما وُجد اليهود وانتسبوا إلى “إسرائيل”.كانوا هم يقولون عن “العبرية” إنها لغة كنعان. كذلك.فإنه وفقا للعديد من الباحثين العرب في بحث لهم بعنوان ” ملف الثقافة اليهودية ” يؤكدون على: أن لغة اليهود المحليين  في فلسطين وبلاد الشام,ممن تواجدوا فيها, كانت الكنعانية مثل لغة باقي سكان فلسطين والشام.أما الباحث عبدالوهاب الجبوري وفي بحثه القيّم: (نشاة اللغة العبرية وتطورها) فيؤكد على: أن اليهود قاموا بتحريف الحقائق التاريخية والعملية والادعاء بتاريخية اللغة العبرية وإعطائها صفة الاستقلالية.اللغة العبرية هي إحدى اللهجات الآرامية والكنعانية (أي في عصر ما قبل ظهور اليهودية كديانة… والدين لا يعني إثنية ولا عرقا. ومخاطبة الله عز وجل لليهود في قرآننا الكريم.ينطلق من مخاطبتهم كأهل ديانة). جماعات اليهود في العالم لا تزال تتحدث بلغات الشعوب الموجودة بين ظهرانيها وهذا هو الأصل.

أما حول تعبير “القومية الصهيونية” فقد تطرقت كتب كثيرة إلى المسألة اليهودية. من كتاب كارل ماركس عن “المسألة اليهودية”، مروراً بالمفهوم المادي لها عند لينين, وغيره فقد رأوا في هذا الادعاء (بأن اليهودية استمرت بفضل التاريخ وليس رغما عنه ، ولذلك فان تحرر اليهود يعني تحرر المجتمعات من اليهودية), ورأوا في اليهودية (رمزاً للديانة التي يعتنقها اليهود… لأن فكرة الأمة اليهودية هي فكرة خاطئة تماماً ورجعية في اساسها).. ، مرورا بكتاب ” إمبراطورية الخزر وميراثها.. القبيلة الثالثة عشرة” للباحث والمؤرخ اليهودي المعادي للصهيونية آرثر كوستلر وغيرها، وصولاً إلى الكاتب اليهودي الامريكي  شلوموساند في كتابيه “اختراع الشعب اليهودي” و “اختراع أرض إسرائيل” وغيرهم وغيرهم كثيرون, كلهم ينفون وجود أية روابط بين اليهود القدامى واليهود الحاليين, ويؤكدون على عدم وجود ما يسمى بـ “القومية اليهودية” أو “القومية الصهيونية”

بالنسبة لموضوع “المجتمع” وفقا لكل المدارس الإجتماعية والاقتصادية الفلسفية وانسجاما مع علم الاجتماع  يُطلق : على مجموعة كبيرة من الناس تعيش في بقعة جغرافية معينة , ترتبط وتترابط فيما بينها بإرث تاريخي , اجتماعي , ثقافي, حضاري, اقتصادي مشترك يحتوي في مكوناته على : اللغة والعادات والتقاليد والهموم  والاهتمامات التي تعمل على تطوير هذه الثقافة المشتركة والقادرة على خلق الوعي العام المشترك ( فالوعي أولا وأخيرا هو انعكاس للواقع ومعضلاته) ) والتي بالتأكيد تطبعُ هؤلاء الناس جماعة وأفرادا بصفات عامة مشتركة: الشخصية العامة لديهم , والهوية المشتركة لهم.الكيان الصهيوني يفتقد إلى كل هذه العوامل.

فيما بعد عقدت الصهيونية مع النازية ثلاث اتفاقيات :الاولى «اتفاقية الترانسفير» في عام 1933 من اجل تسهيل هجرة يهود المانيا الى فلسطين ، ، توخت الحركة الصهيونية من علاقتها مع النازية ، التحكم بيهود المانيا ، ترحيل رأس المال الضخم للبورجوازية اليهودية ، استغلال السياسة العنصرية للنازيين ,لاجبار اليهود على الهجرة الى فلسطين… هذه الاستنتاجات التي خلص اليها البروفيسور السوفيتي بونداريفسكي ونشرها في عام 1984 . عقدت الصهيونية اتفاقية ثانية مع النازيين في عام 1934 ، واخرى ثالثة في عام 1937 ، وتقضي بـ «تزويد الحركة الصهيونية للجستابو بأية معلومات عن التنظيمات اليهودية في اوربا وعن اية نشاطات لهم ضد النازيين ، مقابل دعم هؤلاء لاقامة الدولة الصهيونية”. هذا ما يطرحه عبدالرحمن عبدالغني في كتابه : المانيا النازية وفلسطين ، وهو ما يتفق مع ما طرحه غالدر في مذكراته الجريئة.. كل الذي قلناه يؤكد خطأ إطلاق كلمة ” المجتمع الإسرائيلي”!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.