روسيا : هل تقطع أذرع أمريكا وتقلب الخارطة السورية؟ / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي * ( سورية ) الثلاثاء 20/10/2015 م …

*عضو منتدى القانون الدولي في جامعة القاهرة

تدرك روسيا منذ البداية عدم جدوى التحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن لمحاربة الإرهاب في المنطقة، لكنها كانت تسعى بكل ثقلها إلى إقناع دول الغرب بضرورة التنسيق والتعاون الجاد معها في هذا المجال وتسوية الأزمات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية من خلال تجفيف منابع الإرهاب واحترام سيادة وإستقلال ووحدة أراضي الدول التي تتعرض للإرهاب وفي مقدمتها سورية،  والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل روسيا حريصة وجادة فعلاً في محاربة الإرهاب في المنطقة، أم أنها تسعى الى تحجيمه فقط؟!

يبدو أن روسيا بدأت فى العمل جدياً على إستعادة نفوذها فى المنطقة من خلال دعم الدول التى تعاني من التنظيمات الإرهابية التى تهدد الأمن والسلم الدولى، فتدخل موسكو عسكرياً فى سورية قلب الطاولة على الولايات المتحدة الأمريكية ولم يعد وارداً لدى دول العالم التغاضي عن أهمية دور روسيا والجيش العربي السوري بالتصدي لظاهرة الإرهاب، في سياق ذلك  ليس ثمة شك في أن موسكو حققت نجاحاً تكتيكياً في إنخراطها المباشر والمفاجيء في سورية من خلال الضربات الجوية على التنظيمات المتطرفة فى سورية وعلى رأسها تنظيم داعش التي تراقبه بطائرات إستطلاع وقمر صناعي للتجسس، في هذا الإطار بدأت العديد من القوى السياسية والعسكرية العراقية بدعوة موسكو لشن غارات مكثفة على مواقع داعش فى العراق تزامناً مع غاراتها فى سورية، وذلك فى ظل إهتمام روسي بالحفاظ على مصالح موسكو فى الدولة الليبية التي تعاني من فوضى وعدم إستقرار أمني، فجميع التقارير الميدانية الواردة من سورية  تشير إلى أن الضربات الجوية الروسية والهجمات البرية التي تشنها القوات السورية بدعم إستشاري من إيران ومشاركة مقاتلي حزب الله قد ألحقت خسائر جسيمة بالجماعات المتطرفة الوافدة إلينا من الخارج، وهذا الأمر قد أثار قلق الغرب الذي فشل حتى الآن في إقناع العالم بأنه جاد وصادق في محاربة الإرهاب، والذي يعتبر الرئة التي تتنفس منها هذه الجماعات وتحصل منه على الدعم ال الذي يمنحها الإستمرار والتوسع في المنطقة.

مجمل هذه التطورات يمكن الاستنتاج أن الإنخراط العسكري وحضور روسيا المكثّف في سورية وإحتمال تمدده إلى بعض دول المنطقة وخاصة العراق، يمكن أن يساعد على الإسراع في مسار الحل السياسي والتوصل إلى حلٍّ توافقي للأزمة وتعزيز جنيف3، بمعنى أن تصل أطراف الأزمة الدولية والإقليمية إلى قناعة بأن قواعد اللعبة في سورية قد تغيرت وأن اللجوء إلى مواجهة التدخل الروسي بتصعيد الدعم للمتطرفين لن يأتي بنتيجة وسيزيد من معاناة الشعب السوري ومن معدلات اللجوء من سورية إلى دول الجوار وأوروبا، كما سيؤدي الى دعم وتعزيز الجيش السوري لوجستياً على نحوٍ يمكّنه من توسيع نطاق عملياته، وسيطرته على مناطق تتحكّم بها القوى المتطرفة في مختلف المناطق السورية، بالإضافة الى تأسيس مرحلة إنتقالية عسكرية بامتياز، تشمل بانعكاساتها لبنان وفلسطين واليمن والعراق والمنطقة بأكملها وبالتالي إضعاف نفوذ أمريكا وحلفائها في الإقليم وتهديد مصالحها في المنطقة، لذلك يجب على الدول الغربية وحلفاؤها أن تخرج  من هذه اللعبة المدمرة لأنهم سيكونون أول ضحايا الجماعات الجهادية، وهو أمر ستكون تداعياته الخطيرة على هؤلاء الذين لا يدركون عمق الأزمة التي يعيشونها والتي ستجبرهم في النهاية على دفع ثمن تهورهم وأحقادهم اتجاه سورية.

في سياق متصل إن التوقعات التي خططت لها أمريكا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته أمريكا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها من أجل تفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، نجد بأنه لم ينفع لإسقاط سورية بل فشلت وسقطت كل أقنعتها ورهاناتها، في هذا الإطار نرى إن سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فالأخبار القادمة من الشمال والجنوب السوري لم تكن سارة لأمريكا وحلفاؤها، لذلك فإن الغرب غير مستعد على الإطلاق للدخول في مواجهة عسكرية ضد روسيا لأنه يعلم أن هذه المواجهة ستكون مكلفة جداً، ولهذا سعى الى إستخدام توجيه إعلامه لتشويه صورة تحالف روسيا وسورية أمام الرأي العام العالمي للتعويض عن الهزيمة التي لحقت به نتيجة سياساته اللامسؤولة تجاه دول وشعوب المنطقة، وهذا يمثل بحد ذاته فشلاً إستراتيجياً للغرب في كيفية التعاطي مع الأزمات في المنطقة، والتي ستنعكس أثاره السلبية عليه لأن الشعوب لم تعد تثق بوعوده خصوصاً بعد الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي لحقت بدول المنطقة جراء سياسات واشنطن لتحقيق مشروعها المسمى بالشرق الأوسط الكبير الذي لم ينتج منه سوى مزيداً من العنف والموت والدمار والخراب التي باتت تهدد الأمن الإقليمي والدولي.

وأخيراً أرى إن الولايات المتحدة أصبحت غير قادرة على التعامل مع جميع الأزمات الدولية، في الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دور القيادة من المقاعد الخلفية، عن طريق إعطاء توجيهات ومساعدة القوى الأخرى أكثر من تدخلها بشكل مباشر في حل الأزمات، لذلك هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وبإختصار شديد إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له ووقوف الدول الصديقة إلى جانبه إضافة إلى قناعة أطراف دولية أخرى بخطورة الإرهاب على إستقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي وصادق في وجه هذه الآفة الخطيرة.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.