احتضار الأحلام الأميركية على مذبح الأسد بوتين / جمال رابعة

 

جمال رابعة * ( سورية ) الثلاثاء 20/10/2015 م …

*عضو مجلس الشعب السوري

كنتُ قد كتبتُ في وقت سابق مقالاً ورد في سرده قولٌ مفاده: إنّ الدولة السورية بحكمة قيادتها تنشد دائماً وأبداً الردّ على العدو بمنهج استراتيجي. لأنّ المعركة مع هذا العدو مفتوحة. لذا فالابتعاد من الردّ التكتيكيّ الانفعاليّ بنتائج متواضعة هو الحاضر حالياً في فكر الدولة السورية. وإنّ المعركة الكبرى والمواجهات المباشرة لم يحن وقتها بعد. وعندما يحين هذا الوقت سيُدرك القاصي والداني قدرات الجيش العربي السوري ودفاعاته الجوية وآثارها.

المعركة بدأت وعلى كامل الجغرافية السورية بعد استكمال كلّ الترتيبات الميدانية واللوجستية، التي تحقق انتصاراً سريعاً وحاسماً، ستكون مقبرة للغزاة.

أشهر عدّة من الاتصالات والتنسيق والزيارات المكوكية بين موسكو ودمشق وطهران حتى وُضعت اليوم النقاط على الحروف. واللمسات الأخيرة على الخطط الحربية والعمل العسكري على كامل الجغرافية السورية. وقد تمخّض عن هذا التحرّك المكثف تشكيل لجنة عسكرية روسية ـ سورية مشتركة، بدأت بعدها موسكو مباشرةً بتزويد سورية بصور أقمار صناعية، وتمّ تشكيل غرفة عمليات لتبادل المعلومات بين الاتحاد الروسي وإيران والعراق وسورية.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ التنسيق في ما يخصّ العمليات العسكرية يتمّ بين روسيا وإيران وسورية، بعدما كان تمّ التخطيط في وقت سابق لكلّ ما يحصل على الجغرافية السورية، والآن بدأ توزيع المهمات على كلّ الأطراف المشاركة لمواجهة الإرهاب التكفيري المدعوم إقليمياً وخليجياً، والمغطّى عبر مظلة سياسية من الغرب الأطلسي.

في شهر آب 2015، عُقد في فندق «بلكنت» في العاصمة التركية أنقرة، اجتماع برئاسة وزير الخارجية الأوكراني ونائب رئيس الوزراء التركي، جرى خلاله التحضير للمؤتمر العالمي الثاني للتتار، وأعلن فيه مصطفى جميل أوغلو، زعيم التتار، تشكيل لواء مسلم دولي للتصدّي للانفصاليين الروس في شبه جزيرة القرم مقرّه مدينة هيرسون بالقرب من حدود القرم، والمتطوعون هم من تتارستان والشيشان وأذربيجان وجورجيا.

في كانون الأول عام 2013، أعاد جهاز المخابرات التركي مجموعة من التكفيريّين التتار من سورية إلى أوكرانيا.

في تشرين الأول الجاري، وعلى قناة «فوكس نيوز» اقترح جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، تزويد الجيش السوري الحرّ الذي لا وجود له ما يلزم من معدات لإسقاط الطائرات الروسية العاملة إلى جانب المقاتلات السورية، على غرار ما تمّ استخدامه ضدّ المروحيات السوفياتية في أفغانستان.

في تطابقٍ للتصريحات بين المسؤولين الأميركيين وتنظيم «داعش» الإرهابي، تُعتبر روسيا العدو الأساسي والمشترك بينهما، وإلا ما تفسير هذه الحملة التي يقودها «الإخوان المسلمون» و»داعش» وكلّ التنظيمات الإرهابية بإطلاق ما يسمّى الجهاد في وجه القوات الروسية؟ وإنّ استبدال قيادة «داعش» كلّ ضباط «الإمارة الإسلامية» في العراق والشام بعناصر من الشيشان له دلالات كبيرة، ولا بدّ من وضع الخطط والبرامج لمواجهة ذلك من قِبل روسيا وإيران وسورية.

جاءت المشاركة الروسية بهذه السرعة وهذا الحضور العسكري المميّز صاعقة على رؤوس الحلف المعادي الذي تتقدّمه واشنطن، والذي أصيب بالمزيد من التخبّط والارتباك.

من هنا نفهم الدوافع والأهداف التكتيكية والاستراتيجية للرئيس بوتين بالمشاركة الروسية إلى جانب الجيش العربي السوري لجهة أنّ الولايات المتحدة الأميركية تعتمد، بالدرجة الأولى، في تنفيذ سياستها على زعزعة الاستقرار كوسيلة لفرض هيمنتها وجبروتها على الدول المستقرة، والتي لا تنسجم مع سياستها كما حصل في العراق وأوكرانيا وكوسوفو. من هنا نحن نفهم كيف تمّت السيطرة على شبه جزيرة القرم من قِبل روسيا، وتمّ القضاء على المجموعات الإرهابية المتشددة المسلحة فيها كافة.

ما تريده أميركا في سورية وتخطّط له هو المزيد من اللا استقرار عبر أدواتها الإرهابية لتحقيق المزيد من الفوضى وصولاً إلى أهدافها، فجاء قرار الرئيس بوتين بحضور روسي قوي في سورية يضمن عدم تحوّل حوض المتوسط إلى حديقة أطلسية، وبالتالي لا يغيب الاتحاد الروسي عن معادلة الأمن الإقليمي العالمي.

وفي السياق، نقول إنّ الوجود العسكري في سورية نقلة نوعية تدلّ على أنّ هناك عصراً جيوسياسياً يتجاوز الجغرافية السورية، ونستطيع القول إنّ الرئيس بوتين استطاع أن يتصرّف بقوة في سورية، لأنّ لديه خطة استراتيجية قوية ومتماسكة، رسم خطوطها وتفاصيلها مع حلفائه في إيران وسورية، على عكس الخطط الأميركية التي تتصف بعدم الانسجام مع القوة الفاعلة والشرعية على الأرض.

في الختام أقول: إنّ الهجوم الذي يقوم به الجيش العربي السوري وحلفاؤه، على جبهات عدّة، وعلى كامل الجغرافيا السورية، يعطي حقيقة مطلقة بأنّ هذا الجيش المغوار لم يكن ينقصه سوى ذخيرة نوعية وطيران لتحقيق ما نصبو إليه، نصراً وتقدّماً، فهو اليوم حوّل هجومه من الكرّ والفرّ إلى هجوم استراتيجي ساحق أُطلقت فيه الساعة الصفر من دون توقف، فخير القول إنّ الهجوم هو تحرير شامل وكامل والمبادرة أصبحت بكلتي يديه، ولسان حال هذا الجيش يخاطب ما يجول في الرأس الأميركية: مذبحي بالمرصاد.

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.