السلطان اردوغان.. بدايات صائبة ونهايات خائبة !! / فهد الريماوي

 

فهد الريماوي* ( الأردن ) الأربعاء 21/10/2015 م …

*رئيس تحرير جريدة “المجد” الاردنية

ترفض الاوراق احتضان اسم ”رجب اردوغان”، وتخجل الاقلام من تسطير حروفه، وتشعر الكلمات والمفردات اللغوية بشديد الاهانة لدى اقترانها بهذا الاسم الكريه، وتتشبه بهذا الخصوص بالحجارة التي يليق بها ان تنشئ مسجداً وليس ماخوراً.

تحزن مكارم الاخلاق، وتبكي السجايا الحميدة، وتتوجع القيم والشمائل والمبادئ النبيلة، حين تقف في حضرة هذا الاردوغان الغادر والمتآمر الذي يستحق – عن جدارة – جائزة نوبل للفشل، وخيبة الامل، وقصر النظر، وفساد الضمير، وسوء النية والطوية.

بمنتهى الحيدة والموضوعية، نتمنى على لجنة جائزة نوبل الموقرة، تخصيص جائزة للفشل، ومنحها فوراً، ودون كثير تمحيص وتفكير، الى هذا الانكشاري العثماني والاخواني الذي سار في مستهل مشواره السياسي فوق بساط من النجاح والفلاح والانجاز، غير انه ما لبث ان وقع، فيما بعد، في حبائل الجشع والغرور وعمى الالوان، وخلط بين الاحلام المشروعة والاوهام الاسطورية والامبراطورية، وتأبط رزمة من مفردات الفشل والتخبط والانهزام لترسم له خط النهاية وخاتمة المطاف.

اردوغان الآن ليس اكثر من بطة عرجاء وعمياء تتعثر في خطاها، وتتقدم الى الخلف، وتتلعثم في تهجئة الاوضاع التركية والاقليمية والدولية، وتنوء تحت وطأة العديد من الازمات والخيبات والاخفاقات السياسية والاقتصادية والامنية، وتسير وفق نظام العد العكسي الذي سوف يفضي بها حتماً الى الجدار المسدود ومزبلة التاريخ.

مشكلة اردوغان الذاتية، وعلته الاساسية، ونقطة ضعفه المركزية تكمن – ابتداءً وانتهاءً – في ذهنيته الاخوانية التي استفحلت وتغولت في السنوات الاخيرة حتى طغت على نزعته الوطنية، ودفعته الى تقديم المشروع الاخواني الدولي على المشاريع والمصالح التركية، وزينت له اوهام استعادة دولة الخلافة العثمانية وامجادها السلطانية، ورسمت له اجندة التقارب والتباعد، وخارطة التحالف والتناقض مع سائر القوى والجماعات والدول الاقليمية والعالمية.

في مستهل عهده، نجح اردوغان لانه وضع المصلحة الوطنية التركية نصب عينيه، وتبنى سياسة ”صفر مشاكل” مع دول الجوار والاقليم، وانصرف بكامل طاقته لتحقيق التقدم الاقتصادي والسلام العرقي والطبقي والاجتماعي.. ولكن ما ان اندلعت حرائق ”الربيع العربي”، وارتفعت اسهم الجماعات الاخوانية التي قفزت الى سدة الحكم التونسي والمصري، والى مقدمة الحراكات السورية والاردنية والمغربية واليمنية، حتى خلع اردوغان اقنعته الوطنية المستعارة، وظهر على حقيقته الاخوانية الفاقعة، ووضع نفسه وحزبه وحكومته في خدمة المشروع الاخواني العابر للحدود، ضارباً عرض الحائط بمصالح بلاده وعلاقاتها الودية مع مصر وسوريا وايران وروسيا وغيرها.

عيب الجماعات الاخوانية انها ليست وطنية ولا قومية ولا حتى شرق اوسطية، وانما هي حالة عولمية شبه ماسونية وكوزموبوليتانية متعدية للقارات والاوطان والبلدان، وقد سبق للشيخ مهدي عاكف، المرشد العام السابق لاخوان مصر والتنظيم الاخواني الدولي ان قال بالصوت والصورة قبل بضع سنوات : ”طز في مصر وابو مصر واللي في مصر”، ثم ما لبث ان اضاف : ”يا ريت يحكم مصر واحد من ماليزيا”.. وهو ما اثار يومذاك موجة احتجاج واستنكار شعبية مصرية عارمة احرجت الجماعة واربكتها وارغمتها على التبرؤ من هذه التصريحات، واعتبارها رأياً شخصياً يعبر عن صاحبه فقط، ولكن الشعب المصري والعربي الذي يعرف حقيقة هذه الجماعة وجوهرها اللا وطني، ظل على قناعته بان الشيخ عاكف قد بق البحصة وكشف المستور.. ليس الا.

انظروا الفارق الواسع بين الخديوي اردوغان، والقيصر فلاديمير بوتين.. فكلاهما بزغ نجمه وتسلم قيادة بلده مع اطلالة هذا القرن الجديد، وكلاهما جاء محملاً بالوعود وعازماً على تحقيق نقلة واسعة لبلاده في مختلف المجالات الحيوية.. ولكن شتان بين ما بلغته روسيا هذا الاوان، وبين ما انحدرت اليه تركيا من هزال وهوان.. وليس هناك من سبب جوهري لهذا الفارق بين المآلين الروسي والتركي، الا لان بوتين قد غادر عقيدته الشيوعية وتشبث بوطنيته الروسية، في حين فعل اردوغان العكس على طول الخط، حيث غادر صفته الوطنية وتشبث بعقيدته الاخوانية، لولا ذباب الاخونة الذي يطن داخل جمجمة اردوغان، لما اختار برعونة فاقعة الرهان على جماعة الاخوان السورية المجرمة والاصطفاف الى جانبها، ولما سارع للتفريط بصداقته التي كانت طازجة وحميمة مع الرئيس الاسد، ولما ضحى بعلاقات بلاده المتميزة والمتشعبة مع مختلف المؤسسات والمرافق السورية، ولما فتح ابواب تركيا واسعة امام قطعان العصابات الارهابية التي ارتدت الآن عليه، ولما تورط في صراع مفتعل مع الشعب المصري لانه اسقط محمد مرسي، ولما اتاح للجني التركي الذي كان محبوساً في القمقم السوري ان ينطلق من محبسه بقوة، ويسهم بقسط وافر في شد ازر باقي اطراف الحركة الكردية الانفصالية التي تهدد صميم الامن القومي التركي، وتمهد لاقامة الدولة الكردية العتيدة على حساب تركيا وسوريا والعراق وايران، ولحساب المعسكر اليهودي الصهيوني والصليبي الغربي.

لقد اصطاد بوتين ثلاثة عصافير بحجر واحد، حين هب بالامس القريب لنصرة الدولة السورية وجيشها، حيث عبر -اولاً- عن وفائه لحليفه السوري التاريخي، واثبت للعالم اجمع ان اخلاقيات السياسة الروسية تأبى عليها التنكر للحلفاء والاصدقاء وقت شدتهم.. كما حافظ بوتين -ثانياً- على مصالح بلاده الكثيرة في سوريا واولها نقطة الارتكاز الاستراتيجية الروسية على شاطئ البحر المتوسط، وهي القاعدة البرية والبحرية الوحيدة العائدة الى روسيا في كامل الشرق الاوسط.. علاوة على ان هذا البوتين الامين قد قام -ثالثاً- بالدفاع المسبق والمبكر عن الوطن الروسي، من خلال ضرب معاقل العصابات الارهابية الازبكية والشيشانية والقوقازية المنتشرة بكثرة فوق الجغرافيا السورية حالياً، والمستعدة للتسلل والانتقال الى روسيا لدى اول فرصة سانحة.

لماذا فطن بوتين لكل هذه المعاني والابعاد الساطعة والواضحة وضوح الشمس، فيما نسيها -او تناساها- اردوغان الخوان الذي اخذته العزة بالاثم، وخلط بين السياسة والهلوسة، حين انتدب نفسه لاصدار الاوامر والتعليمات للرئيس الاسد، حتى بلغت به الصفاقة والحماقة حد طلب المباعدة بين الاسد وشقيقه العقيد ماهر.. فيما بلغت به الوقاحة والتناحة والخروج على ابسط القوانين الدولية حد التهجم الغوغائي الرخيص على الرئيس المصري من فوق منبر الامم المتحدة.

اين هذا الاردوغان الاحمق والاخرق من زعيم اسلامي عظيم لم يتلوث بالاخونة، هو رئيس الوزراء الماليزي السابق الدكتور مهاتير محمد الذي انتشل بلاده من براثن الفقر والجهل والتخلف، ووضعها خلال بضع سنوات على خارطة النمور الآسيوية الناهضة، وصنع من شعبها المتعدد الاعراق سبيكة وطنية وطيدة وموحدة، ثم ما لبث لدى اطمئنانه على مستقبل بلاده ان غادر سدة الرئاسة والحكم بمحض ارادته واختياره، مفسحاً في المجال امام الاجيال الماليزية الشابة.. في حين قفز اردوغان المتعطش المزمن للسلطة من رئاسة الحكومة الى رئاسة الدولة، وابتنى لنفسه قصراً فخيماً قوامه الف غرفة وتكلفته ثلاثة ارباع  المليار دولار.

يوم الفاتح من الشهر المقبل سوف تجري الانتخابات التشريعية التركية الجديدة، وهي غالباً لن تصب في صالح حزب العدالة والتنمية الاردوغانية الذي فقد في الانتخابات السابقة اغلبيته الكاسحة، الامر الذي سوف يدخل تركيا في دوامة امنية وسياسية واقتصادية قاتلة لا يعلم غير الله مداها ومنتهاها، ولكن العالم كله يعرف ان السلطان اردوغان هو المسؤول عنها والمتسبب فيها، جراء امتثاله للذهنية الاخوانية العدمية والعبثية التي ثبت، بالتجربة الحية والبرهان العملي، انها ليست مهيأة للعمل السياسي من داخل شروطه، ولا مؤهلة للتعامل مع مستلزمات القضايا العامة وللتفاعل مع معطيات العصر ومستجداته وضروراته !!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.