العنصرية والكراهية .. اسرائيل .. وأمريكا / د. ابراهيم بدران




د. إبراهيم بدران ( الأردن ) – الثلاثاء 9/6/2020 م …

من شاهد المواطن الأمريكي الأسود(مع الإحترام) جورج فلويد وهو يختنق تحت ضغط ركبة الشرطي الأمريكي الأبيض، لا يستطيع الا أن يشعر بالألم والغضب.

الألم لمعاناة هذا الشخص البسيط، والغضب بسبب هذه الوحشية والقتل العمد من شخص رسمي يمثل الدولة . ولكن المشاهد الفلسطيني أو العربي بشكل عام اضافة الى الألم والغضب يشعر بالصدمة . فقد رأى هذا المشهد بالضبط قبل بضعة أسابيع، حين ظهر شرطي اسرائيلي بنفس الهمجية، وهو يضغط بذات الركبة البغيضة على رقبة شاب فلسطيني في أحد شوارع القدس القديمة.

المشهد ذاته في اسرائيل وفي أمريكا. وكلا البلدين للأسف يتبجحان أمام العالم بما لديهما من ديمقراطية و مواطنة و مساواة. وتماما كما يفعل نتنياهو أمام أجهزة الإعلام يتشدق بالكذب والإفتراء والإدعاء، فقد فعل دونالد ترامب ذات الشيء حين قال في خطابه المتلفز “ولو أتيح لجورج فلويد أن ينظر الينا (إلى ترامب) و إلى ما ننجزه سيقول : هذا بلد عظيم.. ” تخيلوا أن الضحية الذي قتل بكل وحشية خنقا تحت رجل الشرطي لأنه أسود، وعلى أساس العنصرية والكراهية ،يقول بعد سماعه لدونالد ترامب ” هذا بلد عظيم ” ،،هذا في حين لا يسمع ترامب ولا يرى الملايين في أمريكا و أنحاء العالم تهتف بسقوطه لتجاهله و عنجهيته و عنصريته.

العنصرية والكراهية ضد السود في أمريكا، والتي تتم بشكل ممنهج من الدولة العميقة ،ماذا يقابلها في اسرائيل بعد مرور 72 سنة على إغتصابها لفلسطين ؟ يقول المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه حرفيا ” عام 1948 كان المسار بالنسبة للحركة الصهيونية يسير وفق معادلة واضحة مفادها: لا تحقيق لاستيطان ناجح واستعمار لفلسطين بدون تطهير عرقي كامل للفلسطينيين ” ويتابع ايلان قوله : “الناس الذين صاغوا المعادلة ووضعوا الخطة لطرد جميع الفلسطينيين بالقوة، لم يفكروا بتحقيق ذللك من خلال تدمير قرية أو أثتنين، أو طرد مئة فلسطيني أو ألف ،و انما اتخذوا قرارا لاجتثات الوطن بكامله” .

ومن يتابع الأحداث بعد عام 1948 يجد أن إسرائيل قتلت ما يزيد عن 100 ألف فلسطيني و سجنت و اعتقلت ما يزيد عن مليون بينهم عشرات الآلاف من النساء و الأطفال، و قتلت أكثر من 33 ألف عربي. و يلاحظ أن الشرطة والجيش الاسرائيلي لم يتركا طريقة لقتل وتدمير الفلسطينين الا واستعملوها ابتداء من القتل المباشر دون سبب باستخدام البنادق مرورا بقتل الأطفال أمام ذويهم والدفن بالجرافات وحرق المنازل الفلسطينية بمن فيها من السكان وهو ما لم يفعله النازي في ألمانيا الهتلرية. و بالمقابل فإن المهاجرين البيض في أمريكا أبادوا 130 مليون إنسان من السكان الأصليين منذ عام 1600 و حتى اليوم و لم يبق من الهنود الحمر أكثر من 2% بينما ذهب 98% قتلا و حرقا في المزارع و معسكرات الإعتقال التي قلدها هتلر.

والسؤال : هل يمكن لدونة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والتي ينص دستورها على المساواة بين مواطنيها ان تستمر في كراهية وقتل السود لدرجة اعتبار قتل جورج فلويد مثلا قتلا غير مقصود رغم أن عملية الخنق استمرت 8 دقائق و48 ثانية ؟ هناك أربعة جوانب رئيسية :

أولاً : إن الديمقراطية كنظام حكم للدولة، لا جدال حوله في أنه أفضل الأنظمة التي توصل اليها الانسان..أما اساءة استعمال الديمقراطية فهذا جريمة من الدولة والسلطة التي تسئ الاستعمال . تماما كالعلم الذي قد يساء استخدامه في الأسلحة والسموم ،و يحسن استخدامه في التنمية والاختراعات. وبالتالي ليس للبعض أن يفرح لأن الديمقراطية قد فشلت .

ثانيا: هناك فرق كبير بين النصوص القانونية المكتوبة ،وبين الممارسة الفعلية. فجميع الدول الاستعمارية كانت نصوص دساتيرها تنص على الحرية والمساواة والديمقراطية .والطريق الوحيد لمنع طغيان السلطة أو الحاكم مثل ترامب على النصوص الدستورية هي منظمات المجتمع المدني والاعلام المستقل ووعي قادة الرأي و العلماء و المفكرين.

ثالثاً : إن الكراهية والعنصرية في أي دولة هي سلوك مجتمعي وموقف الأفراد والجماعات من الآخر. الأمر الذي يتطلب التركيز الثقافي والتعليمي على محو مشاعر الكراهية ،والخروج منها من خلال البرامج المنظمة لانفتاح مكونات المجتمع بعضها على بعض ،وفي جوانبها الايجابية من خلال الفنون والآداب والعلوم والرياضة والنشاطات الوطنية .
رابعاً : إن ” الدولة العميقة ” غالبا ما تتمسلك بأنماط سلوكية وتقديرية أحادية الرؤية لا تتخلى عنها حتى لو تغيرت النصوص القانونية المتعلقة بها كما تغير قانون التمييز ضد السود في امريكا عام 1968. والدولة العميقة تعطي تعليماتها غير المكتوبة لاجهزتها وخاصة الأمنية. فلم يصدر هتلر كتبا رسمية بحرق اليهود، كما أن اسرائيل لا تصدر كتبا رسمية بقتل الفلسطينيين ،ولكن جميع أجهزة الكيان الصهيوني من جيش الى شرطة الى محاكم الى قضاة الى اعلاميين ،كلها تقرأ الإشارة الخضراء بقتل الفلسطينيين وتدمير الوطن الفلسطيني ،مما دعا جيمس كارتر الى وضع كتابه حول التمييز أو الابرثايد التي تقوم به اسرائيل. وبنفس الطريقة فالأمريكيون البيض في أجهزة الدولة العميقة يريدون أمريكا بدون سود وأمريكا بدون هنود حمر ولا سكان أصليين ولا مهاجرين.

إن حلم الكيان الصهيوني هوالنموذج الأمريكي، المتمثل بمجموعة من المهاجرين لم يصلوا الى نصف مليون في بداياتهم، فتحوا أمريكا وقضوا على السكان الأصليين وأقاموا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة أقوى دولة في العالم. وهو ما تريد أن تفعله اسرائيل في فلسطين و المنطقة العربية . وكما قال المؤرخ اليهودي ايلان بابيه ” إن المؤامرة الدولية ضد الفلسطينيين تمثلت بالصمت أزاء الجرائم الصهيونية منذ عام 1948 وحتى اليوم ” وبطبيعة الحال فإن الصمت من أوروبا التي مارست شتى أنواع الاضطهادات العنصرية، والصمت من أمريكا التي قامت على استصال السكان الأصليين وشراء السود من أفريقيا واستعبادهم .هذا الصمت هو الذي ترتع فيه اسرائيل .

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.