ما وراء وراء الحدث / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الجمعة 23/10/2015 م …
*باحث في السياسة والاقتصاد …
أتت زيارة الرئيس السوري إلى روسيا في الشهر العاشر من العام 2015 لتعلن نقطة تحول جديدة في تاريخ التفاوض الجيوستراتيجي على المنطقة الكونية في قيادة العالم، والتي تشكل سورية الطبيعية أحد أبرز معالمها، وتشكل الجمهورية العربية السورية بوضعها القائم حالياً أحد أبرز أركان السيادة والقوة فيها رغم مرور سنوات على استنزاف المقدرة العسكرية والقوة البشرية السورية. وتزداد أهمية هذه الزيارة أو الانتقال إلى هذه المرحلة المتقدمة من الحرب على الإرهاب الذي تواجهه سورية بعد أن أعلنت روسيا صراحة خطواتها التالية في سورية من خلال تفعيل العمل العسكري المشترك في مواجهة الإرهاب الدولي على أراضيها .
وعلى الرغم من بشاعة الحرب التي تشهدها سورية، ومن كونها أصبحت مكان تسويق وتنفيذ الإرهاب الصهيوأمريكي المبتكر والمجرب سابقاً في العراق وأفغانستان والصومال ولبنان والسودان وبورما ودول الربيع المزعوم، وأصبحت أيضاً مكاناً جديداً لتجريب وابتكار أنواعاً جديدة من الإرهاب الموجه ضد مكافحة الإرهاب نفسه، إلا أن حصر أبعاد ودلالات الزيارة التي قام بها الرئيس السوري لموسكو فقط بالتعاون العسكري والمصالح المعلنة لروسيا في إنهاء تفرد القطب الواحد للعالم، أو حتى حصرها في الهدف الذي يسعى إليه كل مواطن سوري في التخلص من الإرهاب الذي يعاني منه ووقف نزيف الدماء على الأرض السورية المباركة، يعتبر قراءة سطحية لحدث جلل أو بركان ثار في مواجهة الحلف المعتدي على سورية من الأعراب وسادتهم في الغرب.
حيث أن مضمون ودلالات الزيارة العسكرية منها يشيران ويعلنان الكثير عن مستقبل سورية من النواحي الأخرى جميعها سواء الاقتصادية أم السياسية أم الاجتماعية، ولعل مزامنتها مع إعلان أن سورية بوابة رئيسة في مرور الغاز الروسي لأوروبا يشير إلى مغزى أكثر قوة ودلالة من مناظر الدماء التي تشهدها المنطقة، فالرسالة الأولى رسالة تحد روسية واضحة المعالم إلى القطب الأمريكي المتمارض في منطقتنا.
والثانية رسالة استفزاز لذبابات المنطقة كقطر وغيرها.
والثالثة رسالة تحجيم وتحذير للوهم العثماني البائد المتورط في الدماء السورية حتى النخاع، واللص الظريف الذي يحاول أن يسرق الأموال الأوروبية بابتزازهم عبر المهاجرين السوريين بعد أن سرق ثروات حلب وأهلها والمنتشي إلى الآن بذكاء واهم حتى الثمالة.
والرابعة رسالة عالمية مفادها أن سورية ليست كغيرها من باقي دول العالم في صمودها وقوتها وانتصارها.
والخامسة تقول أن روسيا اليوم ليست ما كانت في السابق وأقوى مما كان عليه الاتحاد السوفيتي عندما كان يتباهى بقوته كما يتباهى ذكر الطاووس بجماله.
والسادسة أن الرئيس السوري هو من يحدد مفاتيح اللعب في المنطقة إلى الآن
. والسابعة أن خيارات المواجهات القادمة قد تم عمل كافة السيناريوهات الممكنة لها والحليفين الروسي والسوري ومن خلفهما البريكس وشنغهاي مستعدين لهذه السيناريوهات جيداً.
والثامنة أن إعادة اعمار سورية قد تم تحديد معالمه ومحدداته ومصادر تمويله الأولية، ولا نبالغ إذا قلنا توقيت نقطة الانطلاق الشامل به.
والتاسعة أن الدول التي جاهرت بعدائها لسورية وانخرطت في تدميرها وخاصة دول الجوار فإن عليها الآن أن تعيد حساباتها أمام القوة السورية الجديد في المنطقة والعالم بعد هذه الحرب القذرة.
والعاشرة رسالة ثنائية الاتجاه إلى الشعوب الأوروبية الراضية بسياسة حكامها الاستعمارية ترسلها روسيا إليهم عبر روسيا محملة بسياسة العصا والجزرة على أبواب الشتاء.
والحادية عشرة حزمة كبيرة جداً من الرموز والدلالات والشيفرات التي يحتوي كل منها على رسالة منفردة ومستقلة بذاتها تكاد تشكل من الخطورة ما يفوق حرباً عالمية جديدة تخفي ما وراء وراء الحدث، خاصة ما يتعلق منها بالتعامل مع اللاجئين السورين والقضية الفلسطينية والوضع اللبناني ومنطقة لواء اسكندرون السليبة.
فهل يفهم القاصي والداني هذه الرسائل، أم أن الدبلجة الصهيوأمريكية لهذا الكلام لا يزال يمر دون توقيع الشعوب المتضررة من الدماء، أم أن الإرهاب الفكري الذي صنعته أمريكا وحلفاؤها بالمنطقة قد أصاب شعوب هذه المنطقة بالبلاهة الفكرية والجهل السياسي. أم أن الرسالة البارزة التي كنا نعلنها دائماً هو أن سورية قوية بصمود شعبها وبسالة جيشها وحكمة قيادتها وقراراتها أفعال لا أقوال، لم يكن يفهمها العالم وقادته الأتباع لذيل الصهيوأمريكية العالمية الجديدة، حتى اضطر الكبار بإظهارها للعلن في هذه الزيارة. في الختام كنا ولا زلنا نفتخر بأننا ننتمي إلى الجمهورية العربية السورية، عشتم وعاشت سورية.
التعليقات مغلقة.