المفكر السوري الدكتور عدنان عويّد يوجّه رسالة عبر ” الأردن العربي ” إلى الدكتورة بثينة شعبان

د. عدنان عويّد ( سورية ) – الخميس 11/6/2020 م …




     لا أعرف كيف أبدأ رسالتي في مخاطبتك يا سيدتي, هل أقول لك أيتها الرفيقة كوني بعثياً قديماً انتميت لحزب البعث منذ عام  1968؟. أم أقول لك أيتها الزميلة كوني زميلك في اتحاد الكتاب العرب.؟.

     على العموم كلا الشخصيتين واحد في المحصلة, وهي شخصية مواطن سوري لم يكن يوماً خائناً للوطن, ولم يتاجر به من أجل منصب أو مصالح أنانية ضيقة, مارست العديد من المهام الحزبية والإدارية الصغيرة في محافظة ديرالزور, وكنت حريصاً على قيمها ومثلها.

     لفت انتباهي حديثان لك في الآونة الأخيرة, الأول: حول الاقتصاد السوري في هذه الأزمة, الذي عبرتي عنه على قناة الميادين بأنه أحسن خمسين مرة اليوم عما كان عليه قبل عام 2011 . والثاني: دعوتك على صفحات جريدة الوطن لنا نحن السوريين للصمود في وجه قانون قيصر والحصار الذي فرض علينا.

    صدقيني يا رفيقتي/ زميلتي, لقد استغربت منك هذين الطرحين وأنت المثقفة الكبيرة التي كنت اتابعها في (مجلة النهج) التقدمية, التي كنت انشر فيها أيضا دراساتي الفكرية التي لم يقبلها الإعلام السوري للأسف, علماً كنت رئيساً لتحرير جريدة الفرات لمدة ثمانية سنوات.. نعم كنت أتابع دراساتك العالية المستوى عن الاقتصاد وعن المرأة وعن التراث.. وهذا ما جعلني أستغرب منك طروحاتك اليوم وأتساءل, لماذا مفكرتنا السورية الكبيرة تتعامل مع الشعب المسكين الجائع والمشرد والمدمرة منازله والمعفش أثاث بيته والعاطل فيه الكثير عن العمل, والذي قدم الكثير من أبنائه شهداء في مقاومة داعش والنصرة وكل ما ينطبق عليهم صفة الإرهاب.؟.

     أنا أسألك يا سيدتي كيف سيصمد هذا الشعب؟. وما هي وسائل صمود شعب هذه حاله اليوم,؟. ثم لمصلحة من يصمد؟. لمصلحة رامي مخلوف الذي سيطر على 40% من الاقتصاد السوري.!!, أم للحيتان الذين تعرفينهم أنت والذين يسيطرون اليوم على 30% من هذا الاقتصاد.!!, وما تبقى يتقاسم قسماً منه الفاسدون في دوائر الدولة وتجار الحرب؟.

     سأحكي لك بعض الشيء عن ديرالزور أثناء الحصار… أنا لم أغادر ديرالزور يا سيدتي أثناء حصار داعش لها, بقيت مع الفقراء الذين لم يستطيعوا الخروج, أو ليسوا من الذين اضطروا أن يبيعوا بيوتهم وسياراتهم ومدخراتهم من الذهب أو غيره كي يقدموها رشاوى للفاسدين كي يخرجوهم من (موت الحصار).

     شهادة حق أقولها اليوم وهي: أن الحكومة المركزية لم تقصر في بذل كل الجهود من أجل تأمين الحاجات الأساسية وخاصة الطعام لمن تبقى في المدينة من المحاصرين, ولكن المشكلة كانت مع تجار الدم من بعض المسؤولين أصحاب القرار داخل المدينة المحاصر. هؤلاء هم من سرق كل مدخراتنا ورواتبنا من خلال تجارتهم بلقمة عيشنا.. لقد باعوا القسم الأكبر من المعونات التي تصلنا عن طريق الطيران في السوق السوداء وبأسعار عالية.. لقد تعاملوا مع الدواعش عن طريق المدعوة (أم ذياب) قريبة أحد كبار مسؤولي الدواعش, فكانت تدخل المواد الغذائية عن طريقها ومن يساندها داخل المدينة المحاصرة من أزلام المسؤولين الفاسدين, لتباع لنا بأسعار باهضه جداً… سعر كيلو الشاي وصل إلى ثلاثين ألف ليرة سورة, وكيلوا السمنة إثنتي عشر الف ليرة سورة . والسكر سبعة آلاف ليرة سورية. ولتر الزيت سبعة آلاف ليرة سورية.. وسعر كيلوا اللحمة تجاوز العشرة آلاف ليرة سورية.. لقد وصلت بهم الدناءة أن يتاجروا بمصاصات الأطفال.. فسعر المصاصة الصغيرة مئتي ليرة سورة, وحبة العلكة الشكلس أو حبة الكرميلة مئة ليرة سورية.. ووصل الأمر أن يضعوا يدهم على الخضار حتى وصل سعر كيلوا (الفجل ) إلى سبع مئة ليرة. ويمكنك أن تشتري ورق الفجل فقط بـ ثلاثة مئة ليرة سورية. سعر كروز الدخان الحمراء ثلاثين الف ليرة سورية..  وقيسي على ذلك يا سيدتي .. صدقيني وصل الأمر بنا أن نشتري من تجار الدم حاجاتنا بالغرامات كالذهب تماماً.. أكلنا الحشيش, ولحم الكلاب, والقطط والحمير.. أما كيف نطبخ فلا تسألي… لقد قصوا الأشجار وباعونا كيلوا الحطب بثلاثة مئة ليرة سورية.. أم مازوت الحراقة التي كانت داخل مدينة ديرالزور وهي تحت سيطرة مسؤولي الدولة, فوصل اللتر إلى أربعة آلاف ليرة..

     ما هي النتيجة؟… تشكل طبقة غنية من الفاسدين من تجار الوطن وحماته, أصبحوا يمتلكون ثروات طائلة, وأصحاب أطيان وتجار.. لقد كانت الأموال تنقل بالتوابيت في الحوامات إلى خارج ديرالزور على أساس أنها جثث للشهداء..

     أنا شخصياً ناشدت السيد الرئيس عبر قناة سما بأن تشكل لجان تقصي حقائق لمحاسبة من يتاجر بنا وبدم أبنائنا, بل وصلت التجارة لتقديم العرض من أجل رغيف الخبر…

     هناك من الفاسدين من نقل, ومنهم من انتقم منه القدر بحوادث, ومنهم من لم يزل عائشاً يرتع بما سرقه منا.

أما الذي جرى في الماطق المحررة من داعش بعد فك الحصار فيندى له جبين الوطن إن ظل وطن, ليس هما مجال لذكره.

     لإ أدري عن أي صمود هذا الذي تدعينا إليه يا سيدتي؟. ومن سيقف معنا في صمودنا ورواتبنا لا تكفينا لمدة أسبوع؟. ثم كيف سيصمد في ديرالزور على سبيل المثال لا الحصر من سرقت بيوتهم وأموالهم وعفش أثاثهم أمام أعينهم..؟. ذنبهم أنهم تركوا بيوتهم وأحياءهم لأن داعش دخلت هذه الأحياء.

بالمناسبة…هناك (24 ) حياً في ديرالزور يا سيدتي, هُدم منها (22 ) حياً بالكامل, وأهلها اليوم مشردون في ملاجئ الإيواء, ومن استطاع أن يستأجر منزلاً, فأجر المنزل لا يقل عن خمسين الفاً. قولي لي كيف يصمد هؤلاء .؟!!!!

ملاحظة أولى: هذه الأسعار كانت مقارنة أمام اسعار عام 2013 حتى 2015.

الملاحظة الثانية: ما مورس علينا من ظلم أيام حصار ديرالزور حسب القانون الدولي الإنساني, هي جرائم حرب.

كاتب وباحث من ديرالزور

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.