ماذا بعد زيارة الأسد الى موسكو؟ / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي ( سورية ) الجمعة 23/10/2015 م …
**عضو منتدى القانون الدولي في جامعة القاهرة …
السؤال الأكثر إلحاحاً والذي أصبح هاجساً لكل صُناع السياسة في المنطقة، حول ماهية الوضع المتوقع ما بعد زيارة الرئيس الأسد لموسكو، وما ستؤول اليه الأمور على المستوى الإقليمي والدولي وتحديداً فيما يخص الأزمة السورية، فهل سنشهد هبوب رياح ساخنة أم سيكون هناك نوع من التهدئة وأخذ زمام المبادرة وإنتزاع الأدوار؟ ولعل هذه الزيارة تمثل التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية، إذ أحدثت ما يمكن تسميته مفاجأة دولية حيث سارع عدد من القادة الدوليين بإصدار تصريحات تعكس ردة الفعل التي سببتها هذه الزيارة.
لا شك في أن زيارة الرئيس الأسد لموسكو تعد ضربة سياسية روسية كبيرة تعكس جدية المواقف الروسية تجاه سورية، ورسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن موسكو ثابتة في مواقفها بالنسبة لسورية، وأن روسيا جادة فعلاً في حماية المنطقة من الإرهاب بعد توسعه في المنطقة وعدم قدرة أمريكا والمجتمع الدولي على الحد منه، في إطار ذلك تعهدت روسيا بمواصلة دعم النظام السوري عسكرياً، وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو – في تصريح له بعد ساعات من مغادرة الأسد موسكو- إن الجيش السوري انتقل بفضل الضربات الجوية الروسية من الدفاع إلى الهجوم، وإستعاد مناطق كانت تحت سيطرة مقاتلي د اعش وأضاف أن بلاده تعتزم مواصلة تقديم المساعدة للحكومة السورية، وتهيئة أوضاع تمهد لحل الصراع الدائر في سورية منذ خمس سنوات.
اليوم أصبح القادة الأوروبيون يتحدثون عن قبولهم بدور الأسد في سورية، فأوروبا التي لم تُبْد إعتراضاً قوياً على التدخل العسكري الروسي في سورية، كونها تأمل في أن يحقق الروس ما لم يحاول الأمريكيون إنجازه وتحقيقه، وتحديداً القضاء على داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى، فمختلف الدول الأوربية تضيق ذرعاً من اللاجئين وتخاف من أسلمة أوروبا، وفي نفس الوقت فإن هذه الدول الأكثر تضرراً من تدفق اللاجئين، تجاوزت أوهام الرهان على الحليف الأمريكي في تسوية النزاع السوري، فالأروبيون مضطرون للقبول بالدور الروسي العسكري والسياسي لأن البديل تمدد حريق الدولة الإسلامية ووصوله الى أسوار أوروبا والمنطقة بأسرها، وفي الإتجاه الأخر بدأت أغلب الدول الغربية والعربية بتحفيز سياسية الحوار بدل سياسية السلاح في سورية وهذا ناتج عن قناعة تلك القيادات بأن خطوتها الدموية تجاه سورية قد فشلت وإن صناعتها للإرهاب قد كشفت، لذلك ليس أمامهم إلا الخضوع الى الإرادة السورية والمعارضة السلمية بأن تحديد مصيرها من خلال الحوار فقط، وبالتالي فإن بعض الدول التي كانت سابقاً شريكاً أساسياً بالحرب على الدولة السورية بدأت بالإستدارة والتحول بمواقفها وقامت بمراجعة شاملة لرؤيتها المستقبلية لهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، فمعظم الدول الخليجية يدق الخطر أركانها وأمريكا تلاشت أحلامها في تسيّد المنطقة وتركيا الإتهامات ما تزال تلاحقها بدعم داعش وفتح حدودها اليهم، وفي هذا السياق تم التأكيد على أهمية الضغط على الدول التي توفر الدعم المالي والسياسي والعسكري واللوجيستي للتنظيمات الإرهابية للتوقف عن ذلك إلتزاماً بقرار مجلس الأمن رقم “2170” الذي أصبح ملزماً لجميع الدول والذي يتناقض مع إدعاءاتها بالعمل للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الراهنة في سورية.
بوتين لا يزال يؤكد أن موسكو تنطلق من التطورات الإيجابية في العمليات القتالية، التي تقود في نهاية المطاف إلى التوصل لتسوية طويلة الأمد على أساس عملية سياسية بمشاركة كل القوى السياسية الدينية والإثنية في سورية، والكلمة الأخيرة في هذا الشأن يجب أن تبقى للشعب السوري فقط، وأن روسيا جاهزة لتعاونها ليس فقط في العملية العسكرية والمشتركة ضد الإرهاب الدولي، بل وأيضاً في العملية السياسية، هذا ما أكده بوتين لكل من العاهل السعودي والأردني والرئيس المصري والتركي والذي أبلغهم بنتائج زيارة الرئيس الأسد لموسكو.
لذلك يمكنني القول إن زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو، تؤكد أن هناك تفاهمات تصل إلى حد التطابق بين روسيا وسورية، التي تتزامن مع نجاح موسكو وواشنطن في توقيع مذكرة تفاهم حول ضمان سلامة طيران الجانبين لعدم وقوع حوادث أثناء التحليق والطلعات الجوية في الأجواء السورية، بالإضافة الى المبادرة الأمريكية لبحث سبل تسوية الأزمة السورية سياسيا، ومبادرة كيري التي تقوم على جمع موسكو وواشنطن والرياض وأنقرة وعمان في قمة مشتركة، وأخيراً، إن التدخل الروسي العسكري قلب الطاولات وضبط موازين القوى على الأرض، فالمنطقة تعيش مرحلة ما قبل الحسم والمواجهة، وبالتالي يحاول كل طرف ترتيب موازينه بهذا الإتجاه، على أية حال إن هذه الزيارة بداية لفتح مسارات جديدة على طريق تسوية الأزمة السورية سياسياً خصوصاً بعد تراجع واشنطن وحلفاؤها عن مطلب تنحي الأسد كشرط مسبق لتسوية هذه الأزمة.
التعليقات مغلقة.