الموقف القانوني المصري في مفاوضات حوض النيل / حسين خلف موسى
المستشار السياسي حسين خلف موسى ( مصر ) – السبت 20/6/2020 م …
لاشك أن ملف المياه من الملفات الخارجية الساخنة التى تقترب من درجة الغليان فهو من الملفات الهامة للغاية التى أغفلتها الانظمة السابقة وقدم عليها ملفات أخرى تخدم مصالحه فقط, ولذا فإن ملف المياه من الملفات الشائكة التي ستواجه الحكومة الحالية والتي يجب أن توليه اهتماما بالغا لكونه يتعلق بقضية الأمن القومى المصرى ومستقبل الأجيال القادمة فضلا عن أنه مسألة حياة أو موت للمصريين عموما و نشير فيما يلى إلى المفاوضات و الإتفاقيات التى تمت أيام الإحتلال الأوروبى لدول حوض النيل والتى ترى معظم هذه الدول أن هذه الإتفاقيات غيرملزمة لها الآن بحجة أنها تمت على غير إرادة منها ولم تكن ممثلة فيها وهى : 1- إتفاقية روما الموقعة فى 15 أبريل 1891 بين كل من بريطانيا التى كانت تحتل مصر فى ذلك الوقت وبين إيطاليا التى كانت تحتل أريتيريا وهى تحدد مناطق نفوذ كل منهما فى شرق أفريقيا وتنص فى المادة الثالثة منها على أن : إيطاليا تتعهد بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للرى من شأنها أن تؤثر تأثيرا محسوسا على كمية مياه نهر عطبرة التى تصب فى مياه نهر النيل 2- اتفاقية بروكسل عام فى 21/5/1894 . 3- إتفاقية أديس أبابا فى 15 مايو1902 بين كل من بريطانيا وإثيوبيا , وبين بريطانيا وإيطاليا وأثيوبيا وأريتريا وفى المادة الثالثة من هذه المعاهدة يتعهد ملك أثيوبيا ميكليك الثانى أمام بريطانيا بألا ينشئ أو يسمح بإقامة أى عمل على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنه أن يؤدى إلى تعطيل سريان المياه إلى نهر النيل إلا باتفاق مع حكومة برطانيا وحكومة السودان المصرى البريطانى . 4- اتفاقية 13ديسمبر 1906 ( معاهدة لندن ) بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهى المعدلة لاتفاقية أديس أبابا 1902 السابقة وفى المادة الثالثة منها تتعهد حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية منشآت على نهر سمليكى أو نهر أبانجو والتى من شانها تخفيض كمية المياه التى تصب فى بحيرة ألبرت إلا باتفاق مع حكومة السودان المصرى البريطانى . 5- إتفاقية روما ديسمبر 1925وفيها تعترف إيطاليا بالحقوق المائية السابقة والمكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وتتعهد ألا تنشئ فى أقاليم أعالى تلك الأنهارأو فروعها أو روافدها أية منشأة من شأنها تعديل كمية المياه التى تحملها إلى نهر النيل تعديلا محسوسا والعمل قدر المستطاع وفقا لمصالح مصر والسودان العليا وأن يأتى تصور أي مشروع يُزمع القيام به محققا بدرجة مناسبة الإحتياحات الإقتصادية لتلك الشعوب . . وقد عقدت هذه الإتفاقية بين مصروبريطانيا نيابة عن كينيا والسودان وتنجانيقا وأوغنداوتنص هذه الإتفاقية على : ا-: تحريم إقامة أى مشروع من أى نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التى تغذيها كلها إلا بموافقة مصر وخاصة إذا ماكانت هذه المنشآت ذات صلة بالري أو توليد الكهرباء أو إذا كانت تؤثر على كمية المياه التى تحصل عليها مصر أو على تواريخ وصول المياه إلى مصر أو إذا كانت تضر بمصالحها من أية جهة . ب – لمصر الحق فى الرقابة على طول مجرى النهر من منبعه إلى مصبه وفى إجراء البحوث والرقابة على تنفيذ المشروعات التى تفيد مصر . 6- اتفاقية عام 1929 بين مصر وبريطانيا نيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا وأوغندا جاءت متناغمة مع جميع الإتفاقيات السابقة فقد نصت على : 1- ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أية أعمال رى أوتوليد قوى أو أية إجراءات أخرى على النيل وفروعه أوعلى البحيرات التى ينبع منها سواء فى السودان أو فى البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية والتى من شأنها إنقاص مقدار المياه التى تصل إلى مصر أو تعديل تاريخ وصولها أو تخفيض منسوبها على أى وجه يلحق ضررا بالمصالح المصرية . 2- توافق الحكومة المصرية على ماجاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925وتعتبره جزءا لاينفصل من هذه الإتفاقية . 3- الحكومة المصرية شديدة الإهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التى يسخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصرالطبيعية والتاريخية فى تلك المياه. 4- تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل ويمكمها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصربالإتفاق مع السلطات المحلية
7- الإتفاقية المبرمة فى لندن فى 23نوفمبر1934بين بريطانيا نيابة عن تنجانيقا وبلجيكا نيابة عن رواندا وبروندى والموقعة بشأن نهر كاجيرا : وتنص المادة الأولى منها على : يتعهد الطرفان المتعاقدان على أن يعيدا إلى نهر كاجيرا قبل أن يصل إلى الحدود المشتركة لأى من الدول المحتلة الثلاث أى كمية من المياه يكون قد تم سحبها من قبل لأغراض توليد الكهرباء . فى حين تنص المادة الثالثة منها على : الدولة التى تود استخدام نهر كاجيرا فى أغراض الرى عليها أن تخطر الدول الأخرى المتعاقدة بفترة 6 شهور مسبقا من أجل إعطائها مهلة كافية لدراسة تلك الأغراض وإبداء أى اعتراضات عليها . وكل هذه الإتفاقيات كانت تنص على عدم المساس بحصة مصر التاريخية فى ميا ه النيل وعدم إقامة أية مشروعات بتلك الدول المتشاطئة على النيل والتى من شأنها إحداث خلل فى مياه النيل أو التقليل من كمية المياه التى تجرى فى الأراضى المصرية , ولم يكن السبب فى ذلك من جانب بريطانيا هو الحب الخالص الذى تكنه لمصر وإنما كبح جماح أطماع الدول الإستعمارية مقابل بعضها البعض . 9- المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا فى الفترة مابين يونيه 1952 ويناير 1953 بشأن اشتراك مصر فى بناء سد ( أوين ) حيث اتفق الطرفان على : 1- تعلية خزان هذا السد لرفع منسوب المياه فى بحيرة فيكتوريانالذى من شأنه زيادة حصة مصر من المياه فى حين أن اوليد الكهرباء تستفيد منه كل من أوغمدا وكينيا واتفق الطوفان أيضا على . 2- دفع تعويضات للأهالى بأوغندا بسبب الضرر الذى يقع عليهم جراء هذا العمل . هذا وقد عقدت دول المنبع عدة اجتماعات بكينشاسا وعنتيبى والإسكندرية وشرم الشيخ نتج عنها مايسمى بالإتفاقية الإطارية لدول حوض النيل , وقعت عليها معظم دول حوض النيل مع رفض كلا من مصر والسودان التام لهذه الإتفاقية الإطارية نظرا لحاجة دول المنبع التى ترى أنها غير ملزمة بالإتفاقيات المائية التى تمت أيام الإحتلال فى الوقت الذى تتمسك فيه كل من مصر والسودان بهذه الإتفاقيات , فهل لمصر والسودان من سند أوغطاء قانونى دولى أو حكم قضائي دولى يحميهما من أى عبث فى مقدرات المياه التى تصل إليهما ؟ . # – مشروعية إلزام هذه المعاهدات والإتفاقيات التى تمت أيام الإحتلال لدول الحوض الآن : مصروالسودان لديهما غطاء قانونى دولى يحميها من أي تدخل فى مقدرات المياه : 1- حيث ان مبادئ القانون وأحكام القضاء الدوليين المتمثلة فى المعاهدات الدولية التى تواجه الزعم بعدم الإلتزام بالإتفاقيات التى أبرمت فى عهد الإستعمارقد تناولته اتفاقية فيينا 1978المتعلقة بالتوارث الدولى للمعاهدات واستمرار ماترتبه من آثار مهما تغيرت الأنظمة الحاكمة . حيث تنص المادتان 11 , 12 من تلك المعاهدة بتحديد ورسم الحدود الدولية والوضع الإقليمى والجغرافى حيث لاينال منها أو يمسها تغيير وفق مبدأ التوارث الدولى , وتظل أمثال تلك المعاهدات سارية المفعول وتمثل قيدا على الدولة الوارثة ولايمكن تعديلها أو إلغاؤها إلا باتفاق الدول الموقعةعليها أو وفقا للإجراءات المنصوص عليها فى اتفاقية فيينا من قانون المعاهدات لسنة 1969 . هذا والإتفاقيات والمواثيق الخاصة بالوضع القانونى لنهر النيل لاتحتوى على أى مبدأ استثنائى , بل إنها تؤكد أيضا حقوق دولتى المصب ( مصر والسودان ) التاريخية المكتسبة من جراء إعتمادها الكلى على مياه النيل كمصدر وحيد لهما من أزمان بعيدة .
2- حكم محكمة العدل الدولية عام 1997بين سلوفاكيا والمجر حول أحد المشروعات على نهر الدانوب وقد أكدت المحكمة مبدأ توارث المعاهدات .
3- القواعد التى تحكم مشاركة البنك الدولى فى تمويل أى مشروعات تقام على المجارى المائية الدولية أى التى تمر بأراضى وتقع على شواطئ أكثر من دولة بأن يحصل البنك مسبقا على موافقة أو ممانعة جميع دول الحوض أو مايعرف فى السياق القانونى بالدول المتشاطئة. 4- ماجاء فى المادة 7 من القرار الصادر عن مجمع القانون الدولى عام 1961دورة سالزبورج بخصوص استخدام الموارد المائية الدولية غير الملاحية أنه إذا ثار نزاع فإنه يجب خلال المفاوضات على كل دولة أن تمتنع عن القيام بالأعمال أو الإستخدامات التى تشكل موضوع النزاع أو إتخاذ الإجراءات التى تؤدى إلى تفاقمه أو تجعل الإتفاق أكثر صعوبة
هذا ويلاحظ أن دراسات معهد القانون الدولى التى تمت فى العام 1961والتى استغرقت خمسين عاما من تصنيف القانون الدولى بشأن استغلال الأنهار الدولية للزراعة والصناعة قد وضعت مبادئ أساسية تتعلق بحقوق وواجبات الدول المنتفعة بالأنهار الدولية منها : # – وجوب التعاون فى استغلال مياه النهر . #- عدالة توزيع مياهه . # – وجوب التعاون والتشاور بشأن المشروعات المقترحة . # – وجوب سداد التعويضات المناسبة عن أى ضرر محتمل وقوعه بسبب سوء استغلال أحد الأطراف الآخرين المنتفعين . #- وجوب تسوية المنازعات بين الدول المنتفعة بالطرق السلمية كواجب يمليه حسن الجوار . أما اجتماع هلسنكى الذى عقد فى 1966 فإن جمعية القانون الدولى قد وضعت مجموعة من التشربعات والقواعد لاستغلال وإدارة الأنهار الدولية وحل المنازعات بين الدول المنتفعة فى حالة غياب إتفاقيات محددة أو سوابق خاصة حول استعمالها النهر الدولى الذى تنتفع منه كلها , ومن أهم هذه القواعد والتشريعات : # – أن عدالة توزيع المياه بين الدول المتشاطئة فى النهر الدولى لاتعنى توزيع المياه بنسب متساوية وإنما بنسب تأخذ فى اعتبارها عدة عوامل منها : 1- الظروف المناخية المحيطة بحوض النهر بصفة عامة . 2- الإحتياجات الإقتصادية والإجتماعية لكل دولة من دول حوض النهر . 3- العنصر السكانى . 4- مدى تواجد مصادرأخرى بديلة للمياه مما سبق يتضح أن آراء فقهاء القانون الدولى وأحكام المحاكم الدولية والمبادئ المتضمنة الإتفاقيات الدولية قد اتفق على وجود قواعد بشأن حقوق وواجبات الدول المنتفعة بمياه أو حوض صرف نهر دولى ومن أهمها : 1- أن تمتنع الدول المنتفعة عن تحويل مجرى النهر أو عن إنشاء خزانات أوسدود على النهر من شأنها تخفيض أو التأثير على حصة دول أخرى منتفعة دون التشاور المسبق والإتفاق مع هذه الدول . 2- التعاون واجب بين الدول المنتفعة على أساس احتياجات كل دولة ودرجة اعتمادها على مياه النهر .
والخلاصة أن موقف مصر التفاوضى مع دول حوض النيل بشأن حصتها من مياه النيل يعتمد على الكثير من الإتفاقيات والمعاهدات التى تعود فى مبتداها إلى القرن التاسع عشر مرورا بالقرن العشرين كما يساندها فى ذلك أيضا أحكام المحاكم الدولية واشتراطات البنك الدولى فى تمويل المشروعات التى تقام على مجرى النهر الدولى , وإن كنت أرى أنه لايجب على المفاوض المصرى الإعتماد فقط على الحجج والأدلة القانونية والسوابق القضائية الدولية فى هذا الشأن مهما بدت نصاعتها ووجاهة منطقها ولكن يجب على القيادة السياسية المصرية تنفيذ سياسة إنمائية متكاملة ( اقتصادية – ثقافية – تعليمية – كهرومائية – نقل ومواصلات …………..) مع دول الحوض تعود بالنفع على شعوب هذه الدول جميعا وتنسى هذه الدول حججها فى الوقوف عند البعد الزمنى لاتفاقيات المياه وارتباطها بإرادة الإستعمار الأوروبى لها
التعليقات مغلقة.