البوذية في الأردن.. جدل الحرية الفردية والرفض المجتمعي
الأردن العربي – صبا أبو فرحة ( السبت ) 24/10/2015 م …
إرسالاً لايوجد مقالات حالياًبدأت علاقة الأربعينية الأردنية جاكلين، بالفلسفة البوذية، عبر صديقة دعتها إلى حضور دروس في التأمل، ما دفعها إلى دراسة أكثر تعمقاً للتأمل وأساسه في الثقافة البوذية، فكان أن سافرت إلى التبت في الصين، للدراسة على يد أمهر معلمي التأمل البوذي هنالك.
لا ترغب جاكين في أن تعلن عن أفكارها، فيما يخص التأمل البوذي خشية الرفض المجتمعي، والعائلي، لكنها تجد متنفسا في التعبير عن أفكارها على صفحة “البوذيون العرب” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، التي يصل عدد الأردنيين المنتسبين لها، إلى قرابة 500 شخص، من بين قرابة 3500 منتسب للصفحة، بحسب تصريحات مدير الصفحة لـ”العربي الجديد”.
رفض مجتمعي
في استطلاع رأي غير علمي في منطقة الجامعة الأردنية في العاصمة عمان، على عينة من مئة شاب وفتاة، رفض 90% من المستطلعة آراؤهم فكرة اعتناق أفكار الفلسفة البوذية جملة وتفصيلاً، في حين تحفظ 7% من المستطلعة آراؤهم على الأمر، فيما يعتقد 3% أن الأمر حرية شخصية.
من بين الرافضين، محمود أبو رمان (السنة الثالثة بكلية الطب في الجامعة الأردنية) والذي وصف الأمر بالموضة الثقافية والتي لن تلبث أن تختفي، وتعتقد هدى أبو اردينة (طالبة لغة عربية)، أن هذه “الأمور لا يقوم بها إلا أبناء الطبقة المخملية، لأنهم لا يجدون ما يقومون به”، على حد قولها.
دوافع وأسباب
يرى الدكتور مصطفى كيالي أستاذ علم الاجتماع في جامعة عمان الأهلية، أن الأسباب التي تدعو إلى اعتناق أفكار فلسفية بوذية، قد تكون انتشار العنف الديني في المنطقة، الأمر الذي دفع الشباب للبحث عن أفكار أخرى تمنحهم راحة روحية”، يتابع كيالي المتخصص في أبحاث فلسفة الأديان، وعمل حديثاً على بحث عن البهائية في الأردن:”ربما ساهم انتشار مراكز تعلم اليوغا في الأردن، التي زاد عددها عن المئة مركز في عمان وحدها، في حث الشباب على القراءة عن البوذية، لفهم تعاليم التأمل الخاصة بها، ما أدى إلى زيادة اهتمامهم بها، واعتناق عدد منهم مبادئها”.
ويشدد كيالي على أن الأمر “يحتاج إلى دراسة مستفيضة؛ بسبب عدم توافر إحصاءات تشير إلى عدد الأردنيين المعتنقين تلك الأفكار، لأن معتنقيها بالتأكيد سيخفون الأمر، بسبب الخوف من المجتمع، وما قد يترتب ضدهم من عنف بدعوى أنهم قد تركوا دين الآباء والأجداد لديانة غير سماوية”.
مراكز اليوغا
يبلغ عدد مراكز تعليم اليوغا المسجلة في العاصمة عمان، ثمانية مراكز تم تسجيلها كمراكز ثقافية، فيما تقدم المراكز الرياضية الكبرى في عمان حصصاً في اليوغا.
وتقول مدربة اليوغا ستاليا حمارنة التي تعمل في مركز متخصص باليوغا والتأمل في منطقة جبل عمان (مؤسسة فن الحياة): “نعم، في الآونة الأخيرة زاد عدد من يقومون بتعلم اليوغا في مركزنا، وفي المراكز الأخرى، منهم لغايات الصحة وضبط الأعصاب، ومنهم حتى من لديهم ميول لتعلم واعتناق الديانات الشرقية”، تتابع “لا أرى في الأمر أي تعارض مع قيم وثقافة المجتمع، نحن أشخاص مسالمون، هدفنا الخير والسلام، لكافة البشر”.
وكانت السفارة التايلندية في عمان قد دشنت في عام 2010، المركز الأردني التايلندي للتأمل وتطوير الذات في البحر الميت، الأمر الذي اعتبره حزب جبهة العمل الإسلامي وقتها “مركزاً للتبشير بالعقيدة البوذية”، وهو أمر نفاه المركز جملة وتفصيلاً، واعتبر أن المركز مكان للتحدث عن الثقافة التايلندية، بالإضافة إلى تعليم التأمل، وتطوير الذات بأساليب الطب الشرقي، الذي له فضائل تذكر في العالم كله.
وترى مستشارة السفير التايلندي في عمان ناليفان نغاموكوس، أنه يحق لكل دولة أن تتحدث عن ثقافتها، وتسوق لها في البلد المضيف، وهو ما يقوم به المركز التايلندي في عمان، على حد قولها في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”، تتابع نغاموكوس “نشهد أعدادا كثيرة من الراغبين في تعلم فلسفة التأمل، أو تطوير الذات بالطرق الشرقية، لكننا لا نتدخل في معتقدات الفرد”.
جدل ديني وقانوني
تنص المادة الثانية من الدستور الأردني، على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، وبالتالي فإن الدستور يعترف بالديانات السماوية الثلاث اليهودية، والمسيحية، والإسلام، ولا يعترف بغيرها.
وبحسب الدكتور وليد حمدان أستاذ القانون في الجامعة الأردنية فإن “نص الدستور واضح، فهو لا يعترف بغير الديانات السماوية الثلاث، وبالتالي أي ديانة أخرى خارج نطاق هذه الديانات غير معترف بها رسمياً”، وحول حماية حقوق معتنقي الديانات الأخرى، أجاب: “يكفل الدستور في نصي المادة السادسة والسابعة، حماية حقوق المواطنين، فهم أمام القانون سواسية، لا تمييز في المعاملة بينهم بحكم الدين أو العرق، أو حتى الجنس، وأيضاً يكفل الحرية الشخصية لهم”، يتابع: “وبالتالي، وإن لم يكن معترف بأي دين غير سماوي مما نص عليه سابقاً، إلا أن حقوق معتنقي الأديان الأخرى مصانة قانونياً، وأي متضرر يحق له اللجوء للقضاء لكفالة حقوقه”.
ومن ناحيته؛ يشدد وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني على أن الأردن “بلد ديمقراطي، يحترم الحرية الشخصية، ويصونها بحكم القانون، ولا يسمح لأي شخص بالاعتداء على أي مواطن مهما كانت الأسباب”. فيما يستنكر مدير أوقاف الزرقاء، الشيخ جمال البطاينة، ما يسمى بتعلم الديانة البوذية في الأردن، ويقول في تصريحات لـ”العربي الجديد”:”وردتنا شكاوى في المديرية عن اعتناق عدد من الشباب (لم يذكر عددهم) للبوذية، في أحد مناطق المحافظة”.
ويرى مدير أوقاف الزرقاء أن أفضل حل “لمعالجة اعتناق البوذية، هو ترويج مفاهيم الفكر الإسلامي الوسطي، للحؤول دون عزوف الشباب عن الدين، بما يرونه من تشدد وممارسات يلصقها أصحابها بالدين”.
على الرغم من تلك الجدلية، فإن الأمر لم يمنع الشاب الثلاثيني مصطفى من اعتناق الأفكار البوذية التي يرى أنها لا تتعارض مع الإسلام، فالبوذية فلسفة “إنسانية، وتدعو للسلام والإخاء والمحبة والتسامح”.
التعليقات مغلقة.