أمريكا تُهزم في سوريا وتلعب اّخر أوراقها لتدمير الدولة السورية / المهندس ميشيل كلاغاصي
المهندس ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الأربعاء 24/6/2020 م …
لطالما كانت أفعال الولايات المتحدة في سوريا تدل على أهدافها, بعيدا ًعن أجنداتها الإعلامية, وتصريحات مسؤولييها التي تحمل الكثير من العنجهية والنفاق والقليل من الصدق, ولا يمكن البناء على أفعالها المرئية والمعلنة فقط, ولا بد من دراستها وتحليلها واستشراف ما أمكن من أهدافها المباشرة أو غير المباشرة , وربطها بتاريخها وبسياساتها الثابتة تجاه الدولة السورية بحسب موقعها الجيوسياسي في الفضاء الدولي والإقليمي والمحلي, وبالتالي يمكن للأشخاص العاديين الوصول وببساطة إلى الأهداف الحقيقية التي تسعى إلى تحقيقها دولة كبرى وعظمى كالولايات المتحدة الأمريكية في سوريا , فلا يقعون في فخ تكرار ما يردده الساسة الأمريكيون وماكيناتهم الإعلامية الضخمة, التي استطاعت أن تقدم لشعبها وللعالم عشرات الأهداف المعلنة لسياستها تجاه الدولة والشعب السوري بالطريقة والإسلوب الذي يضمن كل التعمية عن أهدافها الحقيقية.
فمنذ بداية الحرب على سوريا, مارست القيادة بتسخين الأرض من وراء الستار, وأطلقت أيادي وسكاكين تنظيمتها الإرهابية واعتبرتهم “ثوار”, ثم حلقت في الأجواء السورية وتحالفها الستيني, وهبطت لاحقا ً على الأرض وأقامت عشرات القواعد العسكرية لمنع تطور الإنتصارات العسكرية للقوات السورية والإيرانية ومحور المقاومة مجتمعا ًوللحليف الروسي, وقتلت اّلاف السوريين وأطلقت قنابل الفوسفور الأبيض واحتلت ودمرت مدينة الرقة بالكامل, وأطلقت عناوين تغيير النظام, ورسمت لدمشق “الخطوط الحمراء” عبر إدعاءاتها المزيفة لإستخدام السلاح الكيماوي, وأطلقت عشرات صواريخ الكروز والتوماهوك على المواقع السورية العسكرية والمدنية.
واحتلت شرق البلاد من أقصى نقطة في شماله إلى أقصاها في جنوبه, وعملت على منع إلتقاء الجيشين السوري والعراقي والمقاومة العراقية في الحشد الشعبي , كما سيطرت على المثلث السوري – الأردني – العراقي, ودعمت قواعدها في التنف وأحاطت قواتها بحزام إرهابي, أرادت السيطرة على الطريق الصحراوي وصولا ً إلى الحدود اللبنانية لمحاصرة العاصمة دمشق وإسقاطها.
ومع هزائمها العسكرية, استمالت بعض المكونات السورية في الشرق وعلى رأسهم بعض الكرد, وأنشئت ما دعته “قوات سوريا الديمقراطية” وعززت ولائهم بتأييد أحلامهم الإنفصالية, وأقحمت القوات التركية شمالا ً وعززت أحلام أردوغان العثمانية – الإخوانية في المنطقة العازلة وبقضم المزيد من الأراضي السورية, وتأرجحت ما بين المشروعين تحت عنوان القضاء على تنظيم “داعش”.
شعورها بالهزيمة والإرتباك دفعها إلى استهلاك الوقت وابتزاز حلفائها, فأعلنت على لسان الرئيس ترامب موعد إنسحاب قواتها من سوريا, فتدفقت عليها الأموال السعودية والخليجية, واستجلبت الغضب الإسرائيلي, لكن سرعان ما حصل ترامب على ما يريده إسرائيليا ً, في الحد من تطور العلاقات الروسية – الإسرائيلية والتي تعتبر المدخل لإنهاء الحرب على سوريا والعودة إلى مباحثات السلام, وحصل خليجيا ً على الإنبطاح الكامل للدول الخليجية والعربية التي تدور في فلكها, ليطلق صفقة القرن وحفلة التطبيع المذلة للدول العربية مع العدو الإسرائيلي, وبإعلان إعتراف بلاده بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل, وبتأييدٍ أمريكي حذر لضم أراضٍ إضافية من الضفة الغربية إلى سلطات الكيان الغاصب.
وبالعودة إلى الأرض السورية, عادت لإطلاق هدفٍ جديدة بإبعاد الإيرانيين وحزب الله عن الحدود الجنوبية لسوريا عشرات الكيلومترات, ثم تحول إلى أن يتبلور في هدف أكثر وضوحا ً وهو إخراج القوات الإيرانية والمقاومة اللبنانية نهائيا ًمن سوريا.
كما أطلقت أهدافا ًجديدة تحت عنوان مواجهة القوات الروسية في سوريا , وتطور إعلانها مؤخرا ًعلى لسان جيمس جيفري بأن هدف بلاده “جعل سوريا مستنقعا ً للروس”.
وما بين هذا الهدف وذاك , يمكننا الحديث عن الإستغلال الأمريكي لهدفٍ كان قد اعلنه ترامب وهو محاربة “داعش”و القضاء عليه, وأكد تحقيق هذا الهدف, وحدد موعد الإحتفال بالنصر , لكنه تراجع كما تحدثنا سابقا ً, وأطلق هدفا ً جديدا ًومهمة ًجديدة لقواته في سوريا, وهي حمابة اّبار النفط وحقوله من إرهاب “داعش”, تلاه إعلانه عن السيطرة على تلك الحقول والاّبار والتخلي عن عائدات النفط السوري المسروق لصالح قوات سوريا الديمقراطية, وسرعان ما تراجع وأعلن استعداد بلاده لخوض المعارك من أجل الإستحواذ عليه, وخرج مزهوا ًبعدها ليعلن سيطرته على النفط السوري وأنه أصبح في قبضته, وبدأ الحديث عن استجلاب شركات أمريكية وإسرائيلية لإستخراجه ونقله حيثما يشاء.
ولكن يبقى السؤال, ماذا عن سرقة محاصيل القمح والشعير للمزارعين السوريين, وماذا عن حرقها بواسطة البالونات الحرارية التي أطلقتها الحوامات الأمريكية, وماذا عن سرقة الاّثار السورية, وماذا عن منع الدولة السورية من الحصول على الأدوية وأجهزة التصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد, وماذا عن الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لمنع المزارعين السوريين من تسليم محاصيلهم للدولة السورية, وماذا عن الضغط على دولة الإمارات وغيرها لمنعها من مد يد العون إلى السوري, وماذا عن إجبار الأحزاب الكردية على الوحدة والإنتظام في صفٍ واحد مقابل إقحامهم في العملية السياسية لإستغلال اللحظة التاريخية لتقسيم سوريا وأقله للحصول على صك ولادة رسمي للإدارة الذاتية في خطوة على طريق الإنفصال والتقسيم… وايُّ أهدافٍ غير معنونة تلك, والتي يجوز عنونتها بالأهداف الأمريكية واستراتيجية الثروات المنهوبة والأرض المحروقة والتاريخ المسلوب.
وفي زحمة إطلاق الأهداف الأمريكية, ومع قدوم السابع عشر من حزيران الحالي, موعد البدء بتطبيق قانون قيصر لحصار ومعاقبة سوريا ومن يساعدها تحت عنوان “حماية المدنيين السوريين”, يأتي المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا ليعلن حزمة مطالب أمريكية سبق لـ كولن باول أن حملها إلى القيادة السورية, تعكس جملة أهداف قديمة – جديدة جلها مرتبط بالمصالح الإسرائيلية أكثر من إرتباطها بالمصالح الأمريكية.
يبدو أن مجرد استعراض الأفعال الأمريكية في سوريا, يؤكد أن هدفها الرئيسي هو تدمير الدولة السورية, وإقتلاعها من جذورها الممتدة لاّلاف السنين في التاريخ, وانتزاع هويتها وبصمتها, ودورها الحضاري والتاريخي كأعرق دول العالم ومركز الكون والعمود الذي يربط الأرض بالسماء .
ولا بد لجميع السوريين مهما اختلف وتنوعت اّرائهم ومواقفهم , أن يروا بانهم وأرضهم العزيزة الغالية – المقدسة هم الهدف الحقيقي للوحشية الأمريكية ومن يقف ورائها, حيث باتت مشاهد التتريك والتكريد والتهويد مقدمة لمشاهد أخرى تُستباح في الأرض والسيادة والهوية, وباتت الصحوة أمرا ًحتميا ً لكل من تاه وأخطأ بوصلة الزمان والمكان, ولا بد من استعادة الوحدة الوطنية الشاملة, ووضع اليد باليد وطرد المحتل ومعاقبة كل من تجرأ على سوريا العظيمة, التي تستحق كل تضحية, ويليق بها أن تعود حاضرة الشرق والغرب وسيدة الكون.
التعليقات مغلقة.