المواطن الفلسطيني محمود شرفي.. حارس الذاكرة الفلسطينية عبر صفحته على الفيسبوك
عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ينثر، محمود شرفي، من فلسطينيي الداخل، ألوانا من صفحات الذاكرة الفلسطينية، حيث يغوص بعيدا بعمق الانتماء، بحثا عن كل نادرة تسرد أزلية الأرض الفلسطينية وحكايات شعبها.
صور وتسجيلات، ينفض “ِشرفي” عنها تراكم النسيان ويعرضها على صفحته، التي تبدو كفسيفسائية حالمة مفعمة بالحنين والأصالة.
من منزله الكائن في مدينة “باقة الغربية”، الواقعة بمنطقة المثلث بالداخل الفلسطيني المحتلة، بدأ “شرفي” بممارسة شغفه في البحث عن نفائس تاريخ فلسطين، موثقا بالصور والتسجيلات العتيقة والثمينة، إلى جانب عمله كمدرس لمادتي التاريخ واللغة العربية للمرحلتين الإعدادية والثانوية في منطقة النقب (جنوب فلسطين المحتلة عام 1948).
يقول “شرفي” لـ “قدس برس”: “لا يوجد إنسان فلسطيني، داخل الوطن أم خارجه لا يهتم بتاريخ شعبه أو لا يعشق خريطة هذا الوطن، أو تاريخ فلسطين في المجالات كافة”.
ويضيف: “اهتمامي بالتاريخ والتراث الفلسطيني وبكل ما يتعلق ببلادي، ينبع أولا كوني من أبناء هذا الشعب، وأيضا بسبب ما حل بوطننا أيام الانتداب البريطاني، وسنة 1948”.
ويتابع: “خلال تواجدي في منطقة النقب، شاهدت بأم عيني الظلم الواقع على أبناء شعبنا، ومعاناته من أنواع التمييز العنصري كافة، وخاصة أنهم يسكنون في قرى غير معترف بها، ويعانون من التهجير والعنصرية”.
وتحدث “شرفي” عن فترة إقامته في مدينة بئر السبع: “كنت أهوي التجوال في البلدة القديمة، حتى أشاهد البيوت العربية، والتي أصبحت مسكنا للغرباء، كانت حجارة البيوت وشوارعها وأشجارها تتحدث بلغة عربية وتبكي وتحكي معي قصة شعب عريق”.
ويكمل بالقول: “هذه الأمور جعلتني اهتم وأبحر في كل ما يتعلق بتاريخ فلسطين العريق، ما دفعني للقراءة والبحث في كل المصادر من كتب ومجلات وأرشيف وتراث”.
وأردف “لا أضع نفسي في صف الباحثين والمؤرخين، فأنا مجرد محب وباحث متواضع، يسعى بفضول لمعرفة ونشر تاريخ هذا الوطن، الذي يحاول الكثيرين طمس معالمه وحضارته، رغم أهميته ودوره العظيم على مر العصور والحضارات التي مرت واستوطنت به”.
أما كتاباتي – يضيف شرفي لـ”قدس برس” – فكانت موجودة في ذهني منذ أواخر التسعينات، لكنها كانت مختلفة ولا تتجاوز القراءة والبحث والاهتمام.
ويتابع حديثه: “مع بداية انتشار شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة والعديدة، بدأت الفكرة تتبلور أكثر، حينها كنت أنشر بعض المواضيع التراثية البسيطة مع الصور القديمة، وكنت أرى مدى شغف القراء ومحبتهم لذلك، ما شجعني للتفكير في تأسيس صفحة في هذا المجال”.
وأشار إلى أن هنالك الكثير من المصادر كالكتب والمكاتب الجامعية في الداخل المحتل، بالإضافة لزياراته المكثفة للقرى التي هجرت، والتي تعطي نوعا من المصداقية لما انشره، ما جعلني أبحث في تاريخ كل قرية ومدينة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والزراعية كافة.
يقول “شرفي”: “فبلادنا مليئة بالتاريخ والأحداث المهمة على مر العصور، وليس فقط الانتداب البريطاني، وما حصل بعد ذلك لشعبنا من تهجير وطرد ونكبة 1948 و1967 وغيرها من أحداث”.
وعن النكبة يؤكد أنه عاصر الكثيرين ممن عاشوها في قريته، كشهود على ما تعرض له الفلسطينيون، وخاصة في القرى القريبة، والتي هدمت وهجرت مثل قرى قاقون والجلمة ومنشية حمدان وخربة السركس وخربة المجدل ووادي الحوارث وغيرها.
ويخصص “شرفي” حيزا كبيرا من وقته في البحث والقراءة في كتب ومواقع وأرشيفات وزيارات لبعض القرى، بينما تقف عائلته داعمة له، بل أحيانا تعيش بعض ما يكتبه.
في أحد جولاته قبل سنوات يسرد “شرفي” لـ “قدس برس” حكايته مع حجارة حيفا، فيقول شاهدت احد البيوت العربية العتيقة القديمة محاطاً بسورٍ من كل جهاته، وعليه لافتة بالعبرية مكتوب عليها “ممتلكات حكومية”، فجلب نظري وإحساسي الفطري الممزوج بحب الأرض والوطن الحزين.
“كانت حجارته وألوانها، والأعشاب التي تنمو على سطح البيت وبين فتحات جدرانه، والأشجار المتواجدة في ساحته، تروي قصة شعب الجبارين”، يقول “شرفي”.
ويضيف: “وقفت أمام البيت متأملا فيه كعابدٍ ينتظر صلاته، وحلق خيالي في مصير أهله، وأين حلت بهم الأيام والأقدار”.
وفي لحظة غفوةٍ مني، يقول قررت أخذ حجراً من سور البيت، ليبقى ذكرى عندي فحجارته مميزة، وعندما هممت بالسير، دمعت عيناي، وشعرت باختناقٍ شديدٍ وبيدي ترتجفان”.
يقول لقد شعرت وكأني أسرق أمانة صاحب البيت، والذي أجبر على الرحيل ولا ندري أين حل به الترحال؟ وفي أي بلدٍ هو الآن؟ وهل ما زال مفتاح بيته معه يحلم بالعودة اليه؟
يشعر “شرفي” بالارتياح نتيجة التفاعل الكبير من متابعيه ومدى تعطشهم لمعرفة تاريخ أرضهم، فرسائل الدعم التي تصله تزيده حماسة وثقة ورغبة بتقديم الأفضل على صفحته.
يختم حديثه، “ما يهمني أن أرى هذا الجيل أو الجيل القادم، متمسك بهويته ويعرف تاريخه كحاضره، لأنه لا يمكن بناء الحاضر أو المستقبل دون أسس أو قواعد، ولذا يجب على هذا الجيل أن يتعرف على تاريخه فكما يقال (اللي ما له أول ما له ثاني)”.
التعليقات مغلقة.