النفط والحرب.. والاحتكارات الرأسمالية / فهمي الكتوت

 

فهمي الكتوت* ( الأردن ) الأحد 25/10/2015 م …

*كاتب يساري أردني

المطلوب من الدول النفطية ذات الفوائض المالية الضخمة أمريكيّا؛ استنزاف هذه الفوائض وإعادتها إلى الاحتكارات الرأسمالية، خشية من استخدامها مستقبلا في مشاريع إستراتيجية تنموية، تخرج الوطن العربي من حالة التبعية السياسية والاقتصادية للإمبريالية الأمريكية، واستخدام هذه الفوائض في معاقبة الدول التي تخرج عن طوع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت ذاته مناسبة لتحفيز إنتاج الصناعات العسكرية للاحتكارات الرأسمالية.

تُواجه الفوائض المالية للمملكة العربية السعودية استنزافا خطيرا، قُدِّر بحوالي ضعف عجز موازنتها للعام الحالي 2015 المقدرة بـ38.61 مليار دولار. فقد ذكرت صحيفة ” فاينانشيال تايمز” البريطانية “أن السعودية سحبت أكثر من 72.8 مليار دولار من أصولها المالية في الخارج”. ويمكن تفسير ذلك بسببين؛ الأول: انخفاض أسعار النفط عالميا بنسبة تقدر بحوالي 50%، والثاني: زيادة النفقات العسكرية وتمويل الحرب التي تشنها على اليمن، إضافة إلى تمويل الحركات الظلامية. فمن المتوقع أن يصل عجز موازنتها للعام الحالي 2015 إلى حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. وهي من أعلى نسب العجز في العالم. كما تراجعت معدلات النمو الاقتصادي إلى 2.8%. ووفقا لصحيفة “الجارديان” البريطانية، فإن حوالي ربع السعوديين فقراء، وأن نسبة البطالة تصل إلى 12% في دولة تحتل احتياطاتها الأجنبية وموجوداتها من الذهب المركز الثالث في العالم بعد الصين واليابان. واضح أنَّ أصابع الولايات المتحدة الأمريكية كانت ولا تزال وراء كلتا الحالتين.

المطلوب من الدول النفطية ذات الفوائض المالية الضخمة أمريكيّا؛ استنزاف هذه الفوائض وإعادتها إلى الاحتكارات الرأسمالية، خشية من استخدامها مستقبلا في مشاريع إستراتيجية تنموية، تخرج الوطن العربي من حالة التبعية السياسية والاقتصادية للإمبريالية الأمريكية، واستخدام هذه الفوائض في معاقبة الدول التي تخرج عن طوع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت ذاته مناسبة لتحفيز إنتاج الصناعات العسكرية للاحتكارات الرأسمالية.

وبتحريض أمريكي، أقدمت السعودية -أكبر دولة مصدرة للنفط-على زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار، ورفضت منظمة “أوبك” التدخل في تحديد الإنتاج وفق احتياجات السوق، بذريعة مواجهة انتاج النفط الصخري، وهو إنتاج متواضع، لا يشكل تحديا لمنتجي النفط، وتكلفة النفط الصخري مرتفعة جدا، في حين هبطت أسعار النفط العالمية الى اقل بكثير من التكلفة الحدية لبرميل النفط الصخري، بسبب إغراق السوق العالمي بزيادة إنتاج النفط السعودي. إلا أنَّ الهدف الحقيقي وراء خفض أسعار النفط، استنزاف طاقات خصوم أمريكا في العالم، (روسيا، إيران، فنزويلا) وليس استنزاف الشركات الأمريكية المنتجة للنفط الصخري.

هنا.. لا بد من الإشارة إلى أنَّني لست مع رفع سعر برميل النفط من حيث المبدأ، إلا في حال استثمار هذه الأموال في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية تعود نتائجها على مختلف الفئات الشعبية. كما أنَّ التخفيض الحالي لأسعار النفط ليس ناجما عن توجه منظمة أوبك أو السعودية بالحد من المبالغة بأسعار النفط عالميا، التي أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على الفقراء والكادحين والشرائح الوسطى في المجتمع عامة، بارتفاع مختلف السلع الاستهلاكية مدفوعة بارتفاع أسعار النفط باعتبارها مادة ارتكازية. علما بأن تكلفة برميل النفط في منطقة الشرق الأوسط الأرخص عالميا وفقا لتقرير اقتصادي كويتي صادر عن المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية. فإن تكلفة استخراج برميل النفط في السعودية على سبيل المثال تقدر بما بين 1 و2 دولار أمريكي فقط، بينما بلغت التكلفة الإجمالية بما في ذلك النفقات الرأسمالية بين 4 و6 دولارات للبرميل.

أما الإيرادات المالية الضخمة التي تحققها كبريات الدول المنتجة للنفط الناجمة عن الأرباح الخيالية، تعود في نهاية المطاف إلى الاحتكارات النفطية واحتكارات السلاح…وغيرها من الاحتكارات الرأسمالية. وفي زيادة النفقات الجارية وتمويل النفقات العسكرية، وتمويل الحروب وتدمير الوطن العربي، وتفتيت النسيج الاجتماعي. بدلا من استخدامها في انشاء قاعدة مادية اقتصادية، لنقل الوطن العربي من دول متخلفة وريعية استهلاكية، إلى دول منتجة، تضع الوطن العربي على أعتاب الدول المتقدمة. فالولايات المتحدة الأمريكية تخوض معاركها السياسية والعسكرية ضد الوطن العربي بثروات الأمة العربية.

ومن المنتظر أن تخوض أمريكا جولة جديدة من الاستنزاف المالي والاقتصادي للوطن العربي من خلال التحريض على الدور الروسي الذي جاء بعد الفشل الأمريكي المتواطئ مع الحركات الإرهابية التكفيرية الظلامية؛ فقد بدأت أمريكا وحلفاؤها إعداد وتهيئة الرأي العام استعدادا لمواجهة غير مباشرة مع التحالف الروسي الإيراني، لإطالة مدة الحرب في المنطقة، وزج أطراف جديدة فيها، مستثمرة الفوائض المالية العربية لتدمير ما تبقى من مظاهر حضارية وإنسانية في الوطن العربي، وما ورد على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون إلا تأكيد على ذلك حيث اشارت في حديث لها “أنه من الصعب تصور إقامة علاقات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل غموض مستقبل الدول المجاورة لهما كسوريا والأردن”. تصريحات كلينتون اعتراف صريح بما تعد له الإدارة الأمريكية من نهايات للازمة السورية وزج الأردن في أتون حرب مستعرة في المنطقة، خدمة لمصالح العدو الصهيوني، بهدف تصفية القضية الفلسطينية.

في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال الصهيوني اعتداءاتها اليومية على الشعب الفلسطيني واقتحاماتها للمسجد الأقصى، وتغطية هجمات المتطرفين الصهاينة، يتصدى الفلسطينيون للهجمة الصهيونية الشرسة بصدورهم المكشوفة لرصاص العدو دفاعا عن الأراضي والمقدسات الفلسطينية، التي تتعرض للتهويد والاستيطان. في حين يصمت النظام العربي على الجرائم الصهيونية صمت القبور، وتخرج حركات إسلامية، ورموز إسلامية سعودية تعلن النفير في مواجهة الروس والحرب الصليبية في سوريا وليس في فلسطين. لم نسمع بإعلان النفير على العدو الصهيوني، ولم نسمع بالنفير على القوات الأمريكية التي تحتل الوطن العربي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.