إنتحار مثقف / أسعد العزوني
أسعد العزوني ( الأردن ) – الأحد 28/6/2020 م …
يبدو أن المثقفين العرب هم الأكثر رهفا في الإحساس،ولذلك نجدهم عند أول خيبة أمل بهذه الأمة مترامية الأطراف من الماء إلى الماء ،والمستباحة من قبل أعدائها ،ومن تم زرعهم في أوصالها لمثل هذه الأيام،ينهارون أمام الواقع ،وتخذلهم الصدمة فينتحرون تاركين وراءهم أمة تتخبط بهزائمها ،وسوء تصرف أبنائها أو من فرضوا عليها على طريقة تلقيح الثور البري للبقرة المحلية،أو ربما قيام الجحش بتلقيح الفرس فتنجب بغلا،وهذا حالنا.
يزخر التاريخ العربي بظاهرة إنتحار مثقفيه ومبدعيه بسبب عدم الإستعداد لتلقي الصدمة ،وكان الشاعران العربيان طرفة بن العبد وعمر بن كلثوم أول المنتحرين العرب بعد النصف الثاني من القرن السادس الميلادي،وأقدم أبو حيان التوحيدي على الإنتحار في القرن العاشر الميلادي،وبعد ذلك فقدت المحروسة مصر المثقفين المبدعين منير رمزي وأحمد العاصي وفخري أبو السعود وصلاح جاهين وأروى صالح ،بينما فقدت سوريا عبد الباسط الصوفي،ولبنان خليل حاوي وأنطوان مشحور ورالف رزق الله،ومن العراق إبراهيم زاير وقاسم جبارة ومهدي علي الراضي،ومن الأردن تيسير السبول ومن فلسطين فرانسوا أبو سالم ومن تونس الحبيب المسروقي ومن السودان عبد الرحيم أبو ذكرى ومن الجزائر عبد الله بو خالقة وصفية كتو وفاروق إسميرة ومن المغرب كريم حوماري.
رغم أن هذا المقال ليس لتبيان أسباب الإنتحار بين أوساط المثقفين العرب الذين وجدوا انفسم كالأيتام على موائد اللئام،بل أردت منه إرسال رسالة من مثقف عربي متخيل أقدم على الإنتحار وترك على مكتبه رسالة لمن سيقوم بفتح ملف تحقيق وهمي حول أسباب وفاته،يقول فيها أنه لا داعي لبذل مثل هذا الجهد،لأنكم تعرفون سبب موتي ولماذا أقدمت على الإنتحار!
إن إنتحاري هو رسالة لكم وأن ظلمكم لي وتضييقكم عليّ وسد كافة الأبواب في وجهي قد زاد عن حده،ولذلك أردت محاكمتكم غيابيا رغم أنني لن أكون ضمن قاعة المحكمة ،لأنني أسلمت روحي لبارئها فهو الحق والعدل ،أما أنتم فأبناء الشيطان الرجيم وللشيطان تعملون.
أبرز جرائمكم يا أبناء الشيطان أنكم جعلتم الساحة للرويبضة الذي يسبح بحمدكم ولسانه يلهج بالحمد لكم ،ليس لطيبكم بل لأنكم صنعتم منه شيئا وهو الأمي الضعيف الخاوي من الفكر والفقير إلى الفكرة،وجعلتموه سيدا وقدمتموه إلى الصف الأول وأنتم تعلمون قدرته وفاعلية ذخيرته،لكنكم مسرورون لأنه بحجم قبضة يدكم الصغيرة أصلا ،والتي لا تقوى إلا على أمثال هؤلاء الذين لا يعرفون من الوطن إلى المكسب الرخيص ولا عن الوطن إلى كونه ضرع بقرة حلوب،يصله حليبها دون عناء .
الخراب الذي يعم المدينة ولم نتحمله كمثقفين ملتزمين سببه انتم كسراق لصوص وغير أمينين على المدينة ،ولذلك حرصتم على الرويبضة أن يكونوا حراسها وأنتم تعلمون ضعفهم وكم هم جبناء وغير مخلصين ،وهذا ما يبرر إنحطاطنا وتأخرنا عن ركب الأمم،ووقوعنا تحت رحمة أنجس قوم خلقهم الله وهم يهود الذين حرفوا التوراة،وسادوا علينا بسبب خياناتكم وتسليمكم الأوطان لهم.
إني راحل وغير آسف على رحيلي عنكم ،فأنتم نجس الأرض وشرها وخبثها ودرنها،وسوف ألقى الله مرتاح الضمير لأنني لم أطق العيش بينكم يا من تبرأت كل شياطين الأرض منكم ومن أفعالكم.
التعليقات مغلقة.