الوطن العربي وسط زحام الزوابع والعواصف .. ضياع وتشرذم / عبدالحميد الهمشري
عبدالحميد الهمشري ( الثلاثاء ) 30/6/2020 م …
مخاطر جمة تتهدد الكيان العربي برمته ، تقود لتفككه ولشرذمته وتبقيه تابعاً لا يملك قرار نفسه ، وفي حالة ضياع وسط زحام الزوابع والعواصف والأخطار التي تتهدده ، يلهث وراء سراب أهداف يصعب عليه تحقيقها لمعيقات تصوغها مخططات وأجندات مرسومة خطوطها العريضة أساساً في الدوائر المعادية من دولية وإقليمية ، تسهم في بقاء كياناته ضعيفة ويستشري في جنباتها الفساد ، تبقيه أسير تخلف اقتصادي ، سياسي، اجتماعي ، وتنموي ، تهيمن عليها مافيات وعصائب تخدم قوى خفية تبذل جهدها لتحرف بوصلته عن جادة الصواب ووجهتها الصحيحة وتقوده نحو الانسياق الأعمى خلف أوهام قرارات بمحض اختياره لا مناص له منها سوى تنفيذ ما يملى دون نقاش ..
فوطننا العربي منذ بدايات القرن الماضي الذي شهد بدايات تحرر الشعوب ، وهو يتطلع نحو الخلاص الوطني ، لكنه لم يحقق الحد الأدنى لطموحاته رغم امتلاكه لثروات بشرية وإمكانيات اقتصادية هائلة ، وظل استقلال كياناته شكلياً حيث بقي يرزح تحت أعباء التخلف والفساد في مختلف مناحي الحياة ، سياسياً ، اجتماعياً ، تكنولوجياً ، اقتصادياٍ تنموياً ، تعليمياً وتكنولوجيياً لعوامل عديدة أهمها :
– الانقياد الأعمى لرغبات أصحاب النفوذ والقرار الدولي .
– عبث المعسكرات غربيها وشرقها في مختلف أرجائه والداعمة للكيان العبري.
– استئساد الكيان العبري .
– تنمر إيراني.
– هيمنة الطائفية المقيتة .
– شحصنة المصالح .
– غياب التنمية المستدامة .
– غياب التنمية السياسية .
– تجاهل البناء المعرفي.
بطبيعة الحال إذا ما استمر الحال العربي على ما هو عليه ، فإن المستقبل ينبئ بمزيد من الفوضى العارمة والتشرذم والتفكك والضياع ، لصالح جهات خارجية ما زلنا نمكنها من التحكم بسياساتنا ، وبمحض الإرادة ، و من الاستمرار في تمزيق كياناتنا العربية الأشبه ما تكون بدول الطوائف التي أسهمت في انهيار الدولة العربية في الأندلس ، والتي كانت مصدر إشعاع في أوروبا ودرعاً حصيناً للكيانات العربية في الشمال الإفريقي والشرق أوسطي بعد 800 عام من نشوئها .
فما يجري في المنطقة العربية من مخططات غربية ولدت مع بزوغ فجر دولة الخلافة العثمانية التي أولت اهتمامها لردء المخاطر الأوروبية من ناحية الشرق دون الاهتمام بالمخاطر التي تتنامى من نواحي دول أوروبا الغربية التي بدأت تكشر عن أنيابها مع بدء تفجر الثورة الصناعية الأولى ، والتي أصبحت معها ذات احتياجات ماسة لمواد خام وأسواق ترويجية لصناعاتها ، فشقت دروبها للهيمنة البحرية على المنافذ وعباب البحار ، فاسترشدت بمعاونة البحار العربي أحمد بن ماجد العماني للملاح البرتغالي فاسكو دي غاما إلى طريق الهند ، وأصبحت حاجة تلك الدول ماسة لتأمين الطرق البحرية التي تقود إليها ، وفي غفلة من الدولة العثمانية سادت على السواحل البحرية من رأس الزوابع ” رأس الرجاء الصالح ” حتى الهند وشرق وجنوب شرق آسيا مروراً بالقرن الأفريقي فسواحل بحر العرب والخليج العريي. .
فبذور النهضة الأوروبية نشأت مع انتهاء الحروب الصليبية التي استمرت زهاء المائتي عام تقريباً من 1096 حتى العام 1291م .. أعقبتها ثورة صناعية أوروبية دفعتها لأن تطرق أبواب البحار لتوفير المواد الخام لصناعاتها والأسواق لترويجها في بلدان العالمين الأفريقي والأسيوي .. فأوجدت لها مراكز حماية لطرقها البحرية على السواحل الأفريقية والعربية الآسيوية وكذلك البحر المتوسط بالهيمنة على مضيقي جبل طارق وقناة السويس منذ افتتاحها حتى تأميمها في العام 1956م ، وبحر الظلمات “المحيط الأطلسي ” الموصل للعالم الجديد ” الأمريكيتين ” حيث كان العالم العربي يرزح بعد انتهاء الغزو الصليبي والمغولي وعلى مدى أربعمائة عام للأتراك العثمانيين تحت أعباء الفقر والتخلف ، ما مكن فرنسا وبريطانيا من التفكير جدياً بتنفيذ زرع الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية ، وفرض الاحتلال الاستعماري على المنطقة العربية ، لفقدان العرب الرؤى الواضحة التي تمكنهم من مجاراة الأحداث العالمية منذ سقوط دولة الخلافة العثمانية ، فكانوا أسارى لإملاءات الدول التي تملك القرار السياسي والاقتصادي والعسكري في العالم أجمع ، حتى خلفتهما أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية الدولة العظمى التي تتحكم في القرار الغربي والهيمنة الدولية إلى جانب الاتحاد السوفييتي السابق والذي ناب عنه حالياً روسيا بقيصرها بوتين الذي أعاد روسيا للواجهة الدولية من جديد والصين الذي بدأ نجمها بالصعود منذ عدة عقود.
فالحال العربي و منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى ولغاية الآن بوضع لا يحسد عليه ، تتقاذفه العواصف وسهام الغدر والتآمر والتشرذم والهيمنة على مقدراته ، والتي تحيط به من كل جانب وتتمحور ما بين رغبات البيت الأبيض بواشنطن ومخططات وأجندات الكيان العبري الصهيوني ، سواء من الجيران ” إيران ، تركيا ، أثيوبيا ” أم من أصحاب السطوة والنفوذ على المستوى الدولي ، والذين كانت لهم اليد الطولى في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحسم الصراع لصالحها ، حيث أفل نجم دول الخصم والتي تتمثل في دول المحور والتي كبلتها الدول المنتصرة بما لا يمكنها من العودة لبناء قدراتها إلا وفق ما هو مسموح لها بموجب معاهدات الاستسلام التي فرضتها الأطراف المنتصرة على المهزومة ، كالبناء الاقتصادي دون العسكري وبقاء جزء من القوات المنتصرة في ربوعها وتكبيلها بشروط تعجيزية تمنع عنها الصناعة العسكرية أو بناء جيش مقتدر ، وبزغ فجر دول التحالف بريطانيا ، فرنسا ، روسيا التي لولا انتصار واشنطن لها ضد الحلف الآخر ” المحور ” لما حسم الأمر لصالح طرف ، فتسيدت الساحة الدولية وفرضت إرادتها على الجميع ، حتى أن تلك الدول المنتصرة تقاسمت فيما بينها ثمار هذا الانتصار ، وكونتا حلفين متنافسين على السيادة على العالم ، الناتو ووارسو ، واستمر الصراع بينهما فيما أطلق عليه الحرب الباردة أثمرت في نهاية المطاف عن انهيار حلف وارسو الشيوعي وتفكك دولته الرئيسة فيه ، الاتحاد السوفييتي السابق ، الذي أعاد بناءه من جديد قيصر روسيا الجديد بوتين ، الكيانات العربية والاسلامية وسط هذه المعمعة لم تسعفها ظروفها لوضع استراتيجية تمكنها بأن تكون لها الكلمة في إدارة شؤونها أو بناء اقتصادها وفق أسس تمكنها من أن يكون لها دور فاعل على المستوى الإقليمي أو الدولي بل فرض عليها أن تدور في فلك هذين الحلفين المتناقضين ، حيث أن غالبيتها ما زال يدور حول فلك الحلف الغربي ” الناتو ” والذي لطالما رتب أموراً معاكسة تبقيها في حالة تناقض كامل مع شعوبها وفيما بينها ، ما أفقدها ثقة قواعدها وهلهل المجتمع العربي برمته فلا هو قادر على الذود عن حياضه ضد التدخلات الأجنبية في شؤونه ولا هو قادر على اللحاق بركب الحضارة العالمية بل أصبح أسير الرهاب الصهيو أمريكي تبعث بكياناته كما يحلو لها ، فالتحالف الغربي دوما الداعم والحاضن لتوجهات الحركة الصهيونية ودولة اليهود في فلسطين ، وراعياً لمصالحه في المنطقة واحتضانه لتوجهات دول إقليمية تشغله عن الكيان الصهيوني تسير في الفلك الغربي على حساب المنطقة العربية وتتمثل في إيران ، تركيا ، أثيوبيا ، يضاف لها دول أوروبية لها سواحلها على البحر المتوسط قبالة سواحل عربية يجري جزرها بحرياً.
فالعالم العربي خطط له أن يكون هكذا ليبقى تابعاً وفي حالة ضياع وتشرذم نتيجة إنسداد آفاق الحلول لمشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجبر النظام العربي للسير خلف مشاريع خارجية والانصياع والرضوخ التام لمشيئة قوى الهيمنة الغربية والشرقية الداعمة للدولة العبرية ، في ظل محاربة أي مشروع عربي تنموي يمكنه من خلاله أن يرفع المعاناة عنه ويدفع به للحاق بعجلة التقدم والحضارة والتطور في المسرح العالمي ، ومن هنا لابد لنا من الاستقراء والبحث في كثير من الأزمات التي تحكمت وما زالت تتحكم في المنطقة العربية مع الأخذ بعين الاعتبار الأسباب والمسببات والنتائج والبناء عليها فيما يخدم عكس مصالح القوى الاستعمارية ويفتح المجال أمام الأجيال القادمة لتتعلم الدرس جيداً من أخطاء الماضي التي أوصلت كياننا العربي إلى هذا الحال المزري والخطير والذي نجم عنه سلبيات لا تحصى على المدى المنظور والبعيد في حال لم يتم وضع خطط مناسبة لمواجهته وإسقاطه .
التعليقات مغلقة.