“اعترافات” و”اعتذارات” بعد خراب مالطة ( 1+ 2 ) / أ.د.أشرف بيومي

 

 

 

 

 

أ.د.محمد أشرف البيومي* ( مصر ) الأحد 18/1/2015 م …

 

 (1)

 

* نائب رئيس جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية

أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعتي الإسكندرية وولاية ميشجان (سابقا)    

 

 

 

لماذا ينبهر البعض بشخصيات دولية تبوأت مناصبا “مرموقة”، أو حصلت علي جوائز عالمية مثل جائزة نوبل دون الاكتراث لأفعالهم السابقة أوالأجندة الحقيقية  التي ينفذوها رغم تناقضها الصارخ مع الاعتبارات الإنسانية والمصالح الوطنية لشعوبهم ؟

 

يلهث البعض للتقرب من الشخصيات الدولية “المشهورة” في مجالات السياسة والعلم والثقافة والفن بدرجة ملفتة للأنظار. وهكذا تكتسب نصيبا من الأضواء وأشعتها الدافئة المسلطة من قبل الإعلام علي هؤلاء “المشاهير”. وبلغت الرغبة في الوصول لما يسمي بالعالمية (أو علي الأقل التمسح بها عملا بالمثل الشعبي “من جاور السعيد يسعد”) درجة مرضية وجب الانتباه إليها لخطورة ذلك علي الصالح العام.

 

راعني مشهد تسابق بعض “النشطاء” إلي المطار للترحيب ولاستقبال البرادعي مثلاً، كما اندهشت لجلوس بعض “المثقفين” ليستمعوا لمواعظ عن “التنمية” وفي كل المواضيع فيما أسماه المرحوم الدكتور عبد العظيم أنيس ” بمولد زويل” والذي طالب عندئذ “بدقيقة سكوت لله”.

 

يزعم البعض أنهم يجهلون تفاصيل مواقف “المشاهير” السابقة، وهذا نفسه يطرح سؤالا هاماً: لماذا لم يكلف أنفسهم عناء المعرفة؟ إن البحث عن الحقائق هو أول واجب أساسي لاتخاذ موقف من مسألة هامة أو لتأييد شخص لقيادة شعب خصوصا إذا كان هذا الموقف له تبعات وطنية. لماذا لم يتساءل هؤلاء المنبهرون بالعالمية كيف أن هذه الشخصيات بالذات تم اختيارها بناء علي معايير أرستها قوي الهيمنة  للقيام بأدوار ومهام محورية في أوقات حرجة؟ أليس معروفا أن صناعة النجوم في كافة المجالات العلمية والفنية والثقافية والاعلامية والسياسية هي من مهام قوي الهيمنة لاستخدام هؤلاء “النجوم” و”المشاهير” كأدوات تحقق أهدافا بعينها كثيراًما تتناقض مع المصالح الوطنية والمباديء الإنسانية؟

 

 وفي الوقت الذي يهتم إعلامنا بمثل هذه الشخصيات لم يعر أي اهتمام بشخصيات شغلت مناصب كبيرة وهامة في هيئة الأمم المتحدة ولكنها اتخذت مواقف شجاعة ونبيلة فقدموا استقالتهم من مناصبهم الدولية محتجين بشدة علي الجرائم  التي ترتكبها أمريكا ودول غربية أخري تحت ستارالأمم المتحدة في حق الشعوب العربية. أخص بالذكر علي سبيل المثال دينس هاليداي و هانز فون سبونيك الذي شغل كلا منهم منصب سكرئير مساعد لهيئة الأمم ومنسق لبرنامج النفط مقابل الغذاء في العراق.  جريمة الحصار الاقتصادي الكبري التي فرضت علي العراق، أدت لموت المئات من الألوف من العراقيين خصوصا من الأطفال، جريمة تنافت مع القيم الإنسانية. وليس غريبا أن هاليداي وفون سبونيك تبنيا مؤخرا بيان يدين التعذيب الأمريكي في سجون جوانتانيمو وغيرها والذي كان مفضوحاًا لسنوات لمن أراد أن يعرف، وكشف عنه جزئياً تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً.

 

 

 

 

 

(2)

 

 

 

 بالمنطق البسيط هل يمكن لقوي الهيمنة أن تختار أو توافق علي اختيار من يشغل منصبا حساسا وهاما مثل رئيس وكالة الطاقة النووية الدولية (البرادعي) أو مبعوث رسمي من قبل الرئيس الأمريكي للشئون العلمية في مصر (زويل) أو مبعوث خاص لهيئة الأمم للأزمة السورية (الابراهيمي ودي ميستورا) دون ثقتها في امتثال هذه الشخصيات لأولويات وأهداف الإدارة الأمريكية وحلفائها من دول أوروبا الغربية وإسرائيل؟

 

 لقد اختير البرادعي في ظروف حرجة حيث تعتبر الولايات المتحدة أن نجاح إيران في مجال الطاقة النووية تهديدا مباشرا لحليفها الوحيدة في عالمنا العربي وهو الكيان الصهيوني. ألم يصرح البرادعي لشارون (الذي قابله مرحبا في إسرائيل) أنه يتفهم برنامج السلاح النووي الإسرائيلي؟  لماذا لم يتفهم برنامج إيران للاستخدام السلمي للطاقة النووية؟ لقد استقال البرادعي من منصبه كنائب رئيس للجمهورية في وقت حرج ولكنه لم يقدم استقالته عندما كان بوسعه فضح التآمر الأمريكي علي العراق. لقد جدد منصب البرادعي مرتين بينما لم يحدث ذلك لهوزيه بستاني (البرازيلي من أصل لبناني) الذي كان مسئولا عن ملف السلاح الكيمائي لأنه تجرأ ونادي بالتفتيش علي السلاح الكيمائي في الولايات المتحدة نفسها فارتكب بذلك “خطيئة” كبري. ليس من قبل الصدفة أن البرادعي ضمن فقرة صغيرة في تقريره حول عدم اجابة العراق علي اسئلة طلبت الوكالة الاجابة عنها في الثمانينات. واستند باول علي هذه الفقرة بالذات في التقرير المطول الذي دل علي خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل. لقد حصل البرادعي بصفته رئيس وكالة الطاقة النووية علي جائزة نوبل، واحتج علي ذلك أهالي ضحايا القنابل الذرية في هيروشيما ونجازاكي. لماذا الصمت المدهش للوكالة علي استخدام الولايات المتحدة أسلحة اليورانيوم المنضب والتي أصابت الآلاف من العراقيين بإشعاعاتها النووية التي سببت أمراض السرطان والتشوه الخلقي؟ و لماذا جائزة نوبل في هذا الوقت تحديدا؟ ألم يساعد حصوله عليها في انبهار كثير من النخبة واعتبروه لاعبا أساسيا فيما يسمي بالربيع العربي رغم أنه بعيد كل البعد عن مشاكل مصر والمصريين، عجبي كما كان يقول صلاح جاهين! الآن يقول أنه كان يجب أن يكون أكثر حرصاً بعد خراب مالطة (التي دمرها نابليون وجيشه عام 1798 مما أدي إلي هروب أهلها إلي صقلية ولما عادوا إيها وجدوها خراباً). 

 

 

 

أما الابراهيمي فيظهر مؤخرا في إحدي قنوات التليفزيون ليدلي بحقائق نعرفها حول الارهاب في سوريا واستخدام جبهة النصرة للسلاح الكيمائي في خان العسل بشمال سوريا توطئة لتدخل عسكري أمريكي يطيح بالنظام السوري. لماذا لم يعلن هذا من قبل أكان ينتظر موت ألوف إضافية من المواطنين السوريين علي يد الارهابيين؟ لم يذكر الإبراهيمي أنه كان أداة لمحاولة التدخل في الشئون الداخلية السورية وأنه كان يسعي لخلع النظام لحساب عملاء أمريكا. وكيف أنه حاول الانتقاص من السيادة السورية فتصدي له الرئيس بشار الأسد بصلابة وإباء. لماذا لم يفضح أكاذيب وادعائات متعلقة باستخدام السلاح الكيمائي في سوريا؟ يردد البعض مقولة فاسدة وسخيفة بأن اعتذاره الضمني الآن أفضل من عدمه، هل يمكن ان تعود الحياة لهؤلاء المواطنين السوريين وأطفالهم بهذا الاعتذار المفضوح والذي يهدف في الغالب تحسين الصورة.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.