«الروسيافوبيا».. أو إعادة إنتاج كراهية روسيا! / محمد خروب
محمد خروب ( الأردن ) الإثنين 26/10/2015 م …
لم يكن «الفيتو» الروسي (دع عنك الصيني) الذي حال دون تكرار غزو ليبيا ونشر الدمار والفوضى فيها, بعد صدور قراري مجلس الامن 1970 وخصوصاً 1973.. في سوريا, سوى «فصل» من فصول العداء المُتأصل لروسيا لدى الغرب الامبريالي وبعض أصدقائه الذين واصلوا دعم جماعات الارهاب والتطرّف على الاراضي السورية ووفروا لهذه الجماعات من الاسلحة والتمويل والدعم اللوجستي والاعلامي والتحريض الديني وخصوصاً الطائفي والمذهبي, ما لم يتوفر لأي «ثورة» في العالم وعلى رأسها الثورة الفلسطينية (عندما كانت ثورة وحركة تحرر وطني وذات برنامج وطني ينسجم مع قناعات الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف أو المساومة أو التفريط).
تجاوز كارهو روسيا مسألة الفيتو, ولم يعد الدعم الروسي المُعلن تسليحياً وسياسياً ودبلوماسياً, عقبة أمام هؤلاء الذين ظنوا أن «النجاحات» التي سجلتها كتائب وجيوش الارهابيين وخصوصاً في إدلب وجسر الشغور, كفيلة بإسقاط النظام وتهيئة الاجواء «لتركيب» نظام جديد في دمشق ينسف كل ما استقرت عليه خرائط المنطقة ويعيد تشكيل معادلات التحالفات والاصطفافات,على نحو يُجيّر ما وُصِف ذات يوم بالربيع العربي لصالح المشروع الذي تم دحره, وهو الشرق الاوسط الجديد.
في الثلاثين من ايلول الماضي, قامت موسكو بخلط الاوراق وضربت على الطاولة الاميركية والاطلسية (والاقليمية) بقوة وأظهرت من «الانياب» ما جعل أو على نحو أدق ما أجبر «الاطراف» المتناقضة الاهداف والانظمة التي التقت عند هدف إسقاط النظام السوري على إعادة حساباتها وقراءة الملفات من جديد, بعد لم تعد الطريق الى دمشق مُعبّدة (كما ظنوا) وبعد أن سقطت اكثر من غرفة «عمليات», ظن القائمون عليها أن بمقدروهم تسريع عملية «تحرير» دمشق, والمشاركة في احتفالات تنصيب رئيس جديد, يرطن بحقوق الانسان والديمقراطية وتداول السلطة, ويعلن مواعيد «الانتخابات» التي ستكون نزيهة وشفافة وبرقابة و»تمويل» أميركي وأوروبي, ولا مانع من رعاية السيد بان كي مون لها عبر ممثله الخاص الى سوريا, سواء كان «وقتذاك» اسمه ستيفان دي ميستورا أو تم «تعريبه», على غرار ما حدث قبل اربعة عشر عاماً تماماً في افغانستان, وقبل اثني عشر عاماً في العراق ومنذ اربع سنوات في ليبيا.
ما علينا..
ما بعد الثلاثين من ايلول 2015، ليس ما قبله، لكن الجديد فيه ان الحملة الاعلامية الشرسة والمصحوبة بحملة تشويه وأكاذيب وفبركات اعلامية وقصص منسوجة ومستنسخة، اندلعت مباشرة بعد ذلك اليوم الذي قررت فيه موسكو ودمشق قلب الطاولة وإعادة تصويب الاوضاع وإفهام الجميع ان «اللعبة» التي يراد فرضها على المنطقة وبالتالي العالم، مرفوضة وغير قابلة للاستمرار تحت طائلة المواجهة التي اردتم «حَرْفَها» عن اهدافها الحقيقية, ودمجتم بين هدفي محاربة الارهاب الذي هو في حقيقته هدف «وهمي» والهدف الرئيس لكم, هو إسقاط النظام السوري وإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الاوسط كافة وامتداداته العالمية، حيث محاصرة روسيا وتقزيمها ووأد طموحاتها بعالم متعدد الاقطاب هو النتيجة «التلقائية» لإسقاط النظام السوري.
إخْتَرعوا اذاً عدواً جديداً اسمه «روسيا» وغدا الانخراط الروسي المباشر في الأزمة السورية, احتلال وغزو وامتداد لأحلام القياصرة القديم في الوصول الى المياه الدافئة وغيرها من الشعارات المُستنسخة منذ الحرب الافغانية, عندما جيّش الاميركان (اصحاب الكتاب حتى لا ينسيّن أحد) فيها «العرب» من أجل الدفاع عن «الاسلام» ضد الملاحدة الشيوعيين, وانخرط الجميع في حرب «جهادية» اسفرت عن تحرير افغانستان ودحر الملاحدة, ولكن لصالح طالبان والقاعدة ولم يعتذر العرب بل تمادوا واعتبروا انفسهم في معسكر المنتصرين، رغم ان الغرب الامبريالي ابدى ندمه واستخلص الدروس والعبر, ولكن لفترة مؤقتة وسريعة بعد احداث 11 ايلول 2011، لكنه بالمقابل أعاد السيناريو ذاته على الاراضي السورية والليبية وقبلها العراقية والان اليمنية، دون ان يُبدي ولو ادنى حِسٍ اخلاقي او قانوني للجرائم التي يرتكبها بمساعدة رهط من العرب، ضد الشعوب العربية في ليبيا واليمن والعراق وخصوصاً سوريا (دع عنك فلسطين التي لا يراها الاميركيون إلاّ بعيون صهيونية).
ما يقف في «حلق» المنخرطين في حملة التخويف والكراهية ضد روسيا، هو ان الاخيرة تدير سياساتها الدولية (وجوارها الاوروبي) بغير ايديولوجية، لا هي شيوعية, بل لا تتناغم كثيراً مع الاقتصاد الاشتراكي لكنها بعد العقوبات التي فرضها الغرب الامبريالي إثر الأزمة الاوكرانية، بدأت تعيد النظر بالسياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي خضعت لها في عهد يلتسين وبعض حٍقبة بوتين وميدفيديف, في نموذج اقرب الى ما يجري الان في الصين (اقتصاد مختلط) ما يُفرِغ الحملة الاعلامية المناهضة لروسيا من جانب اساس فيها وهو التحريض الديني والضرب, على المشاعر المذهبية الطائفية، رغم ان الارهابيين في داعش والنصرة واحرار الشام وغيرها من الجيوش والكتائب والعصابات، تُهدّد الجميع ولا ترى «الروس» عدواً وحيداً لها.
سياسة «الروسيا فوبيا».. محكومة بالفشل, لأن الانخراط الروسي في الأزمة السورية كشف الكثير من المستور والمخفي, ولهذا تمترس المرتبكون خلف حكاية إزاحة الأسد وان لا دور له, وهو متراس ضعيف سيتم تجاوزه بعد ان تقول «الميادين» كلمتها.. فلننتظر.
التعليقات مغلقة.