أنيس النقاش يكتب: الحرب واقعة لا مفرّ منها بل هي مرغوبة من محور المقاومة وهي ضرورية للكيان الصهيوني لكي يسعى للقضاء على قدرات هذا المحور
أنيس النقاش* ( لبنان ) – الأحد 5/7/2020 م …
* منسق شبكة أمان للدراسات الاستراتيجية …
لا يكاد أسبوع يمرّ على صحافة العدو الصهيوني، أو مراكز أبحاثه أو حتى ما يمكن أن يصدر عن المسؤولين الأمنيين فيه، ولا تصدر عنهم دراسة أو مقالة أو تصريحات، تتحدث عن احتمالات وأبعاد ونتائج الحرب المقبلة. فالعدو، ومنذ النتائج الكارثية لحرب تموز / يوليو، وهو يعدّ العدّة لخوض حرب لا تعيد له قدرة الردع، بل كما يعلن هو تؤدّي إلى القضاء على المقاومة بشكل كامل. لأنه وصل إلى قناعة تقول إن أيّ إضعاف للمقاومة لا معنى له، ذلك أنّ التجربة أثبتت أنّها تستعيد قوّتها، بل تضاعف منها بدعم الحلفاء وبهمّة أبنائها.
التوقّعات لم تعد تنحصر باحتمالات وضرورات خوض هذه الحرب، بل إنّ العدو نفسه بدأ يتحدث عن تهديدات وجودية تواجه الكيان الصهيوني، وبالتفاصيل راح يتحدث عن القدرات الدقيقة لصواريخ المقاومة وقوتها التدميرية، التي تسمح لها بأن تدمر كلّ البنى التحتية بدقّة عالية، وبأن تسيطر حتى على مساحات من أراضي فلسطين المحتلة. ولذلك، بدأت قوات العدو بإجراء مناورات تحاكي عملية تحرير شمال فلسطين من قوات حزب الله، ما يعني اعترافاً ضمنياً بإمكان تحقّق ذلك.
إذا ما أضفنا إلى الجبهة الشمالية لفلسطين ــــــ وهي جبهة جنوبيّ لبنان ـــــــ الجبهة الجنوبية لفلسطين وهي جبهة شمال غزة، التي أثبتت ليس فقط قدرتها على الصمود، بعد حروب صغيرة عدّة، ولكن مدمّرة شنّتها قوات العدو الصهيوني، بل إنها استطاعت لمرّات عدّة أن تفرض إرادة وقف إطلاق النار على العدو، من دون أن يستطيع تحقيق أهدافه، ما يُثبت قدرتها على الردع. كما أن استعداداتها التي يرصدها العدو ويعترف بها، تؤكّد قدرتها على شنّ عمليات هجومية نوعية وكبيرة على الجبهة الجنوبية. إذا أضفنا إلى ذلك، حجم ومتون التقارير التي تحدثت عن خطورة إعادة بناء الجيش العربي السوري لقدراته الدفاعية والهجومية، وحجم استعدادات محور المقاومة في سوريا، وما يقوم به هذا المحور لبناء مقوّمات وجود جبهة قوية وفعّالة، يمكن أن تشارك في أيّ حرب مقبلة، فإنّ ذلك يعني للعدو أنّ الجبهة السورية مرشّحة للمشاركة في أيّ حرب كبرى. ولذلك، لا يخفي واحداً من أهمّ أهدافه، من خلال الاعتداءات على سوريا، بأن يعلن أنّه يستهدف منع قيام هذه الجبهة، وبأنّ كلّ الضغوط الأميركية والعقوبات على سوريا تستهدف التخلّي عن مقوّمات القوة هذه، من خلال ما يقول عنه: بضرورة إخراج قوات الحلفاء في محور المقاومة من الأراضي السورية.
في المقابل، فإنّ المقاومة والمحور عموماً، لا يخفيان أهدافهما بالقضاء على الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين من الاحتلال. هذه الأهداف معلنة في السياسة الإيرانية عامة، ومتجسّدة من خلال التزامها العملي بدعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا، كما في استعداد القوّات المسلّحة في الجمهورية الإسلامية لمواجهة هكذا احتمال. أمّا المقاومة في فلسطين ولبنان، فهي لا تخفي بتاتاً أهدافها في التحرير الكامل، وبأنّها تستعدّ لخوض هذه الحرب الكبرى، وقد عبّر السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، أكثر من مرّة عن هذه الأهداف والاحتمالات والاستعدادات، بل أكّد الجهوزية والقدرات التي تسمح للمقاومة بتدمير كلّ البنى التحتية للكيان الصهيوني، وبتدمير الفرق العسكرية التابعة له، وحتمية الانتصار والصلاة في المسجد الأقصى، كقناعة يقينية لديه، وقد عبّر عن رؤيته المطمئنة لها، بأنّه يرى الصهاينة يحزمون أمتعتهم ويعودون من حيث أتوا.
بين تقديرات العدو وما تعلنه المقاومة ومحورها وتؤكّده، تكون لدينا الحصيلة التالية: أولاً، أنّ الحرب واقعة لا مفرّ منها، بل هي مرغوبة من قبل محور المقاومة الذي يعمل على تحرير فلسطين، وهي ضرورية للكيان لكي يسعى للقضاء على قدرات هذا المحور، ومنعه من تحقيق أهدافه.
ثانياً: إضافة إلى قدرات المقاومة القادرة على خوض معركة الحرب الكبرى، هناك تحوّل كبير في البيئة الاستراتيجية التي شكّلت الحماية الأساسية، بل الدافع الأساسي لقيام الكيان ولاستمراره ولتفوّقه خلال العقود الماضية، ألا وهو موقف الاستعمار القديم، الذي ساعد وأسّس لقيام الكيان، وتحالف الكيان مع الإمبريالية الأميركية، التي ورثت مهامّ الاستعمار القديم في منطقة غرب آسيا، فدعمت الكيان وعزّزت والتزمت بتفوّقه، وخاضت الحروب، وخطّطت للمؤامرات والحروب الجانبية والعمليات السوداء التي تساعد على استمراره وتحافظ على أمنه. إنّ هذه البيئة الاستراتيجية تتعرّض لزلزال كبير يقوّض قدراتها على المناورة وعلى الاستمرار في لعب دور الحامي الأول والأهم للكيان الصهيوني.
فشلت الولايات المتحدة في كلّ حروبها التي شنّتها في العقدين الأخيرين، وكشفت محدودية القوة الأميركية، كما تصاعدت قدرات محور المقاومة في وجهها، من خلال المساهمة الأساسية في إفشال حروبها، وتوجيه الضربات العلنية لها، منها المباشرة وغير المباشرة، ما يجعل محور المقاومة العامل الأساسي في إلغاء القطبية الواحدة الأميركية، وفي كشف محدودية القوة الأميركية، وفي إجبارها على مغادرة الإقليم، تحت شعار إخراجها من غربيّ آسيا. هذا التحوّل، هو الذي أشار إليه الأمين العام لحزب الله، عندما تحدّث عن ضعف «المركز» الذي يدعم الكيان. هذا الضعف الذي تسبّب به، هو هزيمته في حروبه المتعدّدة وأزمته الاقتصادية الحادّة وتفسّخ وحدته الاجتماعية التي شاهدنا، أخيراً، قمّة تمظهرها من خلال الصراعات العرقية والعنصرية أيضاً.
ثالثاً: هناك يقينية وحتمية يؤكد عليهما محور المقاومة، وخصوصاً الأمين العام لحزب الله، بالنصر وبتحرير فلسطين وبالقضاء على الكيان، وعلى الصلاة في المسجد الأقصى، وذلك عبر الإشارة بشكل متكرّر إلى حزم الصهاينة لحقائبهم، كما الطلب لكلّ فصائل المقاومة بأن تسمح لهم بالخروج من فلسطين. وهذا يعني أنّ واحدة من سياسات الحرب ونتائجها، قد حُسمت ولن يكون الانتقام من الصهاينة بالقتل ولا بالحصر من سياسات محور المقاومة، بقدر ما يكون الهدف هو التحرير وإخراجهم من بلاد ليست لهم، والسماح لعودة الفلسطيني إلى وطنه. وهذه واحدة من علامات ما ستنتهجه المقاومة من سياسة، مع نهاية هذه الحرب، كما أنها نقطة كنّا نشير إليها في أكثر من مداخلة بضرورة، أي أن نحدد سياستنا في التعامل مع المستعمرين لفلسطين، أثناء الحرب وبعدها. لأنّ هذه السياسة ستحدّد سلوكيات وطبيعة خوض المعركة، وتحدّد موقفنا السياسي تجاه أنفسنا ومبادئنا وأخلاقنا أولاً، وتجاه الرأي العام والقانون الدولي ثانياً. ونحن نعتبر أنّ تحديد هذه السلوكيات والمواقف السياسية ضرورة لاستكمال الانتصار. ولأنّنا تعوّدنا على أن نخطّط بشمول، وأن نعدّ للخطوات التالية وللمستقبل ولمواجهة الاحتمالات كافّة، يصبح لزاماً علينا أن نسأل السؤال الاستراتيجي والملحّ: ماذا بعد الصلاة في المسجد الأقصى؟
إنّ ما يعنينا هنا، ليس ردود فعل المركز الأميركي ولا الغرب عموماً كردّ على نتائج هذه الحرب، لا أثناء الحرب ولا ما بعد الحرب، لأنّنا أعددنا ما يلزم لمواجهة هذه الاحتمالات. إنّ ما يعنينا هو البيئة الاستراتيجية الإقليمية، وكيف ستتعامل مع نتائج تغيّر الخرائط وموازين القوى في الإقليم. إن دولة كتركيا لا تُخفي طموحاتها الإقليمية، بل تجاهر بها كما تمارس كلّ أنواع التدخل الاقتصادي والعسكري والأمني والدبلوماسي، من أجل إعادة إحياء ما تعتقده ممكناً وهو العثمانية الجديدة، أي بمعنى آخر، عودة الهيمنة التركية على ما تعتقد أنّه العمق الاستراتيجي الذي خسرته نتيجة الحرب العالمية الأولى. تركيا اليوم، تتمركز عسكرياً بجيشها وبمن يتعاون معها من السوريين ومن غير السوريين في الأراضي السورية، ولا تخفي أهدافها بأنها تريد أن تحدّد من يحكم وكيف تحكم سوريا. تركيا اليوم، لديها قواعد في شماليّ العراق، وتحت حجّة محاربة الإرهاب تشنّ الهجمات البرية والجوية، كما أنّها لا تخفي أهدافها تحت عناوين شتى، من قبل حماية التركمان، أو إحياء الميثاق الملّي الذي يضمّ أراضيَ ومدناً عراقية كبيرة، إلى الأراضي التركية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ مفعول الاتفاقيات الدولية التي وقّعتها تركيا لتحديد حدودها وشروط استسلامها للحلفاء، ينتهي عام 2023 بضرورة البحث في كيفية إحياء هذا الميثاق. وهي موجودة في ليبيا والصومال وقطر، ولا تُخفي طموحاتها بتنفيذ ما اتفقت عليه مع الولايات المتحدة بملء الفراغ الذي سينتج عن تراجع أدوار هذه الأخيرة، وإخلائها العديد من قواعدها في المنطقة.
الحرب واقعة لا مفرّ منها بل هي مرغوبة من محور المقاومة وهي ضرورية للكيان لكي يسعى للقضاء على قدرات هذا المحور
مصر الدولة العربية الكبرى، هي مكبّلة اليوم بثلاثة قيود: أولاً، القيد الذي يمنعها من لعب أيّ دور قومي أو إقليمي، نتيجة لاتفاقية كامب ديفيد. كما أنّها مكبّلة، ثانياً، رغم قوتها العسكرية الكبيرة، بمنظومة الدعم والإسناد لقطع الغيار والعديد من الذخائر للإرادة الأميركية، وهي مرهونة، ثالثاً، للدعم المالي الخليجي الذي يحدّد لها الكثير من سياساتها الإقليمية وأدوارها في المنطقة. كذلك، تتعامل مع قوة الكيان الصهيوني كأمرٍ واقعٍ يلعب الدور الأهم في تحديد موازين القوى في المنطقة، وبالتالي يحدّ لها من بعض طموحاتها. كيف لا، وجوهر الاستسلام في اتفاقية كامب ديفيد كان هذا الإذعان لموازين القوى تلك؟
كيف سيكون، إذاً، موقف مصر عندما يحصل كلّ هذا الفراغ والتحوّل في موازين القوى؟ تحرير فلسطين وغياب الكيان الصهيوني عن الخريطة وانتصار قوى مقاومة. لم تبدر خلال كل مراحل النضال، أيّة مبادرة مصرية تدلّ على تعاطفها الودّي حتّى، إن لم نقل السياسي؟ كيف ستعيد حساباتها والولايات المتحدة، التي أعلنت يوماً من مصر ذاتها، أن تسعاً وتسعين في المئة من أوراق اللعبة بيدها، ظهرت عاجزة عن حماية حليفتها وربيبتها الأولى في الإقليم؛ وأنّ البترودولار المطبِّع والمتآمر مع الكيان أصبح أرملاً وحيداً في الإقليم.
بعد الصلاة في المسجد الأقصى، كيف سيكون سلوك تركيا تجاه الإقليم؟ وكيف ستنسج تحالفاتها بناءً على المتغيّرات الناتجة عن هذه الحرب الكبرى؟ هل ستنسجها مع المحور المنتصر، أي محور المقاومة؟ أم ستنسجها مع قوى متضرّرة من هذه التحوّلات، وتلعب على الأوتار المذهبية، كما تتاجر اليوم بهذا الوتر، لكي تنسج تحالفات وتبني محوراً يصطدم بمحور المقاومة؟
كيف ستكون صورة المنطقة والجغرافيا السياسية فيها إثر هذه التحوّلات؟ هل سنبقى على واقع التجزئة القطرية ونتائج «سايكس ــــــ بيكو ــــــ بلفور»، بعدما هُدم أحد أضلعه وهو ضلع «بلفور» ونتائجه في قيام الكيان الصهيوني، بعد التحرير؟ هل ستكون فلسطين المحرّرة هي المحرّك الأهم لإعادة وحدة الإقليم، أم منطقة صراع بين دول وقوى الإقليم؟ هذه الأسئلة لا يمكن إلّا أن تكون على جدول أعمال محور المقاومة، المعنيّ الأول بخوض معركة التحرير، وبالتالي المعنيّ الأول بدراسة واستعداد منتجات هذا التحرير وتداعياته. تحتاج هذه المهمة إلى تفكير خلّاق استراتيجي حضاري واسع الأفق، يضع السيناريوات كافّة من اليوم، ويبدأ بالإعداد لها لمواجهة هذه التداعيات. ونحن نعتبر أنّ هذه المهمة الحضارية السياسية، هي الأصعب والأكثر إلحاحاً، بعدما أتمّ محور المقاومة استعداداته اللازمة لخوض هذه المعركة الكبرى.
بعد تحرير جنوب لبنان، عام 2000، تكرّست معادلة لا شكّ فيها بسبب ما حقّقته المقاومة من وقائع تقول بنجاعتها وبنجاح حزب الله في تحقيق أول انتصار على العدو، يجبره على الانسحاب من أراضٍ عربية من دون قيد أو شرط. كان من المنطق أن تفرض هذه المعادلة طريقة تفكير وإجماع عربي حول هذه الاستراتيجية. لم يحصل ذلك، بسبب تضارب المصالح وارتباط بعض الدول العربية بالمحور الأميركي الذي يدعم الكيان الصهيوني، حتى إنّ هذا الارتباط تحوّل من مجرّد الارتباط بالاستراتيجية الأميركية في المنطقة الى ارتباط بالكيان الصهيوني، وبضرورة حلّ النزاع العربي ـــــــ الفلسطيني، من أجل قطع الطريق على محور المقاومة لمنعه من الاستمرار في إضعاف الاستراتيجيات الأميركية، وخصوصاً بعد فشل أميركا في العراق. وهكذا، شاهدنا موقفاً عربياً، أقلّ ما يمكن القول فيه، إنّه أثناء الحرب على لبنان في عدوان تموز / يوليو 2006، كان ملتبساً، إن لم تدلّ بعض المؤشرات إلى تواطؤٍ مع العدو والتمنّي بهزيمة لبنان ومقاومته.
أثناء الحرب وبعدها، كان في أوساط المقاومة من يعتقد أنّ النصر الذي أُهدي إلى كلّ اللبنانيين وكلّ العرب، يمكن أن يؤسّس الى التفاف حول هذه المقاومة، ويكون مدخلاً لتخفيف حدّة الانقسامات المذهبية والطائفية. يومها، كان رأينا أنّ العكس سيحصل لأسباب علمية، تتعلّق بعلم نفس الجماعات المنفصلة والمنقسمة عن هوية واحدة، إلى هويات عدّة. حزرنا، يومها، أنّ النصر لن يمحو هذه الفوارق بل قد يؤجّجها، وأنّ الدوائر المعادية ستعمل على التفرقة وضرب الأسافين، بهدف السعي إلى الاقتتال بين مجتمعاتنا لإضعاف روح المقاومة أولاً، وحرف بوصلة الصراع نحو صراعات ثانوية تبعدها عن الصراع مع العدو الصهيوني.
بعد عامٍ من الانتصار، خرج سيد المقاومة في أحد خطاباته، محذّراً من هذا الفخ، فقال: «بعد نصر تموز، لم يعد للعدو أيّ أمل في تحقيق انتصارات عسكرية علينا، لم يبقَ له إلا الفتنة المذهبية». لم تمر سوى بضعة أعوام، حتّى انفجر الصراع الدموي تحت عناوين عدّة في سوريا والعراق، وخرجت ظواهر التكفيريين وتمّ تدمير حاضرات عربية كبيرة، من مدن وقرى، والأهم ضربت وحدة المجتمعات، بأبشع وأقصى أنواع العنف الأعمى.
هذه الظواهر، وهذه الكوارث، لم تكن سوى هزيمة استراتيجية علينا أن نتحمّل مسؤوليتها بجرأة، لأنّه لا يكفي أن نحذّر من المؤامرات، بل علينا وضع الاستراتيجيات الكفيلة بمنع المؤامرات من التفجّر على أراضي أوطاننا وبين شعوبنا. علينا أن نعترف بأنّ مجرّد قتال العدو الصهيوني، بل الانتصار عليه، والذي نعتقد يقينياً بأنّه حاصل، فإن ذلك لن يحلّ التناقضات المبثوثة أو الخامدة أو حتى المفعّلة بين شعوبنا وفي داخل مجتمعاتنا، وهي كما رأينا، تناقضات تؤدّي وتسمح للأعداء بالاستثمار فيها وتأجيجها وحتى تنظيمها. وهؤلاء الأعداء ليسوا بالأجانب، بل هم من العرب والمسلمين أيضاً. بعد نصر تموز / يوليو، كان الخامس من أيار / مايو الذي أدى إلى السابع من أيار / مايو، واضطرار المقاومة إلى الدفاع عن نفسها في لبنان.
بعد هزيمة الولايات المتحدة في العراق، وانكشاف العدو الصهيوني أمام محور المقاومة، كان ما سُمي زوراً وبهتاناً، أحياناً بـ«الربيع العربي» وأحياناً أخرى بـ«الصحوة الإسلامية»، واحدة من خطط تحاكي قرارات الخامس من أيار / مايو، والتي أجبرت المقاومة على أن تخوض معركة السابع من أيار / مايو، على مستوى الإقليم، فقبلت التحدّي وانتصرت فيه، لكن بأثمانٍ باهظة. هاتان التجربتان، تضعان أمام أعيننا مستوى أكبر وأخطر من التحدّي، وعلينا أن نعمل بسرعة وذكاء وفطنة ووعيٍ استراتيجي يغطّي كلّ ما يمكن من تجنيده من إمكانات، في استراتيجية متشابكة ما بين الإعلام والتوجيه، وما بين التعبئة الدينية والسياسية، ولكن ليس بمعزل عن الخطاب التوحيدي، بل في صلبه. هذا فضلاً عن استراتيجية تشبيك المصالح في الإقليم، على أوسع نطاق ممكن، لكي يشكّل هذا الأمر الحاضنة والحامية للنصر الآتي على الكيان الصهيوني، وحاميته الولايات المتحدة.
إنّ فعلنا كلّ ذلك، كان نصرنا بائناً وحاسماً، ومقدّمة لنهضة عربية وإسلامية عالمية. وإن لم نفعل كان نصرنا، رغم عظمته وأحقّيته، مقدّمة لخمسة ولسبعة أيار / مايو إقليمي، تتناطح فيه الدول، وليس فقط منظّمات وتشكيلات من هنا أو هناك. هلمّ إلى تشبيك المنطقة، وإلى دعوة جديدة بخطاب جديد وإطارٍ عريض، يجمع أكبر قدر من مقوّمات وقوى هذه الأمّة وخصوصاً في هذا الإقليم المشرقي، قبل فوات الأوان.
التعليقات مغلقة.