سركيس نعوم ( لبنان ) – الخميس 9/7/2020 م …
لا تزال المملكة العربيّة السعوديّة مُهتمّة بلبنان خلافاً لما يظنُّه حلفاؤها فيه رغم انزعاجها الغاضب أحياناً من سكوتهم كما من ردود أفعال من يسعون إلى ودِّها السياسي وغير السياسي رغم علاقتهم الجيّدة بل التحالفيّة مع أعدائها فيه وفي مقدِّمهم “حزب الله”، وعدم رغبتهم في الابتعاد عن سياساته المحليّة والإقليميّة والدوليّة أو بالأحرى عجزهم عن ذلك. وبحسب مُتابعي سياستها من اللبنانيّين فهي لا تُعادي “حزب الله” بل تردّ على عدائه لها وتنفيذه أجندة سياسيّة خطرة عليها لإيران الإسلاميّة، التي رعت تأسيسه وحضنته ووفّرت له كل أنواع الدعم الأمر الذي جعله الأقرب إليها من كل حلفائها في المنطقة بل جزءاً منها. وهي بذلك لا تُعادي الشيعة اللبنانيّين الذين يمثِّل نسبة وافرة جدّاً منهم انطلاقاً من مذهبيّة سُنيّة مُتطرّفة تؤمن بها وتُمارسها في بلادها والمنطقة. وتُعبّر عن ذلك بعدم مقاطعتها رئيس “حركة أمل” ومجلس النوّاب نبيه برّي التي تُشكِّل مع “الحزب” “الثنائي الشيعي” المعروف والوازن جدّاً في لبنان، وبزيارة سفيرها في بيروت له وإن بتقطّع. كما يُظهر هو تمايزاً عن شريكه في الثنائيّة في موقفه منها إذ يحرص على الابتعاد عن التهجُّم عليها إعلاميّاً رغم حرصه على عدم الذهاب بعيداً في ذلك لأسباب مُتنوّعة لا داعي للخوض فيها، إذ أنّ اللبنانيّين يعرفونها. كما تعبِّر عن الموقف نفسه أي عدم استهداف الشيعة ودورهم اللبناني بعلاقتها الجيّدة مع أقليّة فيها تضم مُثقّفين ورجال دين وإعلاميّين، فضلاً عن أنّها لا تُعادي حلفاء إيران وسوريا من المسيحيّين والسُنّة. فزيارات ديبلوماسيّيها للحليف المسيحي الأصدق لـ”حزب الله” رئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية لم تنقطع، وتأييدها انتخابه رئيساً للجمهوريّة قبل قرار “الحزب” أن لا رئيس بلبنان إلّا “الجنرال” عون معروف، وقد ترافق في حينه مع تأييد الفاتيكان والولايات المتّحدة وربّما دول أوروبيّة أيضاً. واستقبالها في الرياض عضو “اللقاء التشاوري” النائب عبد الرحيم مراد لم يُقابله الحزب بالنقد والتنديد وبقطع العلاقة. وما الزيارة التي قام بها في فترة الحجر الإلزامي بسبب وباء “الكورونا” سفير المملكة في لبنان لرئيس الجمهوريّة في قصر بعبدا أي قبل نحو شهرين أو أكثر إلّا دليل على الرغبة في التعاون مع الجميع حلفاء “الحزب” وأخصامه وأعدائه. وقد حضر الاجتماع المستشار الرئاسي الأوّل سليم جريصاتي الذي صار بسبب مواهبه الكثيرة وسيطاً دائماً بين الأعداء ومعهم مثل “حزب الله” وسوريا الأسد والسعوديّة وأميركا. في هذا المجال يؤكّد مُتابعو سياسة المملكة من اللبنانيّين انها لا تتحرّك في لبنان أو في المنطقة انطلاقاً من عواطف طيّبة تجاه الحريري، قد تكون زالت بعد “انضمامه” في رأيها إلى المحور الإيراني المُعادي لها والخطر عليها الذي نقل لبنان من حال الانقسام الطائفي والمذهبيّ الواقعي غير المؤذي مباشرة إلى حال حرب طائفيّة – مذهبيّة – سياسيّة مُتأجّجة. كما أنّه قد ينقله إلى حال عدم استقرار أمني خطير وفوضى مجتمعيّة شاملة ولا سيّما بعد فشل “ثورة 17 تشرين” في إقناع مئات الآلاف من الذين شاركوا فيها بالوحدة الوطنيّة الفعليّة، وبالعمل الجدّي لإقامة دولة مدنيّة (دولة المواطن) تُعيد ثقة شعوبه فيها ومعها ثقة أشقّائه العرب والمجتمع الدولي. كما تمكّنها من إزالة مواقع الفساد المتنوّع ومن بناء اقتصاد وطني لا “تحلبه” طبقات سياسيّة مُصابة بجوع دائم وبأنانيّة مُفرطة رغم شعاراتها الوطنيّة الزائفة. فالعواطف لم تعد عاملاً مركزيّاً في استراتيجيّتها والسياسات التنفيذيّة لها. فهي في صراع مع “عدوّ” يخوضه معها عرب الخليج كلّهم حتّى الذين منهم يناصبونها و”حليفتها” الإمارات العربيّة المتحّدة العداء، وعربٌ آخرون أبرزهم مصر وجهات دوليّة أبرزها وأقواها أميركا. والحساب في الصراع هذا هو أنّ 1 + 1 يساويان 2، وأن المصالح لها الأولويّة وخصوصاً إذا كانت في تقديرها وطنيّة. وسلبية المملكة تجاه “لبنان المُعادي” لها و”لبنان الحليف” لها تنطلق من هذه الحسابات الجديدة. وهي تحاول شرح ذلك للبنانيّين وستستمرّ في هذا الأمر ولن تُقدم على مساعدتهم إذا لم يحترموا مصالحها وأمن الدولة فيها والمواطنين. وهي تعرف رغم كل ما يُعانيه لبنان اليوم أنه غير مُفلس وأن ما وقع فيه كان نتيجة سوء إدارة مُزمنة في المجالات كلِّها، ونتيجة فساد مستشرٍ الأمر الذي أفقده السيولة النقديّة. وهذا أمر يمكن إيجاد حل له في سهولة ولكن شرط أن تكون حكومته أو الحوكمة فيه رشيدة”.
ما وضع الرئيس سعد الحريري الحليف اللبناني الأوَّل سابقاً للمملكة فيها الآن؟
يبدو أنّ حكّامها يُخضعونه استناداً إلى مُتتبّعي سياستها من اللبنانيّين إلى عدد من الامتحانات من دون أن يُطلعوه على ذلك. فهم قدّروا له استقالته وحكومته بعد إنطلاق “ثورة 17 تشرين الأول” رغم تمسّك “حزب الله” ببقائه. وهم قدّروا له رفضه ترؤّس حكومة أخرى بدلاً من حسّان دياب وآخرين ذُكرت أسماؤهم في حينه، وهم مُقتنعون بأنّه لم يخضع لضغوط “الحزب” وإغراءاته في آن ليس فقط لـ”زعله” من رئيس “حزب القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع الذي رفض تسميته في الاستشارات النيابيّة المُلزمة للتكليف التي أجراها رئيس الجمهوريّة لأنّه يرفض أن يأتي بأصوات غالبيّة مؤيّدة لـ”حزب الله” فتصبح حكومته خاضعة له، ويكون في مشكلة مع حلفاء الداخل والخارج فيُصبح في مشكلة أكبر وأكثر تعقيداً. ورفض أيضاً لأنّه يَئِسَ من الرئيس عون وصهره باسيل الذي يريد أن يستخدم الجميع للحلول مكان عمّه في القصر بعد انتهاء ولايته رغم أنهم عملوا معاً وحقّقوا “مكاسب” مُتنوّعة معاً. ورفض لأن اقتراحه تشكيل حكومة تكنوقراط مُستقلّين فعلاً وليس ظاهراً كما هي حال حكومة دياب ووجه برفض من “الحزب”. وأضاف أخيراً سبباً آخر لرفضه العودة هو أنّه ينتظر الانتخابات النيابيّة وسيخوضها وبعدها لكل حادث حديث. لكن رغم ذلك لم تعد المملكة إلى سياسة العطف عليه. لماذا؟ يرجّح المتتبّعون لسياستها أنفسهم أن حكّامها ينتظرون الحكم الذي ستُصدره “المحكمة الخاصّة بلبنان” في قضيّة قتل الرئيس رفيق الحريري ، وينتظرون بعده موقف ابنه سعد من الحكم ودوره في السياسة التي سينتهج وخصوصاً على الصعيد الداخلي. فإذا “انبسطوا” منه “يبسطوه”. وإذا لم يعجبهم يبقى موقفهم منه على حاله. علماً أن تأخير إصدار الحكم قد يكون دافعه الخوف من تأثيره السلبي لبنانيّاً.
التعليقات مغلقة.