فيينا… ومصير الأسد / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي * ( سورية ) السبت 31/10/2015 م …
*عضو منتدى القانون الدولي في جامعة القاهرة …
تتجه الأنظار اليوم نحو العاصمة النمساوية فيينا إثر مشاركة أكثر من20 دولة من بينها دول معارضة وأخرى مؤيدة للرئيس الأسد لحل الصراع في سورية، ويعتبر هذا اللقاء حدث تاريخي، أحدث قفزة نوعية على مسار تسوية الأزمة السورية، خاصة بعد إتساع نطاق الحضور ليشمل إيران والأردن والعراق ولبنان، السؤال المطروح هنا: هل سيكون مؤتمر فيينا مفتاح الحل للأزمة السورية؟ وهل ستكون روسيا وإيران على إستعداد للتخلي عن الرئيس الأسد؟.
منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 وسياسة إدارة أوباما تتسم بالتخبط وعدم وضوح الرؤية، وقد مكَّن موقف أميركا المتأرجح من هذه الأزمة روسيا من التدخل العسكري في سورية الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير وبها أصبح ملحا أكثر من أي وقت آخر ضرورة العمل على إيجاد حل سياسي وتوفير ظروفه وتهيئة أرضيته، فالقصف الروسي للمجموعات المسلحة والمتطرفة مثّل ضغطاً على واشنطن وحلفاؤها لقبول المبادرات الهادفة إلى التوصل لحل سياسي، وبالتّزامن مع هذا القصف، أعلنت أمريكا إلغاء ميزانية تدريب ممن تسميهم المعارضة السورية المعتدلة، مما أحبط الإئتلاف، فالدور السياسي الروسي يكمن في أنه كسر الإحتكار الأمريكي لقضايا المنطقة وكسب أكبر وقت ممكن لتحقيق إنجاز فعلي في الميدان العسكري يستطيع من خلاله فرض أجنداته وأوراقه على طاولة المفاوضات، ومنها إنه لا مساومة على خروج الأسد من السلطة في ظل الظروف الحالية على الأقل، وترى أن ذلك من حق الشعب السوري في تحديد مصيره وإختيار قيادته، وعلى المجتمع الدّولي إحترام إرادة هذا الشعب، فروسيا ترى أن محاربة الإرهاب مدخل للحل السياسي وشرط لنجاحه، وبالتالي فأن الإنخراط العسكري وحضور روسيا المكثّف في سورية حظي بتفويض دولي يساعد على الإسراع في مسار الحل السياسي والتوصل إلى حلٍّ توافقي للأزمة في سورية، كونها الوحيدة من بين كل العواصم الأخرى المعنية بالصراع، وهي المفتاح الرئيسي لحل طلسم المشكلة، والقوة الكبيرة الفاعلة والمؤثرة على ارض الواقع وفي المنطقة.
في سياق متصل إن التطور الذي يشهده إجتماع فيينا اليوم بشأن الأزمة السورية، هو تغيير موقف الكثير من الدول العربية تجاة إيران الحليف الأكبر للأسد ومشاركتها في هذا المؤتمر، فإيران تؤكد بشكل مستمر بأنها تؤيد حلاً سياسياً في سورية لكنها تشترط أن يكون الرئيس الأسد جزءاً من العملية، وهكذا يعتبرها بعض المراقبين الدوليين حالياً أكثر المتمسكين بالأسد، بينما تضع جماعات المعارضة ومؤيدوها الإقليميون ومن بينهم السعودية وقطر وتركيا تنحّي الأسد عن السلطة شرطا مسبقاً للسلام، وبالتالي فإن حضور إيران في هذه المحادثات يشكل إنتصاراً لها خاصة أن الأطراف المعنية بالنزاع باتت تدرك أن إستبعاد إيران الداعمة للنظام السوري غير منطقي وغير مجدي ولن يساهم في حل هذه الأزمة، كما أن أمريكا أصبحت تراهن على إيران لإيجاد الحلول المناسبة لإنهاء الصراع في سورية، لذلك فإن اللقاء الذي تستضيفه العاصمة النمساوية فيينا لمناقشة الأزمة وقبول الأطراف بأن تجلس إيران على طائلة المفاوضات، يعني إتجاه الأطراف لإيجاد حلول سريعة للأزمة السورية، وتضييق فجوة الخلافات، وإنهاء حالة الشد والجذب بين القوى المتصارعة بشأن سورية.
في ذات السياق تكمن أهمية مؤتمر فيينا في أن كافة الأطراف الدولية التي لها دور في إنهاء الصراع موجودة ، وأن المؤتمر هو أفضل فرصة لتحقيق إنفتاح سياسي، لذلك فان دور اللاعبين الخارجيين في الأزمة السورية لا بد أن يقتصر على تهيئة الظروف الملائمة للسوريين في مفاوضاتهم بين الحكومة والفصائل المعارضة، وبالتوازي مع المفاوضات السورية، لا بد نم تحديد الفصائل الإرهابية والجهات المسلحة القادرة على مكافحة الإرهاب والإنخراط في العملية السياسية.
مجملاً…. يتسم الموقف الروسي والإيراني تجاه الأزمة السورية بالتصلب الشديد وإعتبار الحديث عن مستقبل الأسد خطاً أحمر، والخطوة الروسية الإيرانية الأخيرة بإرسال مقاتلين وطيارين إلى سورية هو دليل تعزيز مسار التعاون المستمر بين كل من روسيا وإيران وسورية، وموازاة ذلك فإن روسية لن تخسر معركتها بسهولة، لذا ستحاول تطوير المشهد الميداني، وبالمقابل لن تسمح بتدخل خارجي في الشؤون السورية بأي شكل من الاشكال، لذلك فأن المسألة السورية هي عنصر هام للإستراتيجية السياسية الداخلية للرئيس بوتين، والتي لربما تسهم إنتصار السياسة الخارجية الجديدة لروسيا في إنبثاق عالم جديد, قائم على التعددية القطبية، وبإختصار شديد يبدو أن روسيا ستظل داعمة لنظام الأسد إلى نهاية المطاف، لطالما ساندته خلال الأزمة بكافة أنواع الدعم خشية إنهياره، وقد أخطأ من اعتقد أنها ستتنازل عنه كشرط مسبق لتسوية الأزمة السورية، لهذا فإن روسيا وإيران وحتى إشعار آخر لن تتخليان عن الرئيس الأسد، لا سيما مع إدراك حجم التعقيدات والمداخلات والتحديات الكامنة في المنطقة، وإنطلاقاً من ذلك فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة السورية، خاصة ان الطرح الروسي لحل الملف السوري يدعمه التوافق الإيراني والدول الصديقة، وأن عدداً من ساسة الإتحاد الأوروبي زاروا دمشق مؤخراً وأدلوا بتصريحات دعوا فيها إلى الحل السياسي في سورية.
التعليقات مغلقة.