التفسير السوري لحكمة التسوية / إيهاب زكي

 

إيهاب زكي ( الجمعة ) 30/10/2015 م …

“أدعياء السلفية لا تصلح الحياة معهم ولا بهم”، هكذا قال الغزالي، وقد لا يكون مقصده مما قال ما يوحي ظاهر العبارة، كما هي طريقة السلفية بالتعامل مع ظاهر النصوص. وعلى طريقتهم في التفسير، فإنّ الغزالي يطلب التخلص منهم جميعاً بأي وسيلةٍ كانت، حبساً أو قتلاً حتى تصلح الحياة، ولكن من وجه آخر فالرجل قد يقصد الحياة الفقهية مثلاً، وأن التخلص منهم يتم عبر فتح عقولهم وتحريك راكدها أو تهشيم متكلسها. ولكن ما أود الذهاب إليه هو المعنى الظاهري للنص، ليس افتراءً على نوايا الغزالي، ولكن إنصافاً للواقع، فأدعياء السلفية اليوم هم الوهابية وكل المتفرعات عنها كالقاعدة وداعش والنصرة والقائمة تطول، وبما أن الرئيس الأسد هو ابن هذه المنطقة وسليل ثقافتها، فهو أيضًا يأخذ نص الغزالي على ظاهره، حيث أصدرت الرئاسة السورية اليوم بياناً توضيحياً، قالت فيه أنه لا حلول سياسية قبل القضاء على الإرهاب، أي استحالة الحياة والتعايش مع أدعياء السلفية، وهذا عكس بوتين البعيد الذي حتماً لم يطّلع على رأي الغزالي.

ليس غريباً أن يقوم المتسولون على أبواب النفط، بالتعامل بنمطية ماكرة وسطحية لئيمة، وذلك حين يريدون التحريض على الوجود الروسي في سوريا، فيقومون بإسقاط طبيعة العلاقات الروسية “الإسرائيلية” على العداء السوري “الإسرائيلي”، وصولاً إلى الحلف المقاوم مجتمعاً، باعتبار أن حلف المقاومة يقوم بالتنسيق مع “إسرائيل” عبر روسيا للقضاء على أمل الأمة الأخير “الثورة السورية”، وهم بهذا الطرح يعتمدون على داء أدعياء السلف المتفشي في عقل الأمة، عقلٌ غارقٌ في وحول المذهبية سابحٌ في فضاءات العدم الحضارية، ويتجاهلون أن ما يدعونها بالثورة، ما ابتُدعت إلا لحماية “إسرائيل”، فليس من المنطق أن تقوم “إسرائيل” بمساعدة من يُشكل عليها خطراً، فتعالجهم وتمدهم بالمعلومات والمساعدات، أو أن تقوم أمريكا بدعم من يشكل خطراً على “إسرائيل” سياسياً وأمنياً وعسكرياً، إلا إذا اتخذنا من العقل السلفي سلماً للفهم، حينها سنعتبر أن بإمكان أمريكا أن تقف وقفات لله في سوريا كما قال القرضاوي، رغم أنه لا يعتبر نفسه سلفياً، لكنه أثبت أنه منهم وإن لم يلبس زيهم.

رغم أنه كان نزيل الشاشات الأول ونجمها الثابت، وكان مقرراً على المشاهدين يومياً وكنت أعرفه، إلا إني احتجت إلى “غوغل” كي أتذكر إسم العميد سليم إدريس، وهو آخر العهد بنا بما يسمى بـ”الجيش الحر”، ولم نعد نذكر من بطولات العميد إلا عمليته الاستخبارية الفذة، التي اكتشف من خلالها سر الدعم الروسي لسوريا، وهو تلك الرشوة التي كان يقدمها رامي مخلوف لكلٍ من بوتين ولافروف، وإذا كان قائد بهذه السذاجة من الآباء المؤسسين، فكيف سيكون أسلافه، حتماً كعبدالإله البشير طبعاً، الذي تم إعداده وتدريبه في “إسرائيل”. ورغم أن بوغدانوف لم يعلن عن الأسماء التي قامت بزيارات متتالية إلى روسيا باسم “الجيش الحر”، إلا أن تصريحه كان في معرض السخرية، حيث قال “منذ أسبوعين يأتون ويذهبون، وكلهم يدعي تمثيل الجيش الحر”، وليس من المستبعد أن تقوم روسيا باستقطاب عناصر تائبة ترغب في محاربة الإرهاب إلى جانب الدولة السورية، ولكن المستبعد جداً هو انخراطهم في الجيش السوري واعتبارهم من عديده.

وبما أن ما يسمى بـ”الثورة السورية” بلا رأس وحتى بلا سيقان، فقد بدأ التنابز بالألقاب بين شتاتها، فبعد إعلان بوغدانوف عن تلك الزيارات، بدأ التبرؤ ممن ارتكب تلك الخطيئة، وعلى رأسهم ما يسمى بـ”الائتلاف السوري” حيث نفى حصولها، فيما آخرون لم يؤكدوها علناً إنما ضمناً، حيث أنهم اعتبروا من ذهب إلى موسكو يسعى إلى تشكيل صحوات على غرار الصحوات العراقية، واصماً إياهم بالخيانة، ولكن الحقيقة أن الذاهبين إلى موسكو يعرفون ألا وجود بهذا المسمى “جيش حر” إلا في نشرات الأخبار النفطية، وحتماً أول سؤال يواجهونه في العاصمة الروسية هو من أرسلكم، هل هو الأصيل أمريكا أم بعض الوكلاء الإقليميين كـ”إسرائيل” أو تركيا أم بعض الأتباع كالسعودية أو قطر، إلا أن تكون القاهرة قد أرسلت بعض المتسكعين على شاشاتها قديماً بالزي العسكري باسم ذلك الجيش، في إطار التنسيق بين البلدين والتسارر، حيث قطع الطريق على أدعياء الإعتدال لضرب أدعياء السلف.

إن كل ما يتم الحديث عنه من تسويات ولو بدا أقرب إلى طرف البنان، لن يتم إلا في إطار التفسير السوري لحكمة الغزالي “أدعياء السلفية لا تصلح الحياة معهم ولا بهم”، فقبل تسوية الإرهاب بالأرض وتطهير كل الجغرافيا السورية من وجوده، لا وجود لتسوياتٍ تأخذ على الطاولة ما عجزت عن انتزاعه في الميدان.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.