فيينا والحلّ في سورية
الأردن العربي – كتب عامر نعيم الياس ( السبت ) 31/10/2015 م …
للمرّة الأولى، وبحضور إيران، وبوجود منظّمتين دوليتين، يلتئم اجتماع دوليّ موسّع حول سورية، يضمّ القوى التي لها مصالح وارتباطات بالحرب السورية كافة. 16 دولة تجتمع في قاعة واحدة والهدف المعلن دفع المسار السياسي لحلّ الأزمة السورية قدماً. فهل يضع اجتماع فيينا الحلّ على السكة الصحيحة؟ وهل يمكن اعتباره بمثابة اجتماع لإقرار ما هو متّفق عليه أميركياً وروسياً حول حلّ الأزمة السورية بشكل نهائيّ؟ بمعنى آخر، هل يمكن أن نشهد حلاً للأزمة السورية في القريب العاجل وفي غضون أشهر.
الصين وروسيا والعراق ومصر وعُمان وإيران إلى جانب لبنان، في مقابل الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا وفرنسا والإمارات وغيرها من الدول، فيما يحضر المبعوث الأممي الخاص إلى سورية الاجتماع ويأمل في دفع خطته للحل في سورية وعدم «تفويت الفرصة» بحسب قوله.
الغاية من الاجتماع أوّلاً، الاجتماع بحدّ ذاته، وترسيخ بدء مرحلة جديدة من التفاوض حول سورية ومستقبل الأزمة فيها تضمّ اللاعبين الحقيقيين على الأرض، بغضّ النظر عن إمكانية التوصّل إلى اتفاق من عدمها. فما يجري يعني اعتراف الجميع بالجميع على قاعدة المصالح والميدان والبرامج السياسية وتصوّرات حلّ الأزمة السورية، والاعتراف أيضاً بوجود مساحة مشتركة يمكن البناء عليها، هي التي دفعت هذه الدول ذات الأجندات المتعارضة إلى الاجتماع في قاعة واحدة.
ثانياً، إن الدخول الروسي على خطّ الحرب في سورية أفرز واقعاً مختلفاً في مواجهة السياسة الأميركية التي تراهن على استمرار استنزاف البلاد حتى سقوط الدولة بشكل تلقائيّ، وأفرز أيضاً استنزافاً مضادّاً دفع واشنطن إلى اعتماد «واقعية سياسية» لمواجهة الأمر الواقع الذي جسّده التدخل الروسي في سماء سورية، والاندفاعة البرّية للجيش السوري والقوات الرديفة التي شهد عليها رئيس الأركان الأميركي جوزف دانفورد منذ أيام.
ثالثاً، في بداية أيّ عملية دبلوماسية تفاوضية، يُرفَع السقف إلى الحدود القصوى، ويعكس الخطاب السياسي العام عدم وجود تغيير في مواقف القوى المتحاربة على الأرض، وهو ما يظهر واضحاً في بدايات أيّ عملية تفاوضية متوسطة أو طويلة المدى، خصوصاً إن كانت عملية مصحوبةً بوجود عسكري على الأرض، أو حرب إعادة رسم للخريطة الإقليمية والدولية كما يجري في سورية حالياً، حيث نجد أنفسنا أمام لاعبين كبيرين، روسيا والولايات المتحدة، يراهنان على التوازن الميداني من أجل فرض حلٍّ يحفظ مصالح كليهما بالحد الأدنى على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، من دون أن نغفل رهانات القوى الإقليمية في الحلف الأميركي ممثلةً بأنقرة والرياض واللتين تسعيان بشكلٍ واضح إلى استغلال اللاقرار الأميركي في سورية حتى اللحظة، والذي يحاول اتخاذ موقفٍ وسطي يرضي الجميع ويحتوي ردود فعلهم من دون تحديد الهدف الذي يريده الأميركي من سورية وحربها وحتى سلامها.
كما أسلفنا، فإن أهمية الاجتماع تكمن في أنه يعكس تحوّلاً على صعيد الاعتراف بنفوذ القوى المختلفة على الأرض السورية، وهو ما يمهّد لتشكيل مجموعات عمل من المعسكرين المتقابلين تسعى لبلورة أسس الحلّ على قاعدة بيان «جنيف1»، ورعاية الجهود الأممية شأنها شأن التجارب الأممية السابقة لحلّ الأزمات التي لا يمكن أن تبدأ إن استمر الإصرار على تجاهل بعض القوى والدول الفاعلة في أيّ معركة. هنا نجحت موسكو في مناورتها وحضرت طهران الاجتماع إلى جانب دول أخرى تخالف السياسة الأميركية في سورية وإن كانت في المحور ذاته كمصر وسلطنة عُمان والحكومة العراقية. لكن الحلّ لا يزال بعيداً بشكل نسبيّ، فهو يجري تحت ضغط الميدان وبرامج التسليح المتعارضة، كما أنه يجري تحت عنوانين مختلفين، فموسكو تقول «الحلّ السياسي»، فيما واشنطن والاتحاد الأوروبي يقولان «الانتقال السياسي»، وما بين لعبة الشطرنج الروسية ولعبة البوكر الأميركية مسافة لا يردمها اجتماع موسّع كاجتماع فيينا، لكنه بداية رسمية لتدشين مسار التفاوض حول الحرب في سورية.
الإعلان عن جولة مقبلة:
نقلت «قناة الميادين» عن الخارجية النمسوية أنها ستحضّر لجولة جديدة من محادثات فيينا الأسبوع المقبل، إذ سيلتقي وفدان من «المعارضة» والدولة في سورية.
هذا، ولم تتضح ما هي تركيبة الوفد المعارض الذي سيشارك في اجتماعات فيينا.
** كاتب ومترجم سوري
التعليقات مغلقة.