لبنان من إغتيال رفيق الحريري إلى إغتيال مرفأ بيروت / السفير منجد صالح
ما أشبه اليوم بالبارحة. فالبرغم من وجود خمسة عشر عاما من الفارق الزمني بين الإغتيالين، إلا أن الظروف تتشابه، والتسييس، من أوّل لحظة واحد، وأصابع الإتهام هي ذاتها التي تؤشّر، بوقاحة وفظاظة، نحو جهة أو جهات مُعيّنة، “لغرض في نفس يعقوب”!!!
وعلاوة على ذلك أكاد أن أجزم أن الفاعل هو نفسه، الفاعل واحد، لكن أصابع الإتهام الموجّهة المُسيّرة، المُعدّة أصلا وسلفا، وفي جميع الحالات والظروف، لا تتّجه نحو هذا الفاعل الضليع الخبير بضروب ودروب الإرهاب والقتل والإغتيال والإحتلال والتشريد وإرتكاب المجازر وضمّ الأراضي بالقوة الغاشمة.
المحكمة الدولية عمليّا برّأت قيادة حزب الله والقيادة السورية “لعدم وجود دلائل تشير إلى تورطهما” في عملية الإغتيال. وهذا واضح منذ البداية، أن لا دلائل ولا مصلحة لا لحزب الله ولا لسوريا لإقتراف مثل هذه “الكبيرة”.
المصلحة الكبيرة كانت وما زالت في “عبّ” إسرائيل، من أجل خلط الأوراق على الساحة اللبنانية، وإتهام حزب الله وسوريا إتّهاما جاهزا لكن جُزافا، و”قتل” الشهيد رفيق الحريري لأن إسرائيل يهمّها “قتل” المثل، قتل القدوة، قتل أي شخص يُمثّل قدوة في هذه الأمة العربية وفي هذه الأمة الإسلامية.
رفيق الحريري كان حتى مقتله قد ساعد وصرف على 35 ألف طالب لبناني في جامعات العالم كي يصبحوا كفاءات ومختصين لصالح فائدة أنفسهم وعائلاتهم ووطنهم ووطنهم العربي الكبير، ومن جميع الطوائف اللبنانية دون إستثناء، أي أن برنامج رفيق الحريري الطلابي كان عابرا للطوائف، وهذا لا يروق لإسرائيل ولا تُرحّب بهكذا مثل يُقدّر ويُشكر ويُحتذى.
والدلائل على تورّط إسرائيل في عمليات إغتيال كبيرة وكثيرة ومشابهة وفيرة ومتوفّرة، فقد إغتالت إسرائيل مئات العلماء العراقيين منذ سقوط بغداد حتى يومنا هذا. مئات أساتذة الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلماء في مجال الذرة، إغتالتهم بكاتم الصوت في بيوتهم أو أمام عتبات بيوتهم أو في مكاتبهم في مراكز عملهم أو في الشارع العام.
ووصلت عمليّات إغتيالاتهم الإجرامية إلى الأراضي الإيرانية “المُحصّنة” وإغتالت علماء ذرة إيرانيين في “عقر دارهم”، وسرقت وثائق نووية إيرانية، ومؤخّرا أشعلت النيران في أكثر من موقع نووي واستراتيجي إيراني.
هذا إلى جانب سرقة كنوز أثرية لا تُقدّر بثمن من المتاحف العراقية ومن المؤسسات العراقية، وكأنّها تُريد أن تثأر وتنتقم من نبوخذ نصّر البابلي الذي دمّر دولتهم القديمة وسبى سكانها عبيدا إلى “ميسوبوتاميا”، بلاد ما بين النهرين، حيث مكثوا في السبي إلى أن جاء قورش الفارسي وحرّرهم وأطلقهم.
إغتيال المرفأ أو تفجيره لا يختلف كثيرا عن إغتيال رفيق الحريري، فقد أشارت أصابع الاتّهام الأولية مباشرة إلى حزب الله لتوريطه في الحدث الكبير، وتعالت الأصوات في المطالبة “بلجنة تحقيق دولية”، لولا الموقف الحازم من الرئيس ميشال عون، حتى أمام ضيفه الذي هرع لزيارة لبنان ودخان التفجير لم يخبو بعد.
الرئيس عون أكّد أن لجنة دولية للتحقيق ما هي إلا “لتشتيت الجهد الداخلي للتحقيق” وأصرّ أن يبقى الموضوع لبنانيا داخليّا بحتا، وإلى عدم تدويل القضية وبالتالي تسييسها.
حزب الله من جانبه تعامل مع “المصيبة” بهدوء وحكمة ولكن بحزم تجاه الجهة المعنية بالتفجير، حيث قال السيد حسن نصر الله في خطابه: “أن إسرائيل ستتلقى ردا موازيا للتفجير إذا ما ثبت تورّطها به”.
المحكمة الدولية برّأت، دون مواربة، ساحة حزب الله وسوريا من عملية إغتيال الشهيد رفيق الحريري، رغم بحثهم وتقصّيهم الحثيث على مدى 15 عاما لربط جريمة الاغتيال بهما، لكن دون جدوى.
فالبرغم من البحث في “البر والبحر والجو”، و”بالابرة والخيط”، كما يقال لم يجدوا دلائل تشير الى تورط قيادة حزب الله أو قيادة سوريا، لانهم “يرون الذئب ويقصّون في اثره”، ويتعاملون مع القضية على غرار”عنزة ولو طارت”. ولانهم ذهبوا او اجبروا على الذهاب إلى الاتجاه الخاطئ في الإتهام والتحقيق.
لم يكن لديهم لا “بوصلة ولا اسطرلاب”، وانما دفّة هائمة مُسيّرة. وما زالت هذه الدفّة هائمة تبحث عن موانئ لترسوا بها وتختلق مُتّهمين، متضرّرين أصلا من الإغتيالين، مع العلم أنه حري بها أن ترسو في ميناء حيفا.
كاتب ودبلوماسي فلسطيني
التعليقات مغلقة.