الشهيد المهدي بن بركة، شهيد النضال المستمر… / محمد الحنفي
محمد الحنفي ( المغرب ) الجمعة 6/11/2015 م …
** الإهداء إلى : روح الشهيد المهدي بن بركة ، بمناسبة الذكرى الخمسينية لاختطافه، واغتياله، وإخفاء جثته ، من أجل الوقوف على الحقيقة...
عندما يتعلق الأمر باختطاف الشهيد المهدي بن بركة، واغتياله، وإخفاء جثته، الذي لا يزال مجهول المصير، فإنه يتعلق بجريمة القرن العشرين، التي تفاعل فيها عمل المخابرات الصهيونية، والمخابرات الأمريكية، والمخابرات الرجعية العربية، والمخابرات المغربية.
وهذا التعدد في المخابرات، مبعثه تعدد أبعاد النضال الذي كان يقوده الشهيد المهدي بن بركة.
فهو كان يقود النضال الوطني، في أفق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، في تفاعل أصيل، ووثيق، مع حركة التحرر القومي، والأممي، في أفق بناء الدولة الوطنية، والديمقراطية.
وكان، في نفس الوقت، يقود النضال القومي، الذي يسعى إل تحقيق التحرير، والديمقراطية، في مختلف الأقطار العربية، الذين يتوجان بتحرير فلسطين من القبضة الصهيونية.
وكان يقود النضال الأممي، على مستوى البلدان الإفريقية، والأسيوية، وعلى مستوى بلدان أميريكا اللاتينية، في مواجهة أنظمة الاحتلال، والاستغلال الرأسمالي، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، زعيمة الأمبريالية العالمية في ذلك الوقت.
والعلاقة القائمة بين هذه المستويات الثلاثة، التي كان يتواجد الشهيد المهدي بن بركة في قياداتها الثلاثة، لا يمكن أن تكون إلا علاقة جدلية.
فالنضال الوطني يتفاعل مع النضال القومي، والأممي.
والنضال القومي، يتفاعل مع النضال الوطني، والأممي.
والنضال الأممي يتفاعل مع النضال الوطني، والقومي.
وهذا التفاعل يسعى في اتجاه صيرورة دعم النضال الوطني، والقومي، للنضال الاممي، ودعم النضال القومي، والأممي، للنضال الوطني، ودعم النضال الوطني، والأممي، للنضال القومي، حتى يتحول النضال المتنوع إلى منهك للرأسمال، والاحتلال الأجنبي، والاستيطان الصهيوني للأراضي الفلسطينية، التي تشرد شعبها في كل القارات.
وبما أن الشهيد المهدي بن بركة، كان في مركز قيادة حركة التحرر الوطني، من خلال تواجده في قيادة الحركة الاتحادية الأصيلة، كما كان في مركز القيادة القومية، وفي مركز القيادة الأممية، فإن شخصيته النضالية، كانت تختصر الأبعاد الثلاثة للنضال الوطني، والقومي والأممي، كما كان بوثقة النضال الوطني، والقومي، والأممي، بما يخدم مصالح الشعوب المقهورة، والمستعمرة، والمستوطنة أراضيها.
وفي جميع مستويات النضال الوطني، والقومي، والأممي، في الشخصية النضالية للشهيد المهدي بن بركة، نجد كذلك تفاعل البعد الطبقي، مع الأبعاد النضالية الأخرى: الوطنية، والقومية، والأممية.
والأهداف التي كان الشهيد المهدي بن بركة يسعى إلى تحقيقها، تتمثل في:
1) تحرير الإنسان، والأرض، وطنيا، وقوميا، وأمميا؛ لأن الإنسان، كيفما كان هذا الإنسان، لا يتحقق كيانه إلا بتحريره، وتحرير أرضه؛ لأن تحرير الإنسان بدون تحرير الأرض، لا قيمة له، وتحرير الأرض بدون تحرير الإنسان، لا قيمة له، خاصة، وأن تحرير الإنسان يستلزم تحرير الأرض، كما أن تحرير الأرض يستلزم تحرير الإنسان. والشهيد المهدي بن بركة كان يدرك جيدا هذه العلاقة الجدلية، بين الإنسان، والأرض، وطنيا، وقوميا، وأمميا، نظرا لدور الوعي بالعلاقة بين تحرير الإنسان، وتحرير الأرض، في اكتمال التحرير، وإلا فلا معنى له.
وهذا التوجه الذي نهجه الشهيد المهدي بن بركة، من خلال حركة التحرر الوطني، والقومي، والأممي، هو الذي لفت انتباه المخابرات المغربية، والرجعية العربية، بتنسيق مع المخابرات الصهيونية، والمخابرات الرأسمالية العالمية، بقيادة المخابرات الأمريكية، إلى ما يسعى إلى تحقيقه الشهيد المهدي بن بركة، ليتقرر تتبع حركاته على المستوى الوطني، وعلى المستوى القومي، وعلى المستوى الأممي. وهذا التتبع المتعدد الجهات، والمتكامل، في نفس الوقت، هو الذي أنتج لنا ضرورة اختطافه، وتصفيته، وإخفاء جثته، تحت مسؤولية جميع الجهات، التي كانت تحرص على أن تعرف كل شيء، وتبقى الجهة التي نفذت قرار الخطف، والتصفية، وإخفاء الجثة، مجهولة حتى الآن.
هل هي المخابرات المغربية؟
هل هي المخابرات الصهيونية؟
هل هي المخابرات الرأسمالية؟
وإذا كان الشهيد المهدي بن بركة يدرك جيدا أهمية الربط الجدلي بين تحرير الإنسان، والأرض، فإنه لا بد أن يكون قد أدرك، كذلك، أهمية ربط التحرير، بالديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
فالشهيد المهدي بن بركة، لم يناضل من أجل التحرير فقط، كما قد يعتقد البعض، وإنما ناضل من أجل تحقيق الديمقراطية بالمضامين المذكورة، سواء تعلق الأمر بنضاله الوطني، أو القومي، أو الأممي، والديمقراطية التي ناضل من أجلها، ليست هي الديمقراطية الشكلية، كما قد يعتقد من يدعي أن الديمقراطية الشكلية هي المثل الأعلى للديمقراطية. هذه الديمقراطية التي سماها الفقيد أحمد بنجلون، بديمقراطية الواجهة.
إن الديمقراطية الحقيقية، لا يمكن أن تعكسها ديمقراطية الواجهة، التي ليست إلا مناسبة لتكريس كل أشكال الفساد الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بالإضافة إلى تكريس الفساد الإداري، الذي يتداخل مع الفساد السياسي، في مجتمع محكوم بالاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، التي لا علاقة لها بالديمقراطية الحقيقية، والتي لا تنتج إلا ديمقراطية الواجهة، التي توجه خطابها إلى الخارج.
فالديمقراطية التي ناضل من أجلها الشهيد المهدي بن بركة، هي الديمقراطية التي تتجسد في التوزيع العادل للثروة، بين جميع أفراد الشعب، وبين مختلف مناطق المغرب، وبين المدن، والقرى، وبين الجهات، حتى ينال كل فرد ما يحتاج إليه، على قدر مايقدمه من تضحيات، من أجل المجتمع، وحتى يتلقى كل فرد جميع الخدمات التي يحتاج إليها، في مجالات التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، وغير ذلك، مما يدخل في إطار الخدمات الاجتماعية، وحتى يتمتع كل فرد في المجتمع بحقه من الثقافة، ومن التثقيف الذاتي، ومن أجل أن يساهم كل فرد، من موقعه الطبقي، في تنشيط الحركة السياسية، المنطلقة من اختيارات ديمقراطية شعبية.
ونضال الشهيد المهدي بن بركة، من أجل التحرير، والديمقراطية، لا يعني أنه يقف عند هذه الحدود، بل تجاوزها إلى النضال من أجل العدالة الاجتماعية، التي لا تعني إلا التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، ولتقديم الخدمات إلى جميع أفراد الشعب على المستوى الوطني، والقومي، والأممي.
وإذا ناضل الشهيد المهدي بن بركة من أجل التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فإن ما ركز عليه، بالنسبة للسياق الذي عاش فيه، هو الاستعمار، والرجعية، والصهيونية.
فالنضال ضد الاستعمار بنوعية: المباشر، وغير المباشر، اقتضاه كون المغرب، كان مستعمرا، من قبل الاستعمار الفرنسي، والإسباني، كما كانت العديد من البلدان الإفريقية، والأسيوية، والأمريكية اللاتينية، مستعمرة من قبل الدول الاستعمارية حينذاك. والنضال ضد الاستعمار، الذي كان الشهيد المهدي بن بركة من قادته، بدون منازع، كان وسيلة ناجعة لاستنهاض الشعوب المستعمرة في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية. ونظرا لقدرة الشهيد المهدي بن بركة على إقناع الشعوب بضرورة التحرر من الاستعمار الأجنبي، فإنه تحول إلى قائد أممي، لقيادة حركة التحرر في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.
وقيادته للنضال من أجل انعتاق الشعوب من الاستعمار الأجنبي، جعله من المتصدرين للنضال ضد الصهيونية، على المستوى العربي، والإفريقي بالخصوص، مواجها التغلغل الصهيوني في إفريقيا، وفي غيرها من القارات، والبلدان التي ينقصها الوعي بخطورة الصهيونية، التي اتخذت بعدا عالميا. وهو ما اقتضى أن يصير النضال ضدها ذا طابع عالمي / أممي، مما أكسب الشهيد المهدي بن بركة مكانة خاصة عند العرب بصفة عامة، وفي نفوس الفلسطينيين بصفو خاصة.
وإلى جانب نضاله المتواصل، والمستميت، ضد الاستعمار الأجنبي، وضد الصهيونية، ونظرا لطبيعة حلفاء الاستعمار، والصهيونية من الرجعيين، ونظرا لكون الشهيد المهدي بن بركة تقدميا، ويساريا، فكرا، وممارسة، فإنه، كذلك، قضى حياته مناضلا ضد الرجعية، في مستوياتها المحلية، والقومية، والأممية. فالرجعية لا يمكن أن تكون وطنية، فهي عميلة للاستعمار الأجنبي، وللصهيونية العالمية، والرجعية ترجع بالفكر، وبالممارسة، إلى العهود السحيقة، وتعمل على استغلال الفكر المتخلف، بما في ذلك الفكر الخرافي، وتعمل على أدلجة الدين الإسلامي، حتى يصير في خدمتها، وتستغل الانتماء القبلي، والتعدد اللغوي، وتعدد اللهجات، لتطييف المجتمع، حتى يصير التطييف في خدمتها.
وانطلاقا مما رأينا سابقا، فإن الشخصية النضالية للشهيد المهدي بن بركة، اتخذت ابعادا وطنية، وقومية، وأممية، وسعت إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ونظرا للبعد التقدمي في هذه الشخصية، فإنها وجدت نفسها في مواجهة الرجعية، والاستعمار، والصهيونية، التي يجمعها العداء لكل ما هو تقدمي، وديمقراطي، وتحرري، وعادل؛ لأن طبيعتها تجعلها كذلك، ولأن الاستعمار هو الذي أعد الخطوات، لتمكين الصهيونية من فسطين المستعمرة، والمغتصبة، وأعد الرجعية في البلاد العربية، من أجل وصولها إلى الحكم، بعد استقلال هذه البلدان مباشرة، لمعرفته: أن التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، تتوجه مباشرة إلى استنهاض الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، وجعلها تتمسك بالتحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، كأهداف كبرى، تمكن من تحقيق سيادة الشعب على نفسه، ومن إشراك الجماهير الشعبية الكادحة، عبر الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، في صناعة القرار.
فهل تحقق ما كان يسعى إليه الشهيد المهدي بن بركة قبل اختطافه في 29 أكتوبر 1965؟
وهل لا زالت الحركات المناضلة تسعى إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق تحقيق الاشتراكية؟
أم أن التراجع الخطير الذي استهدف كل شيء في المجتمع، أدى إلى إضعاف الحركات المناضلة، ليصبح هاجسها هو: كيف تحافظ على وجودها؟
إن الاستعمار لم يغادر البلاد التي كانت مستعمرة، إلا بعد أن أعد من يخلفه في كل المستعمرات، حتى يضمن استمرارها في خدمة مصالحه الاقتصادية، والاجتمناعية، والثقافية، والسياسية، في إطار ما كان يسمى في عهد الشهيد المهدي بن بركة، بالاستعمار الجديد، أو ما صار يسمى بعد ذلك بالتبعية للنظام الرأسمالي العالمي.
أما المطالبة بمعرفة حقيقة اختطاف، واغتيال، ومصير جثة الشهيد المهدي بن بركة، لا بد أن تعمل الحركات الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، ومنها حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، كمكون من مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي على أن تتحقق، ولا بد أن يحاسب مقترفوا جريمة الاختطاف، والاغتيال، وإخفاء الجثة عن أنظار العالم، وعن اليسار، وعن أسرته، وعن المغاربة الذين ناضل الشهيد المهدي بن بركة من أجل تمتيعهم بالتحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
فهل يتحقق الكشف عن الحقيقة؟
التعليقات مغلقة.