وعد بلفور وسايكس بيكو … الدرس الذي لا يحفظه أحد منا / علي حتر

 

علي حتر ( الأردن ) الجمعة 6/11/2015 م …

ليست ذكرى وعد بلفور (في 2 تشرين الثاني)، غدا، حدوثة مساء تقصها علينا الجدة حتى نغفو.. مثل قصة ليلى والذئب..

وهو ليس أيضا وعدا أعطته بريطانيا التي لا تملك لليهود رغم أنف من يملكون..

في السنوات الأخيرة أصبحت هذه الذكرى تمُرّ..  دون ان يشعر بها أحد.. وكأن هناك اتفاقا غير معلن لجعلها تمر بصمت.. أرجو وأُقبِّلُ أرجل الشباب أن يقرؤوا هذا حتى النهاية.. بعد ان ألغاه خالد طوقان وأمثاله من مناهج الشباب واستبدله بمصفوفته الشهيرة التي تدعو لممارسة الحب لا الحرب.. رغم ان الطرف الآخر لا يمارس إلآ ألحرب..

انا لست من هواة الإحتفال بالذكريات.. ولكن هذه الذكرى بشكل خاص.. لها معنى معين.. مثل 15 أيار .. وكامب ديفيد ووادي عربة..  يجب أن تبقى ماثلة في أذهاننا أكثر من أعياد ميلاد أبنائنا.. إنها ذكرى بداية انهيارنا.. الذي يجب ان نوقفه عند حد ما..

وفي كل عام يكبر أحد أبنائنا قليلا، ويصبح قادرا على الفهم..  وعلينا أن نعرفه بها.. ونكتبها على قالب الكيك الذي نقدمه له في ذكرى ميلاده.. بدل ان نغني له “هابي بيرث داي تو يو”..

ومع هذه الذكرى لا بد ان نذكر دائما وثيقة بانرمان كامبل (1907) ومعاهدة سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر.. وكلها حصلت بعد وثيقة بانرمان كامبل.. وهي التي نفذت فيها عمليا محاولات تحقيق انهيارنا.. وعدها معاهدة وادي عربة وكعب ديفيد.. لتنفيذها.. ثم الهجمة الكونية على سورية لحسم مسألة ديمومة إسرائيل طنا منهم أنها ستبقى للأبد.. لولا ضاربي السكاكين والمقاليع.. وصمود الجيش السوري وحزب الله والمقاومين في غزة (ليس في قطر طبعا)

وللتذكير فقط.. للشباب الصغار.. وعد بلفور هو وعد قطعه بلفور وزير خارجية بريطانيا لروتشيلد اليهودي، عندما سمح ولاة أمرنا لصاحبة الجلالة البريطانية يومها.. جدة بلير….  بالتحكم بمصائرنا، والوعد هو التزام بريطاني للدول الاستعمارية السبعة التي أصدرت وثيقة كامبل بانرمان التي كتبتها عام 1907 وأوصت بريطانيا بضرورة العمل على زرع دولة غريبة في منطقتنا لمنع دولنا العربية من التطور الذي يهدد مصالح هذه الدول الاستعمارية، وهي بريطانيا واسبانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال وبلجيكا وهولندا. تذكروا هذا: دول المنطقة التي تحاول أن تتخلى عن مسؤولياتها (عدا سورية)..

نفذت بريطانيا بعد انتصار الحلفاء على الآخرين واحتلال المنطقة من تركيا..

وعبر بلفور في وعده، عن عطف صاحبة الجلالة تلك، على “الشعب اليهودي”، ولأنها حنونة عطوفة، وعدت أنها سوف  تساعد هذا الشعب في عملية إنشاء وطن “قومي” له في فلسطين، دون المساس بحقوق “الجماعات المقيمة” في المنطقة.. إلا تشريده وتدمير بلاده.

كلمات دقيقة: اليهود شعب ولهم قومية حتى وهم مجرد أقليات دينية في كل بلاد العالم.. والعرب مجرد جماعات أخرى حتى وهم مجتمعون بشكل طبيعي على أرضهم.. (عدا عن عزمي بشارة وأبو أسامة وصائب عريقات.. فهم متعاونون)..

وفي الحقيقة يجب ان نشكر بلفور لأنه لم ينس عبارة “عدم المساس بحقوقنا”.. التي ما زال حكامنا يرددونها حتى اليوم مع تغيير بسيط في العبارة، لأن  حكام الدول العربية يقولون اليوم: “عدم المساس بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.. (إنه القرف فعلا.. لأنه ما من حاكم واحد يجرؤ على تعريف هذه الحقوق.. وإنني أفضل عبارة بلفور التي صدرت عنه رغم كذبه.. عن العبارة الأخيرة تخرج عن حكامنا وعن زلم السلطة رغم صدقهم المفروض علينا بالقوة”..)

طبعا نحن لا نتوقع غير ذلك من بريطانيا.. وهي منبع الفكر الصهيوني الداعي عقائديا لتجميع اليهود في فلسطين منذ بدايات القرن السادس عشر.. كما ان نشاطات هرتزل أيامها في تسعينات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهو الساعي لإنشاء دولة اليهود.. ووعده الأروبيين “بجر رجل امريكا” إلى الحرب إلى جانب بريطانيا وفرنسا.. ووعده بالقروض اليهودية ووعده بدفع اليهود الشرقيين للوقوف ضد تحالف روسيا مع المانيا.. عززت كل توجه ثقافي وعقائدي لدى البريطانيين لمساعدة اليهود وإصدار هذا الوعد..

على فكرة.. إن هرتزل عمل منفردا ومن موقع غير رسمي لصالح اليهود أكثر مما فعل لصالح الأمة العربية كل من حكموها في القرن العشرين.. وربما الواحد والعشرين..

وأريد ان اثير ملاحظة هامة.. للذين يخافون هذه الأيام من أسلحة امريكا وقوتها ويتعللون انهم لن يفعلوا شيئا حيالها.. ان ايام بلفور كانت ما زالت نسبيا أيام الفرسان.. ولم يكن فيها قنابل نووية او غازات او قنابل وصواريخ تطلق من آخر الدنيا.. ومع ذلك تآمر أصدقاء بلفور -ممن يعتبرون أنفسهم أهلنا- على شعبنا، ومرّ وعد بلفور دون ان يقاومه كل من كان يطمع بكرسي.. رغم سهولة ترتيب المقاومة في ذلك الزمن..

وبالتوازي مع الإتصالات التي كانت تجري لإصدار هذا الوعد، كان يتم تبادل مراسلات الشريف حسين / مكماهون، والتي كانت تتعهد فيها بريطانيا للشريف حسين بتنصيبه ملكا على بلاد الشام إذا تحالف معها للثورة على الحكم العثماني.. وهنا لا بد ان نؤكد على أن بريطانيا قالت في إحدى رسائل مكماهون أنها.. ودون أن تبدي الأسباب..  ستستثني من الأراضي التي ستضعها تحت حكم الشريف، المنطقة الغربية من سوريا.. والتي أصبحت فيما بعد فلسطين بشكلها الذي سلم لليهود.. ولم يكن الشريف الهاشمي يطلب تثبيت الوعود على شكل معاهدات..

وفي نفس الوقت تماما.. كانت بريطانيا الماكرة (كما كانت تسميها حليفتها فرنسا) تجري مفاوضات مع الأمير عبد العزيز آل سعود.. وتعده بعكس ما تعد به الشريف حسين وخاصة فيما يتعلق بحكم الجزيرة العربية.. وذلك هذا الأمير كان يصر على أن يصاغ كل ما يقال له على شكل معاهدات مكتوبة وموقعة.. رغم أنه تعهد بعدم الاعتراض على منح فلسطين لليهود..

كذلك السلطان عبد الحميد وقبل وعد بلفور وقبل هزيمة تركيا كان يسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين وبناء المستوطنات..

وفي نفس الوقت كانت فرنسا وروسيا تجريان مفاوضات مع جمال باشا الوالي العثماني على المنطقة لإغرائه بالإستقلال عن أمه الإمبراطورية العثمانية الضعيفة والوقوف مع الحلفاء ضد ألمانيا.. 

وفي نفس الوقت.. كانت بريطانيا وفرنسا تجريان مفاوضات بدون علم الآخرين.. لاقتسام المنطقة فيما سمي لاحقا باتفاقية سايكس – بيكو.. وهي المعاهدة التي لم يتم تنفيذها فورا، ولكن  بعد الحرب العالمية الأولى، نفذت ضمن اتفاقات جديدة مبنية عليها في مؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر..  لأن الثورة البلشفية في روسيا فضحت هذه المعاهدة وأعلنتها على الملأ بكل ما فيها من قذارة وانحطاط اتصف بهما المستعمر الغربي ويتصف بهما حتى يومنا هذا..

وفي الوقت نفسه وعد تشرشل وجهاء المنطقة (عام 1920) بعدم إنشاء دولة يهودية.. وقال انه انه “مجرد ملجأ قومي” لهؤلاء المساكين.. وتحول هذا إلى إسرائيل..!

وتقسمت اوصال الوطن.. وتمزقت سورية الكبرى.. وظهر لبنان الذي أحبته فرنسا.. وفقدنا (مرحليا) فلسطين.. وأوجدت إمارة شرق الأردن لتكون ضعيفة بلا مقومات حقيقية.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا، خلال المفاوضات، كانت مصرة على أن تكون القطعة المسماة سورية من الصفقة، قادرة على أن تعتمد على نفسها تحت الإستعمار الفرنسي (طبعا حتى لا تشكل عبئا اقتصاديا عليها)، ولم تكن بريطانيا مهتمة بهذه المسألة للمناطق الخاضعة لها..

ووزعت محافظاتنا وولاياتنا بطريق عجيبة.. وإذا بالمحافظة الواحدة تتوزع على دول ثلاث.. وأصبحنا امة متعددة الجنسيات.. أسوة بالشركات المتعددة الجنسيات.. (ولكن هذه تحقق ارباحا على الأقل.. أما نحن وبهمة قياداتنا التاريخية.. دون أن تبدي الأسباب.. فلا نحقق إلا الهزائم).. حتى عشائرنا توزعت بين أكثر من دولة.. آل الزعبي مثلا، كانوا ينامون سوريين ويصحون ونصفهم أردنيون..

بريطانيا كانت معنية بمعاملة فلسطين بشكل خاص تمهيدا لإنشاء وطن قومي لليهود، وبمنطقة شرق الأردن التي تصلح لإنشاء خط حديد بين العراق والبحر الأبيض المتوسط.. وبإبعاد روسيا عن الساحة..

وتراكض وجهاء العرب وحكام بعض اقاليمهم.. المعينين تعيينا ديموقراطيا في ذلك الوقت.. للدفاع عن الحدود التي أنتجتها سايكس بيكو وسان ريمو ومعاهدة سيفر ووعد بلفور.. وراحوا يصيحون ان بلفور أعطى ما لا يملك لمن يستحق..

وأصبح تاريخ المنطقة يبدأ هناك..

أما التاريخ الطويل الموحد قبل الإسلام وفي صدر الإسلام وحكم الأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين.. فقد ألقوا به إلى الجحيم.. وبدأ تاريخنا الجديد منذ ذلك الوعد..

واليوم يخرج علينا نتنياهو وأوباما وأردوغان بوعود جديدة لتقسيم جديد للمنطقة.. وبنفس الطريقة البريطانية..

الا نتعلم من مؤامرات بداية القرن الفائت..

انظروا إلى وعود بوش هذه الأيام.. وسوف أسميها وعود بوشفور.. وما أنتجت من ديموقراطية في العراق..

بوش أصدر الوعود مثل مكماهون.. ومثل بلفور في نفس الوقت.. فهو مهتم بالأكراد والفلسطينيين  ولبنان وبمصر والسودان وأهل الخليج والسعودية.. وربما ببعض البترول الذي يعومون فيه.. وما زالوا يصدقونه.. مثلما صدقوا مكماهون..

ماذا يجري اليوم.. هل يختلف عما كان يجري أيام بلفور..

والنتيجة هي تقسيم العراق.. ومحاولة تدمير ما بقي من سوريا.. وإكمال اغتصاب فلسطين.. وتثبيت قزمية الدول الخليجية.. وتمزيق السودان، وخنق الأردن وسوريا.. وربما تقطيعهما فهما كبيران قليلا.. وإذلال الجزائر وابتزاز السعودية.. وحلب ليبيا.. ومحاولة تحطيم كل ما تبقى لنا من امل لنا في أن نعود أمة قوية لها كلمتها ومساهمتها في حركة التاريخ..

وبعد ان فرض علينا ان ندافع عن الأشياء التي صنعوها لنا في الماضي.. والحدود التي رسموها لنا.. والشخصية غير الكاملة.. ها نحن يفرض علينا ان ندافع سلفا عما يعده لنا أوباما ونتنياهو هذه الأيام.. وها هم أصدقاؤه بيننا يقولون.. “إحنا مالنا”.. وآخرون يقولون “يا وحدنا”، وعلينا ان نحمي انفسنا واقاليمنا.. وداعش وسلطة أبو مازن وصائب عريقات..ّّ يحاولون تحويل ما يريد الأعداء إلى واقع.. بل حتى إذا قسموا بلادنا.. نضع لها حراسا يحافظون على اقسامها الجديدة..

وكل ما رسموا لنا خطا جديدا على الورق، نحمل السلاح ونصيح “خطنا أولا”..

.إنها المشاركة في المؤامرة المستمرة على امتنا.. يتوارثونها هم.. ونصمت نحن.. إنها التآمر على الذات الكبيرة وهي الشعب.. لصالح الذات الصغيرة الحقيرة.. وهي كراسي الحكم..

ونحتفل بأعياد استقلال خطوطنا الحقيرة التي رسموها ونهتف لها.. ونخرج فلسطين من مسؤولياتنا..

هيا بنا نتعلم من التاريخ.. غير البعيد.. بضع سنوات.. أقل من مجرد قرن واحد..  وهي في تاريخ الشعوب لا تساوي شيئا..

غدا سأنشر للشباب تقرير وثيقة كامبل بانرمان الاستعمارية..

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.