الروس قادمون : ولـّى زمان الأفغنة / نضال نعيسة

 

نضال نعيسة ( سورية ) الجمعة 6/11/2015 م …

في تناقضات المواقف السعودية، وفي محاولة لإعادة سيناريو “الأفغنة”، رداً على المشاركة الروسية الفعالة والجدية في الحرب على الإرهاب، أطلقت المملكة السعودية ماكينتها الدعائية الوعظية ضد هذا التطور الروسي واعتبرته حرباً دينية تشن على “الدواعش”، فما لم تـَقـم، ويا للعجب، بأي رد فعل، حين قصف الأمريكيون ذات “الدواعش”، لا بل اعتبرت ذلك حرباً وتحالفاً ضد الإرهاب وكانت جزءاً منه، في محاولة كما يبدو لإعطاء بعد وطابع جهادي وديني للخطوة الروسية التي بعثرت الاستراتيجيات السعودية والأمريكية، واستقطاب وجذب المزيد من الإرهابيين “الجهاديين” من كافة أصقاع الأرض كما حصل سابقاً في مطلع ثمانينات القرن الفارط، حين أقدم الاتحاد السوفييتي السابق على التدخل عسكرياً في أفغانستان، وما تلاه من بروز ظاهرة “الأفغان العرب” (الجهاديين) أو ما عرف بـ”الأفغنة”، ودخلت القاموس السياسي والإعلامي من هذا الباب

صحيح تماماً أن التدخل الروسي في أفغانستان كان القشة التي قصمت ظهر البعير السوفييتي ووظف من قبل غورباتشيف، صاحب البيروسترويكا، ككارت أحمر في وجه الرقاق، في مسعاه لتفكيك الاتحاد السوفييتي ووضع نهاية للحرب الباردة، الأمر الذي حدا بفلاسفة ومنظري المحافظين الجدد، وتعبيراً عن الانتصار على الإمبراطورية الحمراء، للحديث عن نهاية التاريخ، وتفرد الولايات المتحدة بزعامة وقيادة العالم، والإعلان عن بدء حملتها الكونية، لإعادة هيكلة و”توضيب” أنظمة الحكم في العالم وفقًا لمصالحها، عبر الدفع بسيناريو الثورات البرتقالية والأرجوانية في أوروبا الشرقية، مروراً بتفكيك يوغوسلافيا السابقة كآخر قلعة حمراء في قلب أوروبا، وتوسيع دائرة البلقنة هناك، مروراً بالحرب على العراق، وصولاً لمحطة الربيع العربي وغزو وتدمير ليبيا، ومن ثم مشروع تفكيك سوريا، وتدميرها، وإسقاط نظامها الوطني والشرعي المنتخب

وعقب الخطوة الروسية، لوّح الأمريكيون وحلفاؤهم بورقة “الأفغنة” كمآل حتمي للتحرك الروسي، محذرين الروس من الغوص في الرمال السورية. لكن الصحيح أيضاً أن مياهاً كثيرة جرت في أنهار روسيا ما بين 1979 و2015، حيث تبدلت معطيات كثيرة على صعد عدّة، مع ملاحظة طبيعة الحرب وطبيعة التدخل الروسي، ودخول التكنولوجيا الروسية المذهلة كطرف مفاجئ صدم كثيرين، وفي ذات الوقت أكد الروس على أنه لا تدخل برياً (المصيدة القاتلة للجميع) في الصراع مهما حصل، وكان إطلاق صواريخ كاليبر المجنحة من بحر قزوين، وهي عينة بسيطة ورأس جبل لجليد الظاهر من منظومة ومخزون صاروخي لا تدرك أسراره بعد، بإحدى رسائله القائلة نستطيع خوض الحرب والمشاركة فيها وحسمها، دون أن نحرك جندياً واحداً، فيما قال الكاتب اليساري الفرنسي، تيري ميسان مدير شبكة فولتير، في أحدث مقالاته، إن استخدام مصطلح “تشويش” لوصف ما قام به الروس كإجراء أولي لتعطيل المنظومات الإليكترونية والكهربائية والمغناطيسية من قاعدتهم في مطار “حميميم” ضد قاعدة “إنجرليك”، هو تعبير غير دقيق، تماماً، بل يمكن القول إنه تعطيل بالكامل وتوقيف وشل لتلك المنظومات، الأمر الذي أصاب جنرالات الأطلسي بصدمة كبيرة، وبالصمم والبكم، وفقاً لميسان، وعقب ذلك صدرت تصريحات من البنتاغون تتحدث عن انقلاب موازين القوى لصالح “نظام” الرئيس بشار الأسد

وبحركة مضادة، على عكس ما هدد به السعوديون من أن سوريا، والحال، ستصبح نقطة جذب للإرهابيين، أي “الأفغنة”، فقد أكد متحدث عسكري سوري عن فرار الآلاف من “المجاهدين” المرتزقة (ثوار سوريا)، وتم رصد طائرات قطرية وسعودية وتركية وإماراتية، وقد نقلت، كدفعة أولية، خمسمائة منهم إلى مطار عدن، هرباً من جحيم الحمم الروسية، وفيما يخيـّل لهم بحرب أيسر في اليمن، ناهيكم عن الأخبار المتداولة عن دخول كثيرين منهم بالآلاف عبر الحدود التركية، فيما الجيش السوري يواصل وعلى كل الجبهات التي فتحها كنس الدواعش واقتلاعهم، فيما تتوالى وتتكثف الجهود والتحركات الدبلوماسية بين فرقاء الصراع، وتنشط دبلوماسية الهواتف، لإيجاد حل للأزمة، يظهر الروس، وسط كل هذا، سادة المشهد، وقابضين على دفة القيادة، وعصب هذه التحركات ونقاط ارتكازها ويمسكون بتلابيب الملف، دبلوماسياً وعسكرياً وميدانياً، ويفرضون إيقاعهم عليه.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.