الثورة الصناعية الرابعة وتحديات الإنسان / مهند إبراهيم أبو لطيفة
مهند إبراهيم أبو لطيفة – الأحد 6/9/2020 م …
مع الإستخدام المتسارع للماكنات كوسيلة إنتاج أساسية لتحل محل العمل اليدوي ، شهدت دول اوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر، نهضة شلملة فتحت المجال لتأسيس قاعدة علمية ومعرفية، وكان لها الدور الأساسي في ظهور الإبتكارات والإختراعات الجديدةة. كان لهذه الثورة الصناعية تأثيراتها العميقة على الحياة الإجتماعية والسياسية وعلاقات الإنتاج لهذه الدول، وامتد تأثيرها ليشمل عددا كبيرا من دول العالم. فظهرت نُظم دستورية ، سياسية ، تشريعية حديدة ، وأصبح لمفاهيم الحرية ، الأخلاق ، المساواة ، العدالة الإجتماعية، الحرية، العقل ، المواطنة ، الحق، العقيدة والدين، وغيرها، تعريفات متغيرة .
ظهرت الثورة الصناعية في أنجلترا مع إختراع الآلة البخارية في القرن الثامن عشر، وانتقلت فيما بعد وعلى مدى عشرات السنوات وببطء إلى باقي الدول. كانت احتياجات رأس المال نحو مزيد من الثروة والتوسع والهيمنة من أهم أسباب الإنتشار التدريجي للثورة الصناعية واكتسابها بعدا عالميا. فمع النقلة النوعية من نمط الإنتاج الزراعي للصناعي، تم تطوير وسائل الإنتاج ونشأة حاجة كبيرة للحصول على المواد الخام والطبيعية.
كانت الكثير من الدول مهيئة للاستفادة من الثورة الصناعية بل والمشاركة في تطويرها بمزيد من الابتكارات والاختراعات مثل ألمانيا ، التي كانت أول من استخدم السكك الحديدية التي تعمل بالطاقة البخارية. إضافة لباقي الدول ألاوروبية ، أمريكا الشمالية واليابان، بينما تأخرت الدول التي تعتمد نمط الإنتاج الآسيوي.
لم تكن الثورة الصناعية الأولى نتلج عقل أوروبي أو بريطاني خالص ، بل نتاج تراكمات ثقافية وحضارية وعلى مدى قرون من الزمن، بدأ من الحضارة الكنعانية، الفينيقية، الفرعونية ، اليونانية، الرومانية ، الصينية، العربية الإسلامية …ألخ.
استفادت الدول الصناعية من تحديات ومتطلبات الثورة الصناعية في توسعها الإستعماري، هيمنتها ، تراكم ثروتها وترسيخ دولها القومية. ومع أن سياساتها قوبلت بالثورات الإجتماعية وكفاح حركات التحرر الوطنية ،القومية ، الدينية، والأممية ، على إختلاف أيدولوجياتها ، واندلعت الكثير من الحروب التي راح ضحيتها الملايين من البشر ، إلا أنها ما تزال تحتفظ بمركزها الكولونيالي ولو إنتقل مركز ثقلها جغرافيا من اوروبا لأمريكا، وما زال مرشحا للإنتقال مجددا.
سعت الشعوب وقواها الإجتماعية الحية ، من احزاب ونقابات وتجمعات لمحاولة الحصول على مكاسب سياسية واجتماعية للحد من وحشية النتائج الإجتماعية والحقوقية للثورة الصناعية ، وصاغت مطالبها وفهمها لحقوقها في العدالة الإجتماعية : الحرية ، الإستقلال، العقد إجتماعي ….ألخ.. وكان لها بالتأكيد حظا من النجاح في صياعة نُظم تشريعية، اجتماعية، دستورية جديدة، ولكنها لم تستطيع أن تمنع اندلاع الحروب التي نشبت نتيجة للتنافس المحموم للدول الصناعية الكبرى للحصول على الأسواق ، المواد الألولية ، وفتح أسواق خارجية جديدة ، وفرض الهيمنة للسيطرة على طرق التجارة.
أما الشعوب التي لم يكن لها مشروعها الحضاري ولأسباب مختلفة ، فكانت الضحية ودفعت الشعوب الآسيوية ، العربية ، أمريكا اللاتينية ، إفريقيا ثمنا باهظا من ثروتها واستقلالها وما زالت.
أعقبت الثورة الصناعية الأولى مع إختراع الألة البخارية عام 1784، ثورات صناعية أخرى:
1- الثورة الصناعية الثانية عام 1870 ، مع استخدام الطاقة الكهربائية وما احدثتها من ثورة حقيقية.
2- الثورة الصناعية الثالثة 1969، مع إختراع الحاسب الآلي( الكمبيوتر) ، الثورة الرقمية والاستخدام الواسع للاتصالات. ويكفي أن نعرف أن أول جهاز كمبيوتر تم إختراعه كان بحجم غرفة كاملة، لنرى كيف يتقدم العلم بشكل متسارع.
تقف البشرية اليوم على أعتاب البثورة الصناعية الرابعة والتي بدأت بالفعل مع ظهور نقنيات جديدة ستشكل في المستقبل أهم وسائل الإنتاج في العالم وستنتشر بشكل متسارع وبوتيرة أعلى. سيكون لهذه النقنيات القدرة على الحلول مكان الإنسان وتقوم بمهام معقدة كان يقوم بها، وسيتم برمجتها لتحتوي على تطبيقات ذكية تعمل بشكل تلقائي استنادا لقاعدة بيانات تحدد مهامها. وقد بدا بالفعل التنظير لايجاد تشريعات تقنن استخدامها مثل: التحكم بالجينات ، تقنية النانو، استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في الصناعة والإنتاج. ومع أن معظم الشركات في العالم ليست مهيأة في الوقت الحالي للتجاوب مع هذه التطورات العلمية ، ولكنها ستكون مضطرة للتجاوب مع هذه التعيرات والتحديات مثل استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D- Printing).
ستختصر الثورة الصناعية الرابعة المسافات، الأزمنة. ولن تسمح بسهولة للحدود أن تقف أمامها ( ولا حتى الدولة الوطنية أو القومية) ، سيكون العالم القرية الصغيرة التي تشترك فيها الإنسانية بملامح متشابهة ثقافيا وقيميا ، وأيضا احتياجات ، مطالب ، تحديات ، مشاكل…الخ. إنها التحدي التاريخي الأكبر للبشرية وللإنسان، فمقابل ذكائه الإجتماعي الطبيعي والمكتسب، سيحل الذكاء الصناعي. لن يترك الصراع والتنافس على مصادرالطاقة فرصة للإحتفاظ بالهوية الوطنية أو القومية أو الخصوصية الثقافية. سيواجه الإنسان نتائج استخدام الثورة الرقمية ، والتقنيات البيولوجية. وسيعيش الإنسان حالة من الإغتراب الجديد مع عمله ومجتمعه وبيئته ، وسيكون الضحية الأولى لهذه الثورة رغم التقدم العلمي المتوقع، ناهيك عن الأضرار التي ستلحق بالبيئة.
لن تقتصر ابتكارات الثورة الصناعية على الإنتاج، الطبي مثلا ،أ والسيطرة على الطبيعة فقط، بل ستخترق أعماقنا الحسية ، عقلنا، تفكيرنا، اجسادنا، جيناتنا،. يُراد لنا أن نكون آلة مبرمجة.
ها هو العالم ما زالت الليبرالية تتحكم به من كلاسيكية إلى ليبرالية جديدة (مهذبة) وعودة مره أخرى منذ الثمانيات الى الليبرالية الجديدة والتي بلغت ذروة أزمتها في عام 1929 بالكساد العظيم ، وكل دولة أو شبه دولة لم تستطع بعد أن تُقيم قاعدتها العلمية والإنتاجية ، ولم تُنجز دولتها القوميبة القوية ستكون بالضرورة تابعة سياسيا واقتصاديا وثقافيا للمركز وجزءا من القطيع الذي يقوده الراعي بمزمار أو صافرة.
التعليقات مغلقة.