ليس دفاعا عن “الميادين”…ولكن! / د. فايز رشيد
د. فايز رشيد ( الأردن ) الأحد 8/11/2015 م …
تنشغل الأوساط الإعلامية حاليا بمتابعة تهديد شركة القمر الصناعي “عرب سات” بفسخ تعاقدها مع الدولة اللبنانيّة، ونقل محطّة بثّها من منطقة “جورة البلوط” في قضاء المتن في لبنان، إلى عمان في الأردن ,فقد أعلنت الشركة وهي التابعة للمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات ,والعاملة تحت مظلة “الجامعة العربية”، عن نيتها فسخ عقدها مع الدولة اللبنانية ونقل محطة بثها من لبنان, وذلك لعدم اتخاذها ما سمتها “إجراءات عقابية” بحق قناة “الميادين! كما أوضحت مصادر لبنانية : أن الأمر لا يقتصر على التضييق على الفضائية المعنية فحسب بل يتعداه إلى الضغط على لبنان وحكومته، إذ أن العقوبة تُعد مساسا بالسيادة اللبنانية ,وهذه هي النقطة الأخطرلأن بث القنوات اللبنانية كافة عبر “عرب سات” سيصبح خاضعا حكما لسلطة حكومة اخرى وقوانين بلدها, وسيؤدي إلى خسارة وزارة الاتصالات اللبنانية مكتسبات مالية تحققها من رسوم البث الفضائي. بدوره قال مصدر مسؤول في فضائية “الميادين” إن القناة “تلقت إنذارا من إدارة الشركة على خلفية تعليقات ضيوف في برامجها”!. واعتبر “أن الإنذارمخالف لشروط التعاقد بين القناة وعرب سات”، مشيرا إلى أن الميادين ردت في كتاب عبر محاميها بأنها لم تخالف شروط البث ,وأنها تحتفظ بحق الرد القانوني وتعويض حقوقها المادية والمعنوية !.للحقيقة نقول:
أولا :إننا نعيش في القرن الواحد والعشرين حيث لا يمكن حجب وجهات نظر تبثها مطلق فضائية حتى لو كانت في هونولولو… فالخبر ووجهة النظر لأي كان,وإذا جرى منعهما, يمكن نقلهما من خلال أكثر من وسيلة إلكترونية, هذا سيؤدي إلى المزيد من الشهرة للخبر/الأخبار التعليق/التعليقات التي بسببه/بسببها تتم العقوبة,ليس ذلك فحسب وإنما أيضا سيؤدي إلى مزيد من الشهرة للفضائية.
ثانيا: الإعلام مرتبط بقانون ليس مكتوبا هو “قانون الحرية” والآراء المتعددة, هذا ما عبّر عنه فولتير في مقولته الشهيرة”أدفع حياتي في سبيل أن تقول رأيك”.
ثالثا : بمحاسبة متجردة لفضائية “الميادين” ..نراها : فضائية جدية,ملتزمة وطنيا وقوميا , أخلاقية بعيدة عن التسخيف للبرامج وعن الإسفاف في الحوار على شكل “طوشة/معركة/ ضرب بالأحذية ” من أجل الترويج للفضائية /للبرنامج/للمذيع الجائع والمحتاج إلى شهرة.. الخ. بعيدة عن تشويه الوعي المجتمعي بالأغاني الهابطة وبرامج التعرّي!.
رابعا :الميادين هي إحدى الوسائل الإعلامية الملتصقة بالقضية الفلسطينية, والقضايا الديموقراطية الوطنية والقومية العربية والإنسانية العادلة,بالتالي فهي إحدى القابضات/القابضين على الجمر. تمثّل ذلك منذ انطلاقها , وتعزز إيمانها إبّان العدوان الصهيوني الأخير(2014)على قطاع غزة وحاليا.
خامسا: الميادين هي من الوسائل الإعلامية التي تعمل على كشف حقيقة العدو الصهيوني وكافة أعداء الأمة العربية.
سادسا: الميادين هي من وسائل الإعلام العربي المقاتل, تعمل على تقديم الرأي والرأي الآخر في إطار من الروح الوطنية,القومية ,الإنسانية, تنحاز إلى العدالة وإلى إحساس ومطالب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.
سابعا: لماذا لا يجري تهديد الوسائل الإعلامية التي جعلت همها “حامية حمى الديموقراطية” في بلد عربي معين! وجعلت شغلها الشاغل تغيير نظامه!.
“الميادين” تميزت بالوضوح الكامل لخطها الوطني , وبالأمانة الصحفية , وعرض مختلف الآراء , حتى التي تخالف معتقداتها , في إطار من الديموقراطية الحقّة والحرص عليها، وتعميقها كأسلوب وكنهج في إطارٍ من التطبيق الهادف الخلاّق. أحد أسرار جماهيرية الميادين : أنها لم تصل إلى إهدار معاني الديموقراطية وتهزيئها , وتبهيتها , وتقزيميها ,ومسخها , وابتذالها : “بدعوة ضيوف صهيونيين”إلى برامجها، ومحاولة تبرير ذلك بدعاوى سخيفة من نمط: “أننا نحضرهم كي نبهدلهم ونمسح بهم الأرض”، و”الحرص على الديموقراطية” وغيرها من الترّهات , المستخفّة بعقل المشاهد أولاً وثانياً وأخيراً! والمستغفلة لواحد من أعظم مناقضات هذه الشعارات:وهو أنها باستضافتهم تمارس عملية تطبيع مجانية ,وتعمل على إدخال الأعداء إلى بيوتنا , حيث تصبح القضية بعد مرور الوقت وكأنها “ظاهرة طبيعية”! وبالتالي: فإن” إدخال الإسرائيليين ودولتهم ووجودها في منطقتنا , يصبح مع الزمن , مسألة طبيعيةً “! وغيرها بالطبع من الأهداف الصهيونية الأخرى!.
أحد أهم شروط الإعلام هو :التزامه بقضايا أمته الوطنية – الإعلام هو شكل من أشكال الفن- والفن لم يَعدْ وفق الفهم الأفلاطوني له : “الفن للفن” , فمنذ بلزاك , مروراً بفلوبير , وصولاً إلى “الواقعية الاشتراكية” , فإن رواده الحقيقيون , قرنوه: بمدى التزامه ,وعدالة القضايا التي يدافع عنها، بالتالي: فإن دوره كبير, إلى الحد : أنه يفرض حقائقه. “الميادين” هي إحدى الروّاد على هذا الصعيد الملتزم ، وهي من أنجح الفضائيات في العالم العربي. ولذلك , استقطبت وماتزال تستقطب, جزء كبير من جماهيرنا الفلسطينية , وأمتنا العربية من المحيط إلى الخليج.الإعلام قضية ,هدف ورسالة . قد تختلف الأهداف بالطبع وفقا لطبيعة منطلقات الوسيلة الإعلامية, ولكن من انبل الاهداف أن تكون الرسالة والهدف ممزوجان في تعبير بسيط , اسمه “الوطنية” الذي يتفرع منها تعبير “المقاتل”, كصفة توسم بها وسائل تحقيق الهدف, وفي حالتنا المعنية , الفضائيات . قال الرئيس عبدالناصر يوما ” المقاومة الفلسطينية هي أنبل ظاهرة عربية” ومن النبل بمكان نقل دقائق صورة مقاومة شعبنا للسوبر فاشيين الجدد, هذا الإعلام المعني بذلك, يستحق أن يُطلق عليه “الإعلام المقاتل” .
لم يكن ملهم ثورة أكتوبر مبالغا, عندما لخّص دور جريدة “الأيسكرا”عام 1901 الناطقة باسم حزبه “حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي “بأن تكون جريدة لتعبئة جيش من مناضلين حقيقيين مجربين”! . لم يكن في زمنه فضائيات وإلا لكان حريصا على إنشاء فضائية إلى جانب الصحيفة ( والمسالتان متكاملتان لا تتضادان) ولألقى على عاتقها نفس الدور والوظيفة. .قضية فلسطين تظل القضية المركزية للأمة العربية باسرها , مهما حاول الصهاينة واسيادهم من الإمبرياليين الجدد,إلهاء الشعوب العربية عنها, بالمحاولات الحثيثة الجارية لتغييب مظهر الصراع الاساسي والتناقض الرئيسي بين الامة العربية من جهة, وبين العدو الصهيوني من جهة اخرى! . التغييب يكون من خلال افتعال وتسييد أشكال جديدة من الصراع في المنطقة, ولم يجدوا سوى صراعات إثنية ومذهبية طائفية مقيتة , لغمر وجه المنطقة بها , فهذه تستجيب لمقولة قديمة صهيونية ,أكّد عليها بن غوريون عند إقامة دولة الكيان في فلسطين, كما وزراء خارجيته موشيه شاريت ,غولدة مائير ,إيغال يلون وغيرهم. هناك فرق كبير بين إعلام يكشف حقيقة اعداء الامة ويتابع أولا باول صمود ومقاومة أبنائها في مختلف ساحات الصراع وبالاخص مقاومة الشعب الفلسطيني وبين إعلام لا مبال بقضايا أمته!
نتمنى على القائمين في “عرب سات” وهم بالضرورة إخوة عرب, وطنيون مثل كل الوطنيين, حريصون على قضايا أمتهم العربية!.. نتمنى أن تكون الحادثة برمتها ليست أكثر من زوبعة في فنجان!
التعليقات مغلقة.