بحث هام … الباحث محمد اسليم يكتب عن : الوحدة اليمنية وحصان طروادة
الأردن العربي – الأربعاء 9/9/2020 م …
تنويه ضروري من إدارت الموقع …
ننشر هذا البحث للباحث محمد اسليم دون أن نتبنى ما قد يكون احتوى عليه من مغالطات تاريخية تتعلق بتسلسل الأحداث أو بتقييمه الشخصي لبعض القادة في اليمن الديمقراطي ( الجنوبي ) أو في الشمال.
” مدارات عربية ” يرجو ممن لديهم أيّ تعليق أو تصحيح على هذا البحث أن يرسله لنا على الإيميل التالي لنتمكن من نشره.
هدفنا من نشرالبحث ليس نكأ للجراح القديمة ، إذ يكفي اليمن وشعبه الباسل ما يتعرّض له من مؤامرات من التحالف العدواني السعودي الصهيو إمبريالي ، … ننشر البحث ( فقط ) بحثا عن الحقيقة أو بعضها على الأقل.
****************************************************************************
دراسة للباحث محمد إسليم
ما يدور اليوم في اليمن من حروب طاحنة ومستعرة ومنذ العام 1994، ليس صدفة بل ليست وليدة الساعة. ولفهم ما يدور يجب العودة قليلا الى الوراء، وتحديداَ منذ نجاح ثورة سبتمبر 1962م في الشطر الشمالي وقيام النظام الجمهوري على انقاض دولة الإمامة.
لقد أدى نجاح هذه الثورة بقيادة عبد الله السلال والدعم المصري للثورة، إلى انقسام اليمن الشمالي سياسياً الى معسكرين، الجمهوري والملكي، واشتعال حرباً شرسة، والتي تحولت الى حرب اقليمية بين مصر بزعامة القائد العروبي جمال عبد الناصر وبين المملكة السعودية والتي دعمت واحتضنت الإمام المخلوع البدر وداعميه من القبائل، والتي استمرت خمس سنوات عجاف وسقط فيها آلاف الضحايا وألحقت خسائر اقتصادية كبيرة في الدول المشاركة.
لقد انهكت الحرب طرفي الصراع إقتصادياً وسياسياً، ونظراً لحجم الضحايا البشرية الهائلة، وتدخل عدة أطراف عربية ودولية عام 1967، على إثر الإجتماع الذي عقد بين الرئيس عبد الناصر والملك فيصل في مؤتمر القمة العربية والذي انعقد بعد هزيمة حزيران 1967، تم الاتفاق على مشاركة الجمهوريين والملكيين في الحكم وتقاسم السلطة الجديدة تحت راية الجمهورية العربية اليمنية.
أدى هذا الاتفاق الى نشوء “نظام سياسي هجين” وتولى القاضي عبد الرحمن الارياني رئاسة الجمهورية. هذه التسوية لم تكن ان تنجح إلا بموافقة أكبر تجمع قبلي في اليمن الشمالي ألا وهو قبيلة حاشد وشيخها عبد الله بن حسين الأحمر وحلفائه من شيوخ القبائل الحليفة.
لقد أدى نجاح الانقلاب الذي قام به المقدم ابراهيم الحمدي عام 1974 الى الإطاحة بالحكومة والقاضي الإرياني، وابتعاده في الحكم عن سيطرة القبائل وتحجيم دورها في السلطة على طريق انشاء الدولة المدنية. وتوجه الحمدي إلى إقامة علاقات متينة مع الرئيس الجنوبي في عدن سالم ربيع علي ووجه الرئيس الجنوبي دعوة للرئيس الحمدي لزيارة عدن والعمل على توحيد شطري اليمن. وقد أثار هذا الأمر حفيظة شيوخ قبائل الشمال والذين عملوا على إفشال هذه الخطوة عبر الإطاحة بالرئيس الحمدي بانقلاب عسكري عام 1978 قاده حسين الغشمي وعلي عبد الله صالح وبدعم من السعودية.
ونظراً للشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها الرئيس الحمدي خطط الإنقلابيون بالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية وعربية لحبك سيناريو “الفتيات الفرنسيات” بعد أن تم دعوته للغداء في منزل حسين الغشمي مع شقيقه عبد الله رئيس أركان الجيش. وقام الإنقلابيون أولا بقتل شقيقه. ونظراً للعلاقات الطيبة بين الحمدي والغشمي عرض الرئيس الحمدي عليه استعداده للتنازل عن الحكم وتجنب إراقة الدماء وطلب منه الموافقة على مغادرته مع أسرته إلى سوريا ووافق الغشمي على طلب الحمدي وهنا تدخل علي عبد الله صالح وقال للغشمي: “اذا خرج الحمدي من هذا البيت حياً بتقوم كل اليمن علينا، وأنا وأنت بنقتل قبل ما نصل باب البيت” وسحب رشاشه وأطلق النار مباشرة على الرئيس الحمدي.
تولى الغشمي رئاسة البلاد بعد الحمدي ومعه النخبة العسكرية من أبناء القبائل وخاصة قبيلة حاشد بزعامة عبد الله الأحمروالمتحالف مع السعودية. وسعى الرئيس الغشمي الى إكمال ما بدأه الرئيس الحمدي بتحسين العلاقة مع الشطر الجنوبي بشخص الرئيس سالم ربيع علي والذي كان قد اتفق مع الحمدي قبل مقتله على زيارة عدن والتوقيع على اتفاق وحدة الشطرين برئاسة ابراهيم الحمدي. لذا سعى الى تحسين العلاقات وعدم الصدام مع السلطة الحاكمة في عدن والتي كانت توصف من قبل السعودية وقبائل الشمال بأنها سلطة شيوعية.
لم يمكث الغشمي في الحكم أكثر من ثمانية أشهر حتى تم قتله، ولكن بسناريو جديد بصناعة جنوبية ولقطع الطريق على الرئيس الجنوبي سالمين والشمالي الغشمي من تحقيق وحدة الشطرين. وكان سالمين رئيساً للجنوب ويتمتع بشعبية جارفة وحقق انجازات في فترة رئاسته وخاصة في المجال الزراعي وسعى الى تنويع علاقة اليمن الديمقراطي مع الدول الأخرى والإنفتاح عربياً ودولياُ. وتوجه لتحسين العلاقات مع الصين واتفق معها على إقامة عدة مشاريع زراعية وصناعية واستغلال مصادر الثروة السمكية صناعياً، وساهمت في انشاء الجمعيات التعاونية الفلاحية وتطوير الزراعة وأقامت مصنعاً للغزل والنسيج ومصنعاً لتعليب الأسماك وغيرها من المشاريع في الوقت الذي حافظ على العلاقات مع موسكو وباقي الدول.
لقد أدت هذه النجاحات الى استفزاز الجناح المناهض لسالم ربيع علي في قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، وخاصة جناح عبد الفتاح اسماعيل الجوفي الأمين العام للحزب، وفي نفس الوقت الذي حافظ على علاقة عدن مع موسكو وتطويرها خاصة في الجوانب العسكرية والأمنية. وكانت خطته ترتكز على أهمية الإنفتاح التدريجي على العلاقات مع الدول العربية بهدف استجرار الدعم الإقتصادي وتطوير البنية التحتية في البلاد.
أثارت شعبية سالمين وإنجازاته حفيظة موسكو ومؤيديها بزعامة عبد الفتاح، نظراً للتوتر الذي كان قائماً في العلاقات السوفييتية الصينية، وأن هذا الانفتاح على الصين يهدد الوجود السوفييتي في عدن. وانعكس هذا الأمر على الحزب الإشتراكي وصراع الأجنحة فيه، وانحازت موسكو لجانب عبد الفتاح اسماعيل والذي كان بمثابة “الطفل المدلل” لموسكو وحامي مصالحها في عدن. الى جانب ذلك كان عبد الفتاح اسماعيل يدعم استمرار العمليات العسكرية التي تقوم بها الجبهة الوطنية الديمقراطية في الهضبة الوسطى من شمال اليمن ضد قوات النظام في صنعاء وبهدف اسقاطه وتولي جناح الحزب الاشتراكي في الشمال الموالي لعبد الفتاح السلطة، وأن هذه هي الطريقة المثلى لتحقيق الوحدة اليمنية.
هذا النهج كان يرفضه سالمين كرئيس للدولة وأن الأولوية بالنسبة له هو تطوير الوضع الاقتصادي وتحسين معيشة السكان والخدمات في ظل الحصار الخانق الذي فرضته السعودية ودول الخليج على النظام في عدن، باستثناء الكويت التي كانت تربطها علاقات طيبة مع النظام في عدن وهي الوحيدة التي كانت تقدم مساعدات مختلفة للنظام. وأن الدخول كطرف في الصراع السوفييتي الصيني لن يفيد النظام في عدن.
لقد كانت عدن مهمة جداً للسوفييت وتواجدهم في هذه المنطقة والتسهيلات الممنوحة لأسطوله البحري في بحر العرب مهمة جداً في مواجهة التواجد الغربي وأساطيله الأمريكية والبريطانية ولا يمكن أن يتخلى عن هذا الأمر. لذا تخذت موسكو قراراً بإزاحة سالمين من رئاسة الدولة باعتباره يعيق مخططاتها في المنطقة، إضافة الى رفضها لنهج سالمين في توحيد الشطرين مما يؤثر سلباً على تواجدها ونشاطها في المنطقة، وكلفت عبد الفتاح اسماعيل وجناحه بسرعة التحرك وإنهاء حكم سالم ربيع علي. في تلك الأثناء لجأ الى عدن المقدم عبد الله عبد العالم ومعه أكثر من 300 جندي وضابط شمالي بعد فشل محاولته الإنقلابية ضد الرئيس الغشمي في صنعاء. وجرى اتصال هاتفي بين الرئيسين سالمين والغشمي لتحسين العلاقات بين الشطرين واستئناف الحوار الذي كان قد بدأه سالمين مع الحمدي لتحقيق وحدة الشطرين، وقد وافق الغشمي على ذلك لكنه طلب من سالمين وقف العمليات العسكرية التي تقوم بها الجبهة الوطنية في الشمال، وإرسال قائمة بأسماء الجنود والضباط الذين لجأوا الى عدن مع عبد الله عبد العالم، وقد وافق سالمين على ذلك واتفقا ان يرسل الرئيس الجنوبي مندوباً عنه ويحمل رسالة شخصية منه واتفقا على اسم المندوب وتاريخ وصوله الى صنعاء.
هنا جاءت الفرصة لموسكو وجناحها في عدن “عبد الفتاح اسماعيل” والذي قام بتزويدها بالتسجيل الصوتي لمحادثة الرئيسان سالم ربيع وحسين الغشمي. وهنا اتخذ عبد الفتاح وجناحه قراراً بالتخلص من الغشمي وقتله ثم التخلص من سالمين وذلك عن طريق تبديل الحقيبة التي يحملها مبعوثه الخاص بحقيبة مشابهة متفجرة في مطار عدن. وبالفعل نجح عبد الفتاح عبر جهاز وزارة أمن الدولة والذي كان يتمتع بنفوذ بداخله، باستبدال الحقيبة الدبلوماسية للمبعوث بحقيبة شبيهة تماماً لها مفخخة بالمتفجرات. والمبعوث الخاص هذا كان ابن عم عضو في المكتب السياسي للحزب ووزير الداخلية آنذاك صالح مصلح قاسم. وهدف هذه العملية التخلص من حسين الغشمي في صنعاء، وبعدها يتم التخلص من سالمين في عدن بتهمة قتل الغشمي وإشعال الحرب بين الشطرين. وبالفعل غادر مندوب سالمين مطار عدن بعد نجاح رجال عبد الفتاح باستبدال حقيبته الأصلية بحقيبة متفجرة ودون علمه بالأمر. وعند وصول المبعوث الى صنعاء تم نقله مباشرة الى مكتب الرئيس الغشمي والذي كان قد أوصى مرافقه بحسن استقباله وعدم تفتيشه قبل الدخول لمكتبه كما تجري العادة في صنعاء. وبالفعل دخل المبعوث مباشرة الى مكتب الغشمي والذي رحب به، وقام المبعوث بفتح الحقيبة لإخراج الرسالة، فوقع انفجار هائل وقتل الرئيس الغشمي والمبعوث.
وبعد إذاعة الخبر في صنعاء تحرك عبد الفتاح اسماعيل ودعا المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الى اجتماع عاجل واتخذ قراراً باتهام سالمين بقتل الرئيس الغشمي، وقرر المكتب السياسي إقالة سالمين من رئاسة الدولة وكلف علي عنتر وصالح مصلح بإبلاغ سالمين بالقرار. وقد وافق سالمين وكتب استقالته وسلمها لعلي عنتر وصالح مصلح مع نفيه التام بالضلوع بمقتل الغشمي. بعدها عقد المكتب السياسي للحزب اجتماعاً عاجلاً في منزل علي ناصر محمد وكان رئيساً للوزراء حينذاك وتم افتعال اطلاق نار على مقر الاجتماع واتهم سالمين بمحاوله القيام بانقلاب عسكري وقتل اعضاء المكتب السياسي اثناء الاجتماع و تحركت قوات الجيش بقرار من الامين العام عبد الفتاح وحاصروا قصر الرئاسه حيث يتواجد سالمين وافتعلوا تبادلا لاطلاق النار مع حرس الرئيس سالمين وطالبوه بتسليم نفسه بمكبرات الصوت وبعد تسليم نفسه، اقتيد الرئيس سالمين الى مقر وزاره الدفاع وهناك تم توقيفه واسناده الى جدار الوزاره و اطلاق النار عليه من قبل عضو المكتب السياسي المرشح علي شايع هادي والذي قاد عمليه اعتقاله ورمي جثته في البحر وشرب، المكتب السياسي نخب التخلص منه.
وعلى اثر اعدام سالمين، انتخب عبد الفتاح اسماعيل رئيسا للدوله الى جانب احتفاظه بمنصب الامين العام للحزب
اما في صنعاء فقد تولى المقدم علي عبد الله صالح رئاسة الدولة بعد توافق الشيخ عبد الله الاحمر مع السعودية على ذلك، وكان عمره 32 عاما فقط.
وبعد فترة وجيزة اندلعت اشتباكات عنيفه بين الشطرين، وامر عبد الفتاح اسماعيل بقصف صنعاء بصواريخ سكود المتطورة، وتدخلت عدة دول لوقف اطلاق النار بعد وصول جيش الجنوب الى مشارف صنعاء. ولعبت الكويت دورا كبيرا في اقناع الطرفين لوقف اطلاق النار، وعقد اجتماع بين الرئيسين صالح وعبد الفتاح في الكويت. والمفارقه اللافته ان عبد الفتاح اسماعيل عرض على الرئيس صالح الوحده الاندماجيه الفوريه بين البلدين، وتولي صالح رئاسه الدولة، الاّ أن علي عبد الله صالح رفض هذا الاقتراح وعلل رفضه الى عدم استقرار الاوضاع في صنعاء وان على الطرفين تهيئه اوضاع البلدين لانجاح هذه الخطوه والتي تمثل امل اليمنيين في الشطرين. ولانه لايريد الوحده في ظل ضعف القوات المسلحه الشمالية حينها وتدهور اقتصادها في ظل وجود جيش قوي في الجنوب يفوق تعداده مائة الف جندي وضابط ومسلح بكل انواع الاسلحة برا وبحرا وجوا (وعلق بعض الخبثاء في قياده الجنوب بعد عودة عبد الفتاح لعدن قائلا، اثنين شماليين فاهمين لبعض).
حكم عبد الفتاح اسماعيل الجنوب مدة عامين فقط، وفي عهده تفاقمت الخلافات في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي بين الاجنحة المتباينة. كما وقعت في عهده اتفاقية الصداقة والتعاون مع موسكو وتشكيل مجلس السلم اليمني وحاز على عضوية مجلس السلم والتعاون مع المنظومه الاشتراكيه انذاك التابعه لموسكو وافتتحت المدرسة الحزبية لتعليم كوادر الحزب أصول الفكر الاشتراكي العلمي وبدعم من موسكو والبلدان الاشتراكية الأخرى، الا أنه لم يتم اي تحسن الاقتصادي في مختلف المجالات الاخرى، مما ادى الى بداية التململ والاعتراضات داخل الحزب، كما استمرت المطالبة من مختلف أجنحة الحزب وخاصة التي دعمت عبد الفتاح إزاحة الرئيس سالمين واعدامه وطالبوا برحيله طوعا عن الحكم ومغادرة عدن الى موسكو وقد نقل اليه هذه الرساله عضو المكتب السياسي علي باذيب وقال له ان جناح علي ناصر محمد رئيس الوزراء ومعه علي عنتر وصالح مصلح قاسم وزراء الدفاع والداخلية ان امامه واحد من خيارين إما التنحي عن الحكم وأمانة الحزب والمغادرة الى موسكو او تلقى مصير سالمين فاختار عبد الفتاح اسماعيل أهون الشرين واستقال من منصبي رئيس الدولة والأمين العام للحزب مغادراً الى موسكو في شهر نيسان 1980 بعد ان تم تعيينه في منصب فخري كرئيس للحزب وهو منصب غير منصوص عليه في النظام الداخلي للحزب الاشتراكي وتم منحه وسام ثوره 14 اكتوبر واعطي مبلغ عشرين الف دولار مصاريف، مغادرا عدن على انغام النشيد الوطني لليمن الديمقراطي.
وهكذا طويت صفحة حكمه لتبدأ فترة حكم جديدة بعد أن عينت اللجنة المركزية للحزب رئيس الوزراء علي ناصر محمد رئيسا للدولة وامينا عاما للحزب وبذلك جمع علي ناصر المناصب الثلاثة، اي رئيس الحزب ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.
في عهد حكم علي ناصر محمد من نيسان 1980 وحتى احداث 13 يناير 1986 الماساوية لم يهدأ الخلاف بين قيادات الحزب واجنحته المتباينة والمغلفة بغلاف ايدولوجي براق، يخفي تحته نزوع قاتل لتولي السلطه.
وكلما قام الحزب بالتضحيه باحد قياداته يتم سريعا البحث عن ضحيه اخرى. وتعرض علي ناصر محمد لاكثر من محاوله اغتيال، واخرها وقعت في ديسمبر 1985، واصيب ابنه البكر جمال في احدى هذه المحاولات بعض الجروح اثناء مرافقته لوالده في السياره الرئاسية. وهكذا وصل الطرفان المتصارعان لاسباب عديده ولاطماع سلطويه بغيضه، الدفع بالامور الى عنق الزجاجه، وقام على عنتر الذهاب الى موسكو وطلب من عبد الفتاح اسماعيل العوده معه الى عدن للعمل معا للاطاحه بعلي ناصر محمد، ولم يتردد عبد الفتاح لحظه واحده وافق على العوده بنفس الطائره مع علي عنتر رغم معارضه موسكو والتي نصحته بعدم العوده.
واضطر علي ناصر محمد للمناوره والموافقه على عوده عبد الفتاح وحتى لا يظهر بمظهر المعارض ولسحب هذه الورقه من يد الجناح المعارض له في الحزب ولثقته بنفسه وبخبرته الحزبية والسياسية وقدرته على استمالة بعضا من معارضيه.
عاد عبد الفتاح اسماعيل الى عدن عام 1985 وقبل انعقاد المؤتمر العام الثالث للحزب والذي عقد في 16 اكتوبر 1985 وسط خلافات وغليان في قاعده الحزب وكوادره وقد رفعت جلسات المؤتمر بعد ما أقر التقرير التنظيمي والسياسي للحزب وبرنامجه وبدأت المفاوضات بين قياداته المختلفه على تقاسم عضويه اللجنة المركزيه للحزب ومكتبه السياسي، وبدات التداخلات والوساطات من القوى الصديقة للحزب والحاضرة في المؤتمر وكنت شخصيا شاهدا على كل ما يجري، وحصرت الخلافات في تركيبه عضويه اللجنة المركزيه والاعضاء العاملين والمرشحين وحصة كل طرف وكذلك تقاسم عضويه المكتب السياسي الى جانب مطالبه جناح علي عنتر وعبد الفتاح بتخلي علي ناصر عن احد منصبيه ويختار اما الحفاظ على منصب الامين العام للحزب او رئاسه الدولة او اسقاطه حيث كان جناح عنتر يمتلك الاغلبيه العدديه في المؤتمر او يوافق على حصول جناح عنتر فتاح على النصف زائد واحد في عضويه اللجنة المركزيه والمكتب السياسي مقابل “احتفاظه بمنصبيه” وشخصيا كنت حاضرا المؤتمر وشاهدا على تدخل الراحل الكبير جورج حبش والجهد الذي بذله لراب الصدع والحفاظ على وحده الحزب ووحده الدولة واجهزتها المختلفه وتكللت هذه الجهود مع علي عنتر وعلى ناصر بالاتفاق على وحده الحزب وحسب البنود التاليه:
1- موافقه جناح علي عنتر علي بقاء علي ناصر محمد في منصبيه كأمين عام للحزب الاشتراكي اليمني و رئيسا للدولة.
2- زياده عدد اعضاء اللجنة المركزية (العاملين والمرشحين) ويكون لجناح علي عنتر الاغلبية العددية (النصف + واحد).
3- وافق على ناصر محمد على حصول جناح عنتر في المكتب السياسي على النصف + واحد
وتم عقد اجتماع مشترك حضره علي عنتر و صالح مصلح قاسم، ممثلين عن هذا الجناح وحضر علي ناصر محمد هذا الاجتماع وبحضور الدكتور جورج حبش وحضوري شخصيا وكلفت بصياغة الاتفاق وكتابته وتم التوقيع عليه.
وبعدها توجه الجميع الى قاعه اجتماع المؤتمر العام واستانف المؤتمر اعماله وصادق بالاجماع على هذا الاتفاق وتم انتخاب اللجنة المركزية واعلن رئيس المؤتمر نهاية اعماله بنجاح واعلان البيان الرسمي عن اعمال المؤتمر واجتمعت بعدها اللجنة المركزيه للحزب وانتخب علي ناصر محمد امينا عاما للحزب الى جانب رئاسة الدولة.
والجدير بالذكر ان جناح عنتر اصر على عوده عبد الفتاح اسماعيل لعضوية المكتب السياسي ضمن حصته. وعلى الرغم من عدم ارتياح علي ناصر لهذه النتيجه، الا انه قبل بها اعتمادا بتقديري على قدرته الشخصية وثقته بشبكة علاقاته في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، ان يتمكن من استمالة بعض اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزيه، وبالتالي تخسر كتله عنتر الاغلبيه البسيطه في المكتب السياسي واللجنة المركزيه، و يحافظ على منصبيه امين عام الحزب و رئاسه الدوله. وعليه ماطل علي ناصر في دعوه المكتب السياسي للاجتماع لتوزيع المهام على اعضائه وتشكيل سكرتاريه اللجنة المركزيه ومهامها ورئاستها، وكان جناح عنتر يريد مشاركه عبد الفتاح ورئاسته لسكرتارية اللجنة المركزيه والتي من مهماتها التحكم في دورية اجتماعات المكتب السياسي وجدول الاعمال، وكان الامين العام غير راغب بذلك لانه يعرف ماذا يريد عنتر وجماعته، وان هذه الخطوه ستكون مقدمه للاطاحه به من الحزب والدولة ولكن على مراحل بحيث تكون النتيجه تولي عنتر رئاسه الدولة وعبد الفتاح للامانه العامه للحزب. وهذا الامر كان من سابع المستحيلات ان يوافق عليه علي ناصر محمد. وكان مقررا ان يعقد المكتب السياسي اجتماعه بتاريخ 9/1/1986 الا ان الاجتماع لم يعقد بسبب انشغال الرئيس علي ناصر بالتحضير لاستقبال الرئيس الايراني خامنئي لاول مره في عدن. واتفق ان يعقد الاجتماع في 13 يناير 1986.
في تلك الفتره كانت الاجواء في عدن طبيعيه في الظاهر، ولكن كل طرف كان قد اكمل استعداداته لحسم الموقف عسكريا و كل على طريقته، فجناج عنتر يسيطر على الجيش وامن الدولة والرئيس ناصر تتركز قوته في سلاح البحرية وقائد سلاح الجو وبعضا من لجان الدفاع الشعبي والميليشيا الشعبية وانصاره في محافظه ابين مسقط راسه، واختصارا كانت الكفة العسكرية الضاربه في الجيش لصالح جناح علي عنتر. وللاسف كان كل طرف قد اكمل وضع خطته العسكرية للمبادره والقضاء على الطرف الاخر وان لا امل بالتعايش السلمي للطرفين تحت سقف قانون الدوله ونظام الحزب الداخلي. وكان التقدير العام للموقف من يطلق الرصاصه الاولى.
حدد اجتماع المكتب السياسي في قاعه الاجتماع بمقر اللجنة المركزيه الساعه العاشره من صباح 13 يناير 1986. وتوافد اعضاء المكتب السياسي للقاعه، وكان كل الحاضرين من جناح علي عنتر وصالح مصلح قاسم وعبد الفتاح اسماعيل وعلي سالم البيض وعلى شايع هادي… الخ.
ولم يحضر اي عضو من الاعضاء الموالين للامين العام. وفي تمام الساعه العاشره حضر قائد حرس الرئيس علي ناصر للقاعه ووضع حقيبته على الطاوله امام مقعده وابلغهم ان الرئيس سيحضر بعد دقائق واستدار وسحب سلاحه كلاشنكوف وبدا اطلاق النار مبتدئا بعلي عنتر وعلى شايع ووقف صالح مصلح في محاوله لسحب سلاحه فارداه الحارس على الفور.
وحدثنى لاحقا الصديق العزيز علي سالم البيض بعد انتهاء الاحداث و توليه منصب الامين العام للحزب قائلا باختصار، عند بدايه اطلاق النار، الرفاق الذين نجوا من القتل هم الذين نزلوا تحت طاوله الاجتماع وكان هو منهم.!!
وكانت قاعه الاجتماع في الطابق الثاني من المبنى، واشتبك حراس اعضاء المكتب السياسي الموجودين على مدخل المبنى و استخدم بعض الاعضاء الستائر كحبل للهرب عبر الشبابيك.
هكذا اندلعت الاحداث الداميه في 13 يناير 1986 وامتدت المعارك لتشمل مختلف انحاء عدن وصولا الى معسكرات الجيش ووزارات الدفاع والداخليه وامن الدولة .. الخ.
وحسب روايه علي سالم البيض انه استطاع الخروج من المبنى ومعه عبد الفتاح اسماعيل والذي اختار الذهاب لمنزل عضو اللجنة المركزيه سعيد صالح سالم من انصاري عنتر القريب جدا من مقر الاجتماع اقل من مئتين متر اما هو فقد ذهب للمستشفى العسكري الواقع على التله المشرفه على مقر اللجنة المركزيه قرب وزاره الدفاع بعد ان اصيب بجروح غير خطيره من رصاصه لاحد الجنود.
ومن هناك قام باجراء اتصالاته بقاده الوحدات العسكرية وتحرك على اثرها لواء سلاح المدرعات بقياده العميد هيثم قاسم طاهر الموالي لعلي عنتر باتجاه عدن وحاصر المدينه ودارت الاشتباكات وكانت قوه علي ناصر في سلاح البحريه والذين نصبوا حاجزا على الطريق الرئيسي من مقر الاجتماع باتجاه حي التواهي والمعلا… الخ.
وامتدت المعارك الى كل مناطق عدن و محافظه لحج وايين والتي تبين ان الرئيس علي ناصر محمد كان قد وصلها مع كل اعضاء المكتب السياسي الموالين له وعائلاتهم قبل يوم من اندلاع الاشتباكات.
وبعد توقف القتال في كل المناطق، وسيطرت القوات وقيادات الحزب على المحافظات، غادر على ناصر وكل انصاره في الحزب والدوله والقوات المسلحه مع عائلاتهم الى اليمن الشمالي حيث استقبل هناك، مع العلم ان الرئيس علي عبد الله صالح لم يتدخل عسكريا لصالح اي طرف وكذلك المستشارين العسكريين السوفييت التزموا الحياد التام.
وتبين ان القتلى من المكتب السياسي هم: علي عنتر وصالح مصلح قاسم وعلى شايع هادي وعبد الفتاح اسماعيل (قتل خارج القاعة) . وفقد الحزب وعددا من اعضاء لجنته المركزيه وكادره الحزبي واعضاء من القاعده الحزبيه سوان في اجهزه الدوله المدنية او العسكرية وبعد زوال غبار المعارك دعا علي سالم البيض اعضاء اللجنة المركزيه للحزب للاجتماع باعتباره العضو القيادي التاريخي في المكتب السياسي وتم انتخابه امينا عاما للحزب واختيار حيدر ابوبكر العطاس رئيساً للدولة والدكتور ياسين سعيد نعمان رئيسا للوزراء وبدات رحله اعاده الامور الى طبيعتها في البلاد ومواجهة نتائج هذه الكارثه في مختلف الجوانب الحزبيه والاقتصاديه والاجتماعيه و نظرا لحجم الضحايا من الكوادر العسكرية والمدنية كانت المهمه ثقيلة على القيادة الجديدة.
بانتهاء احداث 13 يناير 1986 خرجت محافظة ابين من حكم الجنوب والذي دام 15 عام، ممثله بحكم الرئيس المغدور سالمين، وحكم علي ناصر محمد. ومن نتائجها تمزق الحزب الاشتراكي، وضعف الجيش والاجهزه الامنية الى جانب الخسائر الاقتصاديه وانعكاساتها على مختلف الشرائح الاجتماعيه ومن ذوي الضحايا. وضعفت التحالفات الداخليه وزادت اطماع الدول المجاوره وخاصه السعوديه والتي لم تنجح في حروبها على النظام وشعب الجنوب وفشلها في اسقاط النظام، او التاثير عليه حتى بتعاونها اللصيق مع قبائل الشمال والذي زاد نفوذها في عهد علي عبد الله صالح.
انتخب علي سالم البيض امينا عاما للحزب، واختار الحزب حيدر العطاس رئيسا للدولة، وبدات رحلة ترميم الحزب والدولة ومداواه الجراح الاجتماعية. ومن موقع الشاهد على تلك المرحله لم تنهار الدوله واجهزتها العسكرية والامنية والمدنية رغم تضررها وحافظ الحزب الاشتراكي على وحدته وبنيته التنظيميه الداخليه رغم الخسارة الكبيرة في الكوادر الحزبية والاقتصادية وتم اعادة بناء الحزب تنظيمياً وهيئاته القيادية بسرعة قياسية.
وكان نظام صنعاء وحلفاؤه الاقليميين هم المستفيدون الاكبر مما جرى في الجنوب، وتصرف صالح بحنكه سياسية واستقبل علي ناصر محمد وكل أنصاره من عسكريين ومدنيين والحزبيين وشخصياته القياديه وقدم لهم كل ما يحتاجونه من سكن وامكانيات واخذ في استيعاب العديد من كوادر الحزب الاشتراكي في صفوف حزبه وكذلك الكوادر العسكرية وكبار موظفي الدولة، ودمج الاف الكوادر ضمن اجهزة دولته للاستفاده من كفاءه الجميع دون ان يكون لاي منهم مهما بلغت كفاءته سلطه اتخاذ اي قرار مهما كان صغيرا.
وتصادف تسلم البيض وقيادته الحزب الاشتراكي في ظل بدايه بيريسترويكا غورباتشوف الزعيم السوفيتي انذاك ، وما رافقها من تحولات في البلدان الاشتراكية من وقف المساعدات بمختلف اشكالها لليمن الديمقراطي، شكلت عوامل للضغط على القياده الجديده وسعيها لإيجاد حلولا سريعه في مختلف الجوانب وخاصه الاقتصاديه والتي لها علاقه بحياة الناس اليومية. وكان على قياده الحزب الاشتراكي ممثله بالامين العام والمكتب السياسي في ايجاد الحلول المناسبة، وبدأ الأمين العام التفكير بالانفتاح على صنعاء وتوثيق العلاقه مع الرئيس صالح وتفعيل الاتفاقات السابقه بين البلدين في الجوانب الاقتصاديه و حريه التنقل بالهويه بين الشطرين وصولاً لتفعيل اتفاقيات الوحده بين البلدين المتفق عليها منذ عام 1972 وما تلاها. ووجد الامين العام الحل بتوحيد الشطرين في دوله واحده هو المخرج من الازمه.
معتمدا على ماده في النظام الداخلي للحزب الاشتراكي والتي تنص على تحقيق الوحده بين الشطرين هي المهمه الاساسيه للحزب وقيادته وعلى هذا الاساس وجه دعوه عام 1989 للرئيس صالح بعد سلسله اتصالات عبر الهاتف والمبعوثين وجاء صالح لزيارة عدن واستقبله البيض بحفاوه بالغه وعقد معه خلوه في غرفه اقامته بفندق الجولد مور..
واتفق معه على توقيع اتفاقيه وحده اندماجيه بين الشطرين في 22 مايو 1990 وان تكون صنعاء هي العاصمه و صالح رئيسا لدوله الوحده والبيض نائبا للرئيس وتكليف لجان مختصه لانجاز هذه المهمه بشكل الفوريه بما في ذلك دمج الاجهزه المدنية والجيش واجهزه المخابرات. وبعد نهايه هذه الخلوه صدر بيان عن الامين العام والرئيس صالح باعلان الاتفاق الوحدوي.
وكان لهذا البيان وقع الصاعقه على قياده الحزب والدوله وكل المواطنين في الجنوب واصدقاء النظام وخاصه رئيس الدوله العطاس باعتباره حسب الدستور جمهوريه اليمن الديمقراطيه هو المخول دستوريا والمسؤول عن كل انواع الاتفاقيات مع رؤساء الدول الاخرى بما فيه الاتفاق على الوحده مع الشطر الشمالي ونصت هذه الماده على ضروره اجراء استفتاء لشعب الجنوب والحصول على موافقته قبل الدخول في وحده اندماجيه مع الشمال اي ان الامين العام البيض تجاوز الدستور وصلاحيات رئيس الدوله والذي سمع باتفاق الوحده هو وقيادات الدوله والحزب من الاعلان وساد الذهول الشارع الجنوبي بهذا الاعلان المفاجئ وغادر صالح عدن منتشيا ومنتصرا بعد تقبله هذه الهديه غير المنتظره من الامين العام علي سالم البيض.
بعدها دعا البيض المكتب السياسي وشرح لهم الاتفاق وبعد نقاشات حاميه رضخ المكتب السياسي ولم يكن امامه اي فرصه للرفض وكذلك رئيس الدوله.
وتحمل علي سالم البيض مسؤوليته الفرديه بتجاوز الدستور وصلاحيات رئيس جمهوريه اليمن الديمقراطيه الشعبيه و فرض ارادته الشخصيه على الجميع. وقدم دوله اليمن الديمقراطي ذات السياده والعضو في كل المنظمات الاقليميه والدوليه وتجاوزا اراده شعب الجنوب وصادر حقه في تقرير مصيره استنادا الى الدستور قدمها هديه و لقمه سائغه للرئيس علي عبد الله صالح ونظامه وقبائله والتي لم يحلم بها ولا حتى في المنام!
وبجرة قلم شطبت دولة الجنوب المستقلة عن الخارطة العربية والاقليمية والدولية واصبح الجنوب وكل مقدراته من ممتلكات الدولة الشمالية وشعب الجنوب جزء من شعب الجمهورية اليمنية الجديدة دون استشارته.
لقد تفاجا كل اصدقاء وحلفاء الحزب الاشتراكي واليمن الديمقراطية باتفاق الوحدة والكثير منهم عبروا عن شكوكهم بنجاح هذه الوحده الاندماجيه ليس لانهم ضد وحدة الشطرين كمبدا او هدف منشود بلى انها جاءت قبل اوانها ولاسباب ذاتية وموضوعية تتعلق بطبيعه النظامين والاختلاف في النهج والتفكير والثقافه السائده بين الشعبين الشطرين واختلاف المفاهيم حول دور الدوله وطبيعتها ووظيفتها و دور الحزب الاشتراكي كقائد للدوله وليس مالكاً لها. واذكروا انه عندما اراد الرئيس صالح تاسيس حزبا في صنعاء يوازي الحزب الاشتراكي في الجنوب قام بتجميع قيادات واعضاء سابقين في احزاب قوميه من بعثيين و حركه القوميين العرب وبعض الاعضاء من احزاب شيوعيه عربيه اثناء دراستهم في الخارج ومن الاخوان المسلمين واطلق على جمعهم حزب المؤتمر الشعبي وكان اول امين عام له كان من حزب البعث العراقي وسعى لتاسيس النقابات العماليه والطلابيه واتحاد للنساء وسمح بتعدد الاحزاب بعد ان كان حزب الاصلاح الاخوان المسلمين هو الوحيد في الشمال المعترف به، وشيئا من حريه الصحافه، اي انه قام بتاسيس بنية دولة لها طابع مدني شكلي تحت امرته وابناء عائلته المقربين لتجميل وجه النظام واخفاء طابعه العسكري القبلي الفردي.
وبعد الوحده قام صالح وعبر اجهزته الامنية والعسكرية بعمليات اغتيال واسعه لكوادر الحزب الاشتراكي وقيادته في القطاع العسكري والامني واجهزة الدولة وألغى كل شيء يتعلق بانجازات الحزب الاشتراكي والقوانين المدنية ونهجه والاقتصادي والفكري والثقافي و قام باختراق الحزب عبر ضعاف النفوس واغراءات المال والوظيفه الحكومية واستمالة بعضا من كبار ضباط الجيش والامن للعمل ضمن اجهزة نظامه والتضييق اعلامياً وسياسياً على كل نشاطات الحزب الاشتراكي في صنعاء بعد نقل مكاتبه وقيادته الى العاصمة صنعاء، وصادره صلاحيات نائب الرئيس البيض ودفعه لمغادرة صنعاء، والاعتكاف في عدن وخاصة بعد الوساطات و توقيع اتفاقيه العهد والاتفاق في عمان.
قام صالح بتاسيس حكم وراثي في عائلته وفرعه القبلي سنحان، مما أثار حفيظة الشيخ صادق الاحمر شيخ قبيلة حاشد والذي اصطدم كلاميا مع صالح اكثر من مرة خاصة بعد ان اصبح الجيش الضباط الكبار وجنوده من ابناء سنحان التي ينتمي اليها صالح، ومن ضمنها حديث جرى بينهما وقال صالح “انا الرئيس” فاجابه “وانا شيخك”.
ونتيجه لتضارب المصالح بين علي عبد الله صالح ومشايخ القبائل والذي تزامنا مع موجه الربيع العربي عام 2010 وخروج الاف المواطنين والطلبه في شوارع صنعاء وبدعم من شيوخ القبائل الكبيره بدأت الموازين في الاختلال خاصه بعد رفع الغطاء والحمايه عنه من حليفته السعوديه ودول الخليج و كذلك الدول الغربيه وانحياز بعض القطاعات الجيش وخاصه الفرقه الاولى مدرع بقيادة علي محسن الاحمر وهو بالمناسبه صهر وقريب علي عبد الله صالح ومن ابناء قبيلته ولا يمت بصله قرابه لال الاحمر قادة قبيله حاشد.
وتحت شعار المبادره الخليجيه وآليتها التنفيذية والمدعوم بقرار من مجلس الامن تم الاطاحة بعلي عبد الله صالح بعد ان لعب الاخوان المسلمون التابعين لآل الاحمر دورا كبيرا في المظاهرات ولم يكن امامه سوى التنحي وتسليم السلطه لنائبه عبد ربه منصور هادي ابن محافظه ابين الجنوبيه.
وكان اول قرار لهادي تعيين اللواء علي محسن الاحمر نائبا له باعتباره شريكه وحليفه وهو احد مؤسسي تنظيم الاخوان المسلمين في اليمن واختاره ايضا كونه شريكاً في الحرب الشرسه التي شنت على الجنوب عام 1994 وعينه بعدها حاكما عسكريا لعدن وهو وغيره من الضباط الشماليين اعتبروا جنوب غنيمه حرب وما زالوا يعاملونه على هذا الاساس ولكن تحت شعار الحفاظ على وحده الشطرين وهنا اشير فقط لحادثتين تحملان معاني كبيرة وثيران تساؤل هل الذي جرى وحده حقيقية؟ تحفظ حقوق ترفيه الوحده ام هو ضمن الحاق الجنوب بالشمال هذا اذا لم اقل احتلالاً عسكرياً.
الحادثه الاولى، عندما دخل الجيش الشمالي عدن كان الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الايمان بصنعاء وأحد قادة الاخوان المسلمين ورافق الحملة العسكرية الشمالية على عدن، قال في احدى خطبه للمصلين في عدن: “شعب الجنوب كانوا تحت حكم الشيوعيين وكل شيء فصله الاشتراكيون باطل ومخالف للشرع والدين حتى زوجاتكم كجنوبيين والتي وقعت في عهد الاشتراكية باطلة شرعاً و عليكم اعادة توثيق هذه الزيجات في المحاكم الشرعية الصحيحة كما في الشمال”، وكان يقصد السبب والاهانة وهو يعرف ان ما قاله غير صحيح ولا يؤخذ به.
الحادثه الثانية: بطلها الرئيس صالح نفسه، في احدى زياراته الى عدن طلب من مرافقيه دعوة قيادات وعضو اتحاد نساء اليمن في عدن الى اجتماع خاص مع الرئيس، وبالفعل تم دعوة قيادة الاتحاد وجمعيته العمومية والعضوات في قاعة واسعة ممتلئة، ودخل صالح وجلس على المنصة وبيده كتيبا صغيرا وقال للمجتمعات شيئا واحدا “اسمعوا يا اخواتي وبناتي” ولوح بيده بالكتيب وقال: “شايفين هذا اللي بيدي وعارفين ايش هو، هذا النظام الداخلي لاتحاد نساء الجنوب” وقام بتمزيقه ورمي القصاصات فوق رؤوس الحاضرات واضاف “من اليوم يسري عليكم ما يسري على نساء صنعاء والشمال، أي قواعد الدين والشرع هو الحكم بيننا”، وغادر القاعة وسط ذهول الحاضرات، لماذا فعل ذلك صالح؟! والجواب يعني الغاء قانون الاسرة الحضاري الذي وضعه الاشتراكيون اثناء حكمهم للجنوب والذي لم يكن يضاهيه سوى قانون الاسرة في تونس انذاك ومن اهم بنوده:
– منع تعدد الزوجات الا في حالات محدده نص عليها القانون بحكم من المحكمة المختصه مثل المرض او الوفاة او استحالة العيش المشترك.
– عدم الاكراه في الزواج، وللمراة الحق في قبول الزواج او رفضه وكل الزيجات وعقود الزواج تكون في المحكمه بحضور الطرفين
– المراة شريكة في المنزل للرجل، أي بيت الزوجية، وفي حال التفريق بينهما في المحكمه يكون المنزل للزوجة المطلقة واطفالها القصر، والزام الرجل بالصرف واعالة ابنائه وهم في ولايه والدتهم
اي ان القانون نظم كل الشؤون المتعلقة بالاسرة، من زواج وطلاق، وحقوق كل فرد في الاسرة، وفي حال وفاة الزوج او الزوجة والولاية على الاطفال القصر و تحديد المهر وعدم اقامة حفلات زواج فارهه .. الخ
اكتفي بما ذكر من امثلة تدل على ما جربته الوحدة من دمار على شيء جميل وحضاري مثل مساواة الرجل والمراة في كل المجالات والمناهج الدراسية المتقدمة، وباختصار الغاء كل ما هو حضاري ومتقدم في عمليه البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكل مجالات الصحة والحريات الشخصية وفي اللباس، وهذا غيض من فيض ما الحقته الوحدة قبل أوانها على الجنوب وشعبه من دمار ونهب الثروات وتدمير كل القيم الاجتماعية والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات بما فيها المساواة في التنافس على الوظيفة العمومية.
قبل الوحده وصلت المراة في الجنوب لمنصب نائب وزير، واول قاضية في المحكمة في الدول العربية في ذلك الحين.
صالح في عدن واعتبره مفيدا له وللشمال هو تحويل عدن الى ميناء حر و عاصمه اقتصاديه وسياحيه وابقى على البارات و بيع الكحول والسماح لسكان الشمال بالتملك والسياحه في عدن والتنزه على شواطئها واصبح ابناء الشمال هم السائحون الوحيدون في عدن والذين يتعاطون الكحول ولهم حق استيرادها وتوزيعها في الجنوب وتهريبها الى الشمال باعتبارها ممنوعه هناك واصبحت عدا وكل جنوب مرت عن للاجهزه صالح الامنية والعسكرية ولتجار الشمال وانتشر الفساد والرشوه في الوظيفه العموميه وكان محافظ عدن من ابناء الشمال ومسؤول الامن فيها تذكروا سكان المدينه بممارسات المندوب السامي البريطاني وجيش الاحتلال الاستعماري اخترقت اجهزته الامنية كل شيء في عدن والجنوب ولا يستطيع احد انجاز اي معامله الا عبر الوسطاء الشماليين في اجهزه الدوله مقابل المال الذي يجب ان يدفعه الجنوبي لتسيير امور حياته وتجارته وسيطره الراسمال الشمالي على كل المرتفعات الاقتصاديه في عدن وكل محافظات الجنوب خاصه بعد استخراج ثرواتها النفطيه وهذا ما هو قائمه حتى الان وامام عيون الشرعيه و دوله الوحده والرئيس الشرعي لليمن المقيم في الرياض اما حاكم عدن علي محسن الاحمر فقد كان كل همه بسط يده على الاراضي والممتلكات العامه والخاصه تحت غطاء ملكيه الغائب ويقوم بتسجيلها باسمه ويوزعها على كبار معاونيه الشماليين وتحولت عدن في عهده مقررا للشركات التهريب والمتاجره بكل شيء حتى المخدرات.
و اصبح ابناء الجنوب في حيص بيص وهكذا بدات الارهاصات الاولى للتمرد واللجوء للعمل السري وتهيئه الاجواء لثوره حتى تفجرت عام 2007 بالحراك الجنوبي.
وقد ساهمت اعتكاف اتناء ب الرئيس علي سالم البيض في عدن الى اعاده تسخين الاوضاع في الجنوب وزياده التمرد على حكم صنعاء وصولا الى اجتياح الجيش الشمال لعدن والجنوب مره اخرى و بدء المعارك التي امتدت من 22 مايو 94 وحتى 7 تموز 64 تمكن الجيش الشمال بقياده عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الاحمر اعاده احتلال واخضاع الجنوب لنظام صنع اه ومازال الرئيس علي سالم البيض خارج وطنه ولا يملك حتى زواج السفر ويتحرك بوثيقه سفر صادر عن الامم المتحده.
وهكذا طويت اخر صفحه من حكم الحزب الاشتراكي اليمني الجنوب وما زال الجنوب تحت حكم الجيش الشرعيه اليمنيه وحكومتها المقيمه في الرياض وهنا يطرح السؤال المركزي اين اصبحت الوحده اليمنيه والجواب ببساطه لم يعد للوحده وجود الميدانيه على ارض اليمن سوي بعض المحافظات شمالا وجنوبا و عاصمه الوحده صنعاء اصبحت عاصمه لحكومه الحوثيين..
اما في عدن والجنوب فوضعه بات واضحا، عدن ولحج والضالع واجزاء من ابين وشبوة اضافة لجزيره سوقطرة تحت حكم المجلس الانتقالي والامور ما زالت غير مستقره على حال والرئيس الشرعي وحكومته في الرياض والتي بلغت موازناتها 250 مليون دولار سنويا تصرف على قيادته الشرعيه ورئيسها والموطفين التابعين لهم هذا غير النفقات العسكرية والامنية الضخمه التي يتحملها التحالف ليبقى سيطرته امنيا وسياسيا على اجزاء واسعه من اليمن وخاصه الجنوب.
اما ماذا عن مستقبل الشمال والجنوب وهل يبقى كل كيان محتفظا بارضه ومساحته السابقه بغض النظر عمن يحكم اعتقد وعلى ضوء تطور الاحداث وتسارعها ليس المطروح الان برأيي الحفاظ على الوحده شمالا وجنوبا بل السؤال هل يحافظ اقليم الشمال و اقليم الجنوب كل على وحده ترابه الوطني ام تتجه الاوضاع الى مزيد من التمزق شمالا وجنوبا في ظل تعقيدات الوضع الاقليمي والدولي وزياده اللاعبين واطماعهم في السيطره على تراب اليمن وثرواتها وموقعها الاستراتيجي و جزيرتها الساحره سوقطرة مما يفرض على القوى والقيادات الوطنيه المخلصه لتراب وطنهم التحرك سريعا والاتحاد في وجه قوى الشر والتي لا تريد الخير لليمن لا شمال ولا جنوب
التعليقات مغلقة.