العلمانية من حكم الضرورة إلى وعيها / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد ( سورية ) – الخميس 10/9/2020 م …
تظل العلمانية تشكل هاجساً دائماً للقوى المحرومة والمغيبة والمفقرة والمشيئة والمستلبة من جهة, فعبر تطبيقها في الدولة والمجتمع يحوز الإنسان (الفرد والمجتمع) على جزء كبير من حريته وعدالته ومساواته ومواطنيته.. إي إنسانيته, وقدرته على تحقيق مصيره. فهي خشبة الخلاص من القوى التي تعمل على تجهيلها واقصائها خارج تاريخها الإنساني… ومن جهة ثانية, تظل العلمانية تشكل أيضا, هاجساً مشبعا بالخوف منها ومن نتائج تطبيقها عند القوى المستبدة الغارقة بشهوة السلطة والأنانية والمصالح الخاصة, والباحثة عن المجد حتى ولو كان على حساب ظلم الرعية وسحقهم من منطلق : (أنا أو يحدث الطوفان. ).
فلنعمل بشكل دائم على تعميق هاجس العلمانية عند المواطن والتعريف بها. لكونها خشبة الخلاص من قهر الشعوب وظلمهم واستلابهم وتشيئهم.. وهي المشعل الذي سينير الطريق لهم باتجاه جوهر إنسانيتهم من جهة, مثلما هي مشروع حياة للدولة المدنية, التي ستعمل التي ستلغي الدولة الشمولية من جهة أخرى.
في المفهوم:
تعتبر العلمانية في سياقها العام, طريقة أو أسلوب عمل أو منهجاً في إدارة آلية عمل الدولة والمجتمع, حيث يقوم هذا المنهج على الايمان والقناعة بإن العلمانية إن كانت قد جاءت من العلم أم من العالم, فهي تؤكد وجود قوانين موضوعية تتحكم بآلية عمل الطبيعة بشكل عام والمجتمع بشكل خاص, وبشكل مفتوح على المطلق خارج إرادة أيى سلطة كانت دينية أو وضعية, وما على الناس إلا اكتشاف هذه القوانين (سنن الكون) والتحكم بها وتوظيفها لمصلحة هذا الإنسان نفسه. وبالتالي فالعلمانية وفق هذا المعطى هي منهج في التفكير والعمل, يقوم على حرية الإنسان وقدراته في صنع حياته وإعادة تشكيلها وفقاً لمصالحه بناءً على طبيعة المرحلة التاريخية المعيشة, وحالات تطور بناها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. والعلمانية أيضاً وفق هذا المعطى ذاته, هي صيغ قابلة للتطور والتبدل عبر التاريخ, أي هي ليست صيغة واحدة كما يقرر بعض من اشتغل عليها تاريخياً أو انتقدها فكراً وممارسة, وخاصة من رجال الدين الذين يكفرون ويزندقون دعاتها وأتباعها .
أما موقف العلمانية من الدين, فهي في موقفها المنهجي العقلاني النقدي القائم على التجربة البشرية التاريخية- هذه التجربة التي تقر بوجود القوانين الموضوعية المستقلة في نشاطها أو آلية عملها, وتحكمها بآلية سيرورة وصيرورة الظواهر- ترفض ربط الدين بالسياسة أو الدولة, أو اعتباره بأنه المنطلق المعرفي والسلوكي أو الوجودي للدولة, مع إقرار الدولة العلمانية بأن مقاصد الدين الأساسية القائمة على العدالة والمساواة والتسامح والمحبة والحفاظ على حقوق الإنسان الطبيعية (حق الحياة وحق الدفاع عن الأرض والعرض, والاختلاف في العقيدة), هي جزء هام من مضمون العلمانية من جهة, في الوقت الذي ترفض فيه هذه الدولة العلمانية أيضاً ربط حركة المجتمع بأي أيديولوجيا سكونيه أو جمودية, دينية كانت أم وضعية, تريد للواقع الاجتماعي بكل بناه أن يرتقي إليها دائماً لا العكس من جهة ثانية.
بتعبير آخر: إن أي عقيدة أو أيديولوجيا دينية كانت أم وضعيه, ترفض التجربة التاريخية للدول والمجتمعات, بل وحتى الأفراد, مثلما ترفض الاعتراف بأن قوة الواقع أقوى من قوة النص المقدس المتعالي على الواقع, وأن الواقع في حركته وتطوره وتبدله يطالب النص المغلق او المتعالي أن يفتح مخزونه المعرفي على مصالح الناس في حالة تبدلها وتطورها عبر التاريخ وهو كذلك في أصله, هي عقيدة أو أيديولوجيا تريد للفرد أو المجتمع والدولة, أن يسيروا على رؤوسهم وليس على أقدامهم. أي هي تريد القول بأن الفكرة (المطلقة) الثابتة الصالحة عندهم لكل زمان ومكان, هي من يقوم برسم الطريق الذي على الفرد والمجتمع السير عليه لتحقيق النهضة والتقدم, أي ضرورة ارتقاء الواقع إليها دائماً, وليس السير داخل المحيط الاجتماعي والبحث عن القوانين الموضوعية التي تتحكم بآلية سيرورته وصيرورته, وبالتالي معرفة أن هذه القوانين هي من يتحكم بالواقع, ولا بد لنا من كشف هذه القوانين والتسلح بها والقبض على الواقع من خلالها, لا العمل على لي عنق الواقع كي ينسجم مع نصوصها الثابت.
ملاك القول:
إن العلمانية بنظرنا منهج وأسلوب حياة يقر بأن الإنسان سيد نفسه, وصاحب القرار في رسم الطريق الذي يجد فيه مصلحته ومصلحة الأجيال القادمة… وإن العلمانية حركة تاريخية للمجتمع تساهم في كشف (حكم الضرورة ووعيها), أي معرفة القوانين الموضوعية التي تتحكم بالواقع وتسخيرها لمصلحة الفرد والمجتمع. وإن أهم مفرداتها العملية في نهاية المطاف هي المواطنة ودولة القانون والمؤسسات والعقد الاجتماعي, أو دولة الحرية المشروطة بالوعي والمسؤولية تجاه مصالح الإنسان الايجابية.. أي الدولة المدنية بامتياز.
كاتب وباحث من ديرالزور – سورية
التعليقات مغلقة.